وجهة نظر: إنفاق الأزمة أم أزمة الإنفاق

نشر في 16-10-2011
آخر تحديث 16-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. عباس المجرن الإنفاق الاستثماري، أو ما يعرف احصائيا بتكوين رأس المال الثابت، هو العامل الأساسي وراء أي زيادة في قدرة الاقتصاد المحلي على الانتاج، وهو الذي يؤدي الى تحقيق زيادة مباشرة وغير مباشرة في الدخل القومي الجاري، وبذلك يشكل هذا الانفاق أهم مصدر للنمو الاقتصادي.

وتظهر القراءة المقارنة لبيانات مؤشر الانفاق الاستثماري العام في بلدان منظومة مجلس التعاون الخليجي النصيب المتواضع لقيمة هذا المؤشر في دولة الكويت، اذ بلغ متوسط هذا المؤشر خلال السنوات الخمس التي سبقت الأزمة المالية العالمية (2004 – 2008) نحو 16.7 في المئة من الناتج المحلي لدولة الكويت، في مقابل 25.3 في المئة للمتوسط النظير له على مستوى دول منظومة مجلس التعاون.

وكان الانفاق الاستثماري في الكويت عند النظر الى نسبته من الموازنة العامة على مدى تلك السنوات الخمس هو الأدنى مقارنة بدول المجلس الأخرى، فقد شكل 45 في المئة فقط من نظيره في دولة قطر، ونحو 60 في المئة من المؤشرات المناظرة له في كل من مملكة البحرين ودولة الامارات وسلطنة عمان، كل منها على حدة.

فائض الموازنة الكويتية

وفي العامين الأخيرين (2009 و2010) اللذين تبعا انكشاف الأزمة المالية العالمية، سجل هذا المؤشر المقارن تباينا مماثلا لم يخرج عن سياقه السابق في سنوات ما قبل الأزمة، وهو تباين يستحق التأمل، ففي عام 2009 سجلت موازنات السعودية والامارات والبحرين عجوزات قياسية نتجت عن متغيرين، أولهما هو تراجع أسعار وصادرات النفط، والثاني هو اتباع هذه البلدان سياسات مالية توسعية في مواجهة الأزمة، تمثلت في تعزيز الانفاق العام وطرح برامج انقاذ ودعم مختلفة، أما سلطنة عمان فتعادلت مصروفاتها أو كادت مع دخلها، بينما حققت موازنتا الكويت وقطر فائضا ملموسا تجاوزت نسبته في حالة الكويت 20 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، ونحو 12 في المئة في حالة قطر.

سياسة مالية معاكسة

واذا ما أخذنا في الاعتبار الفارق الجوهري بين مصدري الدخل الكويتي والقطري (النفط الخام في حالة الكويت والغاز الطبيعي في حالة قطر)، وبما ان سعر الغاز الطبيعي لم يتراجع بالمعدلات القياسية التي شهدها سعر النفط، فان ذلك يعني أن الكويت قد اتبعت في عام 2009 سياسة مالية انكماشية حادة، وهذه سياسة لا تتفق مع طبيعة السياسة الاقتصادية السليمة (سياسة مالية توسعية) التي كان ينبغي اتباعها في مواجهة مشكلة الركود الاقتصادي الذي تسببت فيه الأزمة المالية. ولا تختلف مؤشرات سنة 2010 التي شهدت تحسنا في أسعار النفط عن هذا الاتجاه العام، حيث بلغ فائض الموازنة العامة في الكويت نحو 12 في المئة من قيمة الناتج المحلي الاجمالي، أي بما يتجاوز متوسط فائض موازنات دول المجلس مجتمعة.

كذلك كانت نسبة الانفاق الاستثماري من الناتج المحلي في الكويت الأدنى مقارنة بدول المجلس الأخرى، ففي عام 2009 قلت هذه النسبة عن 5 في المئة، بينما كان متوسط نظيرتها على المستوى الاقليمي يصل الى نحو 10 في المئة أي الضعف، وقد تكرر هذا الاتجاه في عام 2010.

إن هذا المؤشر يعكس أحد أبرز جوانب الخلل في الموازنة العامة للبلاد، ويتعاظم أثره السلبي حين ننظر الى الجانب الآخر من المشكلة، الذي يبدو أنه قد بات خارج نطاق السيطرة، والذي أشرنا إليه في الأسبوع الماضي ألا وهو تضخم أبواب الانفاق الاستهلاكي، وخاصة الباب الأول من الموازنة (الرواتب والأجور والمزايا)، وهو الباب المرشح للتوسع في ظل المطالبات الحالية بمزيد من البدلات والزