ثورة السينما... وسينما الثورة

نشر في 22-08-2011
آخر تحديث 22-08-2011 | 22:01
 محمد بدر الدين يهدف الفنان المبدع الحقيقي، في السينما، كما في كل فن، إلى ثورتين تتلازمان في عقله وعمله: ثورة تغير حال وطنه إلى الأمام وتنقل ما هو واقع وكائن إلى ما ينبغي أن يكون، وثورة تطوّر فنه وتدفعه قدماً، ليصبح فناً أرفع وأنفع، وهو يريد، بما وهب من إمكانات ومواهب، أن يساهم في الثورتين: الأولى ثورة بلده ومجتمعه من خلال إبداعه وأداء دور في العمل العام والحركة السياسية، والثانية ثورة الفن الذي يعمل فيه ويعبّر من خلاله، فهو، بتجويد إبداعه وتطوير أدواته وإنضاج قدراته وتحليقه في آفاق فنية وجمالية أرحب على الدوام، يشارك في نقلات ثورية تلو الأخرى، أو موجات تدفع هذا الفن من تطور إلى آخر، ومن طور إلى آخر.

ثم نقطة، أو مسألة، أخرى لا تقلّ أهمية، هي أن ثورات الشعوب تدفع الفنون أيضاً، كما أي مجال، إلى مراحل جديدة، تصل فيها إلى منجزات ومشارف أبعد.

على سبيل المثال، كان تأثير ثورة 1919 على الفنون هائلاً لا تخطئه عين، فلقد أنشئت بعدها فنون التشكيل الجميلة إنشاء جديداً، وولد فن النحت مجدداً على يد محمود مختار ومدرسته، في بلد انقطع فيه الإبداع في النحت طويلاً، مع الأسف، مع أنه أول بلاد الدنيا التي عرفت إبداعات في هذا المجال، منذ مصر الفرعونية، لم يعرف التاريخ الإنساني مثيلاً لها.

على صعد الفنون الأخرى، رأينا انطلاق وتألق الرواية والأقصوصة والمسرح والأغنية والموسيقى بمفاهيم حديثة أكثر تطوراً ونضجاً، كذلك دخلت السينما مرحلة جديدة مع النهضة التي وعاها طلعت حرب ودعا إليها وأسّسها، فكان، مع بنك مصر والمشاريع العملاقة التي مثّلت حلم الرجل العملاق، مشروع ستوديو مصر لتحقيق نقلة جديدة حضارية في مسيرة تأسيس صناعة ونهضة حقيقية للسينما في مصر.

كذلك لم تبقَ السينما وغيرها من الفنون، بعد ثورة 23 يوليو 1952، على المنوال نفسه قبل الثورة، فشهدت الخمسينيات من القرن العشرين عقداً ذهبياً في تاريخ السينما المصرية، إذ تشجّعت على بثّ روح جديدة، وساعد المناخ الصحي في إطلاق الطاقات، وبزغ مفهوم أن فن السينما جزء لا يتجزأ من الثقافة الوطنية.

أما الستينيات (عقد دخول القطاع العام السينمائي إلى جانب استمرار الخاص)، فقد أهدتنا أروع ثمار فن السينما المصري على مرّ تاريخه، إنها الأعمال التي نفاخر بها وتمثل، على الدوام، قيمة وقاعدة تنطلق منها السينما المصرية نحو آفاق مرجوة:

من «القاهرة 30» لصلاح أبو سيف عن أدب محفوظ، مروراً

بـ «الحرام» لبركات عن أدب إدريس، و{يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق صالح عن أدب الحكيم وأفلام أخرى له رفيعة وثورية، وصولاً إلى «جفّت الأمطار» رائعة المخرج سيد  عيسى، «زوجتي والكلب» أول أفلام سعيد مرزوق وأفضلها، «البوسطجي» ثاني أفلام حسين كمال وأفضلها، «المومياء» تحفة شادي عبد السلام وأول وآخر أفلامه.

بعد القضاء على القطاع العام السينمائي في نوفمبر 1971، على يد سلطة انقلاب السادات الغاشمة على الثورة ومنجزاتها، لم يستطع شادي ولا غيره من الفنانين الكبار إنجاز مشاريعهم في سبيل ثورة الوطن وثورة الفن إلا نادراً، في ما يشبه المعجزة، مثل نموذج سينما يوسف شاهين في السبعينيات وما بعدها، من خلال مؤسسته وتعاونها لإنتاج مشترك يعبّر من خلاله ويبدع، وهي حالة استثنائية كما نعلم.

اليوم، نتوقّع نقلة وتأثيرات تتجمّع وتدفع ربما إلى حدّ الطفرة، بشأن السينما المصرية بعد ثورة 25 يناير، فمرة أخرى لن تكون السينما والفنون بعد الثورة كأحوالها قبل الثورة.

كان المبدعون، في السينما وغيرها، يساهمون في تقدم (وتثوير) بلادهم، من خلال فنهم وعطائهم، الذي يزداد  نضجاً وارتقاء بالفن والجماليات والحرفية، فهو دور وأداء مزدوج للوطن... والفن.

إنها ثورة السينما... وسينما الثورة. من هنا يحتاج الموضوع إلى بحث وتناول لأنه يشمل زوايا وجوانب كثيرة.

back to top