آلهة من تمر

نشر في 22-07-2011
آخر تحديث 22-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي قبل أن يمنّ الله على البشر بإرسال نبي الأمة سيدنا محمد بن عبدالله برسالة الإسلام كان أهل الجزيرة العربية يعبدون كل ما يخطر على بالهم من حجر وشجر وشمس وقمر... ولم يكن التمر بعيدا عن ذلك، فقد كان هناك جماعات من البشر تصنع تماثيل من تمر تتعبد إليه، وتسجد له وعندما يقرصها الجوع تقوم بأكله حتى لو كان إلهاً.

وهذا ينطبق على الثورات العربية التي نراها تعم الساحات والميادين في المدن العربية، فقد قامت هذه الملايين الثائرة اليوم بخلق الزعيم في الأمس عندما نزلت إلى الشارع تهتف باسمه تمجده وتفديه بالروح والدم، وتقدس كتبه التي «أنزلها»، عفواً ألفها حتى غدت تنافس الكتب السماوية في قدسيتها، فغدا الزعيم الإله هو الوطن، والوطن هو الزعيم الذي صاح بأعلى صوته كما قال فرعون «أنا ربكم الأعلى».

وعندما شعرت هذه الملايين من البشر مع مضي الوقت بالجوع، وفاض بها الأمر، قامت بأكل الزعيم، ولم تكتف بذلك، بل قامت بأكل أسرته كلها والمحيطين به والقريبين منه، وكأنها تريد الانتقام لسنوات الحرمان، وأصبح الزعيم الإله يهرب من هذه الملايين من شارع إلى شارع ومن «زنقة» إلى «زنقة».

ولكن تبقى التساؤلت الأهم: وماذا بعد؟ هل ستنتهي معاناة ما يزيد على ثلاثين عاما؟ وهل ستحل مشاكل تراكمت على عقود من الزمن؟ وهل ستقوم الشعوب التي خلقت الزعيم بالأمس بخلق بديل عنه، أي أنها ستقوم باستبدال صورة بصورة مع بقاء «البرواظ»؟

ففي لقاء، على سبيل الذكر، مع أحد الدبلوماسيين المعتمدين في البلاد عبر عن اعتقاده بأن إسرائيل قد قامت بتكوين عدد من الفرق المتخصصة لدراسة تأثير هذه الثورات وانعكاساتها فيهم، فهل يا ترى قمنا بتكوين مثل هذه الفرق في الكويت أو دول مجلس التعاون؟

وعلى سبيل المقارنة مع الفارق، فقد حضرت ممثلا لبلدي حفل تنصيب ثلاثة رؤساء في أميركا الجنوبية وهي جمهورية كولومبيا، وجمهورية نيكاراغوا وجمهورية الإكوادور وكانت احتفالات فيها الكثير من الروعة، حيث يقوم الرئيس المنتهية ولايته بتسليم مقاليد الحكم مع نسخة من الدستور إلى الرئيس الجديد المنتخب الذي يقوم بتوجيه خطاب إلى الأمة يشرح برنامجه خلال فترة رئاسته.

في أحد تلك الاحتفالات، وكان في مدينة بوغوتا عاصمة كولومبيا كان يجلس بجانبي وكيل وزارة الخارجية في إحدى الدول العربية التي تشهد حاليا إحدى ثورات ما يسمى «بالربيع العربي»، فسألته بدعابة: يا ترى هل عندنا في عالمنا العربي حفلات تنصيب للزعماء المنتخبين بصورة سلسة وسلمية كما نراه الآن؟ أجاب مازحا، نعم... نعم بكل تأكيد، ولكنها حفلات نصب لا تنصيب، وتستمر هذه الحفلات إلى نهاية عمر الزعيم أو إرغامه على التنحي.

ونحن بهذه الآية الكريمة التي هي نور ونبراس ندعو الله أن يهدي بها الشعوب العربية: «إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ». صدق الله العظيم.

back to top