علماء تحت راية الإسلام: جابر بن حيان مؤسس الكيمياء الحديثة
يعد العالم الكبير جابر بن حيان واحداً من أهم من تخصصوا في الكيمياء على مدار التاريخ، فيكفيه أن تعريفاته للعناصر الكيميائية لا تزال مستخدمة في العالم كله ولا يجد عالم الكيمياء عنها محيصاً، وهو العالم الذي تدين له الحضارة العالمية في يومنا هذا بالكثير، فيتفق علماء العصر الحديث على أن جابر بن حيان هو أبو الكيمياء الحديثة، فقد خلص الدراسات القديمة من الغموض والسرية والرمزية التي كانت سائدة وأنهى أسطورة تحويل التراب والمعادن الخسيسة إلى ذهب، ليؤسس علم الكيمياء الحديثة القائمة على المنهج الاستقرائي الاستدلالي، واعتمد على التجربة بشكل أساسي.ولد أبو عبدالله جابر بن حيان بن عبدالله الكوفي المعروف بالصوفي، في سنة 101هـ/ 721م في مدينة طوس (شرق الجمهورية الإيرانية)، حيث كان يعمل صيدلانيا، وكان أبوه عطارا، نسبته الطوسي أو الطرطوسي، وينحدر من قبيلة الأزد، ويقال إنه كان من الصابئة، ومن ثم لقبه الحرّاني، وكان من أنصار آل البيت، ومن غير الموالين للدولة العباسية في بداية حياته، وكان يعيش في ستر وعزلة عن الناس فقيل عنه إنه كان صوفياً، أما تاريخ وفاته فغير معروف تماما، ويقال إنه تُوفي سنة 200 هـ/815 م.
رحل ابن حيان إلى مدينة الكوفة حيث اتصل بالإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر، ويقال إنه أخذ علم الصنعة عنه، وتتلمذ على يديه، وعن طريقه دخل بلاط هارون الرشيد الذي استقبله بحفاوة، ثم رحل إلى الجزيرة العربية واتقن العربية وتعلم القرآن والحساب وعلوما أخرى على يد رجل عرف باسم حربي الحميري وقد يكون هو الراهب الذي ذكره في مصنفاته وتلقن عنه بعض التجارب، ونبغ ابن حيان في عدد من العلوم التي ألف فيها كتبه، منها الكيمياء، والفلسفة، والتنجيم، والرياضيات، والموسيقى، والطب والسحر ورسائل دينية أخرى. واعتمد جابر المنهج العلمي وآمن إيماناً عميقاً بأهمية التجارب كسبيل علمي لمعرفة الحقائق، فقام بإدخال الكيمياء إلى «المختبر» لإجراء التجارب العلمية ومراقبة النتائج وتدوينها، وهو نفسه حدّد صفات العلم الحقيقي والعلماء الحقيقيين، إذ يعتمد العلم عنده على التجربة «التدريب» ويجعل من التدريبات «التجارب» العلمية شرطا أساسيا للعالم الحق، ويقول «من كان درباً، كان عالماً حقاً، ومن لم يكن درباً لم يكن عالماً حقاً، وحسبك بالدربة في جميع الصنائع، إن الصانع (العامل في الكيمياء) الدرب يحذق، وغير الدرب يعطل».منهج ابن حيان العلمي مكنه من اكتشاف الكثير من أسرار الكيمياء، فكان هو مخترع القلويات وماء الفضة وماء الذهب والبوتاس وعرف بأن الشب (أملاح الألومنيوم) يساعد على تثبيت الأصباغ في الأقمشة، فضلا عن ممارسة ابن حيان للكثير من العمليات الكيميائية كالتقطير، والتكليس، والتبلور، والتصعيد، وعرف واكتشف الكثير من المواد الكيميائية.وهناك بعض مخترعات لابن حيان لم يتوصل العلم الحديث إليها، فقد اخترع جابر ورقاً غير قابل للاحتراق وما زال العلماء يفتشون في كتب جابر المخطوطة لعلهم يظفرون بهذا السر الكيميائي.