جيكل وهايد وأسئلة المسرح المحلّي... أفكار سطحيّة ومسرحيات طنازة

نشر في 12-07-2011 | 00:01
آخر تحديث 12-07-2011 | 00:01
على خشبة مسرح الملك في بريطانيا، أتيحت لي فرصة حضور مسرحية «جيكل وهايد» Jekyll and Hyde the Musical. والعمل المتقن مضموناً وأداءً حرّك في داخلي أسئلة عدة متعلّقة بالمسرح المحلي، الذي يشهد بدوره حالة تراجع كبير.

قصة المسرحية مقتبسة عن كتاب بعنوان «الحالة الغريبة للدكتور جيكل ومستر هايد} Strange Case of Dr Jekyll and Mr Hyde للكاتب الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون، والمنشورة عام 1886.

السؤال الفصل

في فترة الاستراحة ما بين الفصلين، التفت إليَّ جاري الاسكتلندي وسألني عن سبب إمساكي بدفتر ملاحظات صغير والكتابة في الظلام من دون أن أرى ما أكتب؟ فأجبت بأنني كنت أسجّل فيه تعليقاتي حول المسرحية، بالإضافة إلى أفكاري الخاصة، وأنني كنت أسجّلها متخيّلة الأحرف والكلمات ومكانها في السطر من دون أن أراها فعلياً، ليعود فيسألني: من أين أنت؟ وحين أجبته بأنني من الكويت، سألني السؤال الفصل، هل لديكم مسارح في الكويت؟ أجبته باندفاع مبتسمة: نعم لدينا... كانت الكويت هي «وست إند الخليج»، وما أن انتهيت من جملتي حتى اعتصرني الألم حين لاحظت أنني قلت كلمة «كانت»، أي أنها لم تعد «مسرحياً» كذلك.

مشرف الرقعي

للمسرح دور كبير في قدرته على إلهام البشر وبالتالي دفعهم إلى التفكير، وربما يحفّز المسرح الخيال النائم، إن لم يكن في غيبوبة دائمة، لبعض موظفي الوزارات لطرح الأسئلة وتوسيع المدارك والتغيير من «مود» السينما والمطاعم التي لا نملك غيرهما.

من ناحيتي، فإن أحد أبسط الأسئلة التي طرحتها على نفسي من مسرحياتنا مثلاً كان عن سبب تسمية الفنان الكبير الراحل حسين الحداد الذي خطب نيران (سعاد عبد الله) بـ «مشرف الرقعي» وأخته «عارضيه» في مسرحية «على هامان يا فرعون»؟ هل هي إشارة إلى فئة معينة كانت تسكن تلك المناطق في ذلك الوقت؟ كذلك تكبر الأسئلة حسب المسرحية وطرحها. ففي مسرحية «مصيدة الفئران» لأغاثا كريستي والتي تعمل بشكل متواصل منذ 60 عاماً في «الوست إند» في بريطانيا، فقد كانت تطرح سؤالاً واحداً طوال المشاهد، «من القاتل؟» وعندما حضرت أحد عروضها منذ عام كانت الصالة ممتلئة... كالعادة.

ماهيّة الشر

في مسرحية مثل «جيكل وهايد»، حين يتساءل الإنسان بينه وبين نفسه عن ماهية الشر، وهل الشر مرض من الممكن أن يتخلّص الإنسان منه بدواء؟ وكيف يقدر الإنسان شراً ما؟ فما قد يقول عنه البعض إنه شرّ، فإنه خير لأناس آخرين، مثلما نقول دائماً في الأمثال «مصائب قوم عند قوم فوائد». ومما يبدو أن الدكتور جيكل كان يظن أن الشر والخير أمران ماديان، وأن الشر مثل الورم الذي يمكن استئصاله، وبحكم كونه عالماً لم يكن يأبه للروحانيات ومع ذلك فإنه وبعد أن اشتد الوضع عليه يظهر في مشهد مسرحي مهيب يقف فيه أمام المرآة يدعو الله أمامها أن يتخلّص من الشر الذي استحوذ عليه، ليظهر «مستر» هايد فجأة فينظر إلى عينيه القويّتين لينحني له جيكل وقد توقّف عن الدعاء حين اكتشف أن هذا الجانب من شخصيته قد استحوذ وسيطر على الجانب الطيّب منه.

