ظهور الشخصيّات الدينيّة... قضيّة قديمة جديدة

نشر في 15-08-2011
آخر تحديث 15-08-2011 | 22:02
 محمد بدر الدين في مرحلة مبكرة في السينما المصرية شرع يوسف وهبي في تقديم فيلم ـ بإنتاج ضخم ـ يؤدي فيه شخصية النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، فقامت الدنيا وأثار جدلاً طويلاً، ربما توقّف بشأن صنع هذا الفيلم بالذات، لكنه لم يتوقف حتى اليوم بشأن قضية ظهور الأنبياء والشخصيات الدينية عموماً، في وسائط التعبير والتجسيد الدرامي المختلفة من مسرح وسينما إلى دراما تلفزيونية، فبحكم حداثتها،  لم تعرف هذه الفنون اجتهادات وفتاوى الفقه الإسلامي في زمن مؤسّسيه ورواده، لذلك لزم على المعاصرين النظر والاجتهاد.

فتحت واقعة تجسيد يوسف وهبي شخصية الرسول الكريم في النصف الأول من القرن العشرين الباب مبكراً لمناقشة الموضوع، أول ما نلاحظه في هذا الخصوص هو سعة أفق ظهرت منذ البداية، ثم أخذت تقلّ وتضيق، فقد كان ما يشبه الإجماع على عدم جواز تجسيد شخصيات الأنبياء، لأنهم في مكان من السمو والرفعة بحيث لا تجوز المجازفة بتصويرهم في السينما، على نحو يستحيل أن يضمن أحد ـ سلفاً ـ أنه سيكون على مستوى قيمتهم ومكانتهم الخاصة، التي تسمو على كل قيمة ومكانة بين البشر.

لكن في الوقت نفسه، لم تذهب الآراء والاجتهادات إلى درجة من التضييق، يأباها الذوق والمنطق، بحيث لم يشمل منع الظهور سوى شخصيات قليلة معدودة.

لذا رأينا في السينما المصرية الفنان حسين صدقي يجسد شخصية خالد بن الوليد، في فيلم يحمل اسم هذا الصحابي العظيم والقائد العبقري، والفنان يحيى شاهين يجسّد شخصية بلال بن رباح في فيلم يحمل اسم هذا الصحابي الجليل مؤذن الرسول والإسلامي الأول والأعظم.

وفي مرحلة لاحقة رأينا على شاشة التلفزيون المصري الفنانة محسنة توفيق تجسّد شخصية أسماء بنت أبي بكر في تمثيلية سهرة مؤثرة رائعة عن حياة هذه الجليلة النبيلة الباسلة، من إخراج نور الدمرداش، أحد رواد دراما التلفزيون المصرية والعربية، كذلك رأينا الفنان عبد الله غيث يجسّد شخصية أبي ذر الغفاري في تمثيلية سهرة أخرى بالغة الإتقان، عن حياة هذا الصحابي الفذ، ضمير ملحمة رسالة الإسلام، والرمز الثوري الخالد على مدى الأزمان، وقد أخرج هذا العمل البديع المخرج الكبير محمد فاضل في أحد أنضج أعماله الدرامية.

لكن لو سألنا أنفسنا: هل نستطيع أن نرى أعمالاً جيدة، عن مثل هذه الشخصيات الجليلة ونظرائها، في السينما وغيرها من فنون الدراما؟ لوجدنا أن سعة الأفق ولّت أو انحسرت، والرؤية الرحبة الحصيفة، التي تجتهد بوعي وفهم، حلّ محلها ضيق أفق كئيب بلا حدود، وأصبحت أعمال مهمة جادة تلقى المطاردة أو العقاب، ويزداد باطراد التعنّت والتزمّت والإصرار على منعها، والمثال الأشهر هنا فيلم «الرسالة» للمخرج العربي العملاق الراحل مصطفى العقاد، لا لشيء سوى أنه ظهر فيه من يجسّد شخصية حمزة عم الرسول، ومن المؤكد أنه كان أحد الأمور الميسورة أن نرى هذه الشخصية العظيمة الجسورة، لو قُدّمت في مراحل الاجتهاد الصحيح وسعة الأفق السابقة، التي رأينا فيها الشخصيات السالفة الذكر، حتى عقد الستينيات ـ وإلى حد ما السبعينيات ـ من القرن العشرين.

على أن سوء الحال والأمور، استمرّ واستشرى ابتداء من الربع الأخير من القرن العشرين، في هذا المجال كما في كل مجال غيره.

لكن الطريف ـ على سبيل المثال ـ أنه في عام 2011، اعترض الأزهر في مصر على عرض المسلسل العربي «الحسن والحسين»، فقرر وزير الإعلام عدم عرضه في أي من قنوات التلفزيون المصري، ومع ذلك عرضت قنوات عربية ومصرية خاصة هذا المسلسل على نطاق واسع، خلال شهر رمضان، وحقق أعلى نسبة مشاهدة في زمن الفضائيات والسماوات المفتوحة ووسائل التقنية والتواصل الحديثة، لم يعد المنع ممكناً ولم يعد القمع في هذا الميدان يجدي شيئاً أو يعني شيئاً.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن فيلماً ملحمياً ناضجاً فنياً وصادقاً مؤثراً مثل «الرسالة» للعقاد، يقدّم جدوى وخدمة جليلة للإسلام ومبادئه السامية، أكثر بما لا يقاس أو يقارن، من أدوار المتحدثين باسم الإسلام على نحو تقليدي متزمّت متعنّت، وهم نوع يهرع إلى المنع والتحريم في كل شيء في الحياة الإنسانية ـ ما وسعه جهده! ـ وقبل أن يتأمل أو يفكر أو يعقل... لأنهم ليسوا جديرين بالحياة الإنسانية الحقة، ولا بالإسلام بمفهومه الحقّ، وليسوا من أولي الألباب... فهم لا يعقلون.

back to top