الدواء في هذه القصة كان هو «العامل» الذي أخرج ذلك التناقض الشنيع على السطح، ولا ننسى أنه كان عاملاً «خارجياً» مثل الشيطان أو صاحب السوء في حالتنا، وهي ليست الحال دائماً، خصوصاً ونحن نملك نفسنا الأمارة بالسوء. لكن إن تساءلنا للحظة عن إمكان إيجاد دواء قادر على فعل ما تمناه الدكتور جيكل منذ البداية، فما يكون قد صنع؟ وما المواد الكيماوية القادرة على كبح تلك النفس؟ أظن أنها القدرة على إفراز ما أحب أن أطلق عليه «هرمون الفطرة السليمة» التي توقّفت غدد كثيرين عن إفرازها ما تسبّب في تورّم الشر وجحوظه في عيون الناس وتصرّفاتهم.

مسارح استهلاكيّة

أتمنى لو أننا أعدنا صياغة القصص العالمية بما يتناسب وأخلاقياتنا ومبادئنا وأنتجناها بالطريقة التي تليق بها، غير أن مسارحنا باتت مسارح استهلاكية، إلا من رحم ربي، تلك التي تستغل نجاح مسلسل رمضاني ما بإنتاج «أي كلام» ومن دون وجود فكر حقيقي يناقش العقل ويحاكيه، حتى بتّ أطلق عليها مسارح المقاولات، ذلك أنها ذكّرتني بأفلام المقاولات التي ظهرت في الثمانينيات في السينما المصرية لتنتج أفلاماً على غرار «الرجل الذي عطس»، وذلك كله حين يوكل بزمام الأمور لمن هم ليسوا أهله.

غالبية مسرحياتنا باتت «طنازة بخلق الله» ونكات خادشة للحياء ومهازل مبكية وأفكاراً سطحيّة تُطرح بإنتاج مثير للشفقة. فإن اعتبرنا أن رداءة الأفكار هي «عتريس» فإن إنتاجها «فؤادة» وبالصوت «الحياني» يصاح بأن «جواز عتريس من فؤادة... باطل»، و{يا عيني يا عيني... يا عيني على المسرح» مع الاعتذار لشادية ولرائعة فيلم «شيء من الخوف».

متى سنصل إلى مستوى العالمية؟ وهل سيأتي اليوم الذي يقال فيه حول العالم: «إننا ذاهبون إلى ميدان حولي في الكويت» مثلما يقال «إلى برودواي في نيويورك» أو «إلى الوست إند في لندن»؟

الحكاية

تحكي «جيكل وهايد» قصة الدكتور جيكل الذي يحاول صنع دواء يقضي به على الشر في داخل البشر، وحين يرفض المجتمع الطبي تجربة دوائه على الناس يضطر الى تجربته على نفسه، ما يؤدي إلى تشويه شكله الخارجي وتخلّيه عن الأسس الأخلاقية التي كانت لديه. فيقتل ويغتصب ويسرق كيفما يشاء، وقد أطلق هذا الجانب من شخصيّته على نفسه اسم «هايد المختبئ» (في دلالة واضحة على ماهية شخصيّته)، حتى يشرب الدواء الذي يعيده إلى شكله الأصلي وإلى شخصيّته. ولأن الدكتور جيكل لم يستطع فعل ما أراده من شرب الدواء في المقام الأول، أي لم يستطع التخلّص من الشر في نفسه بل على العكس ساعدها على الظهور والتطوّر بشكل خطير، يضطر الى الانتحار لأنه بات يتحوّل إلى هايد من دون حتى استخدام الدواء.

back to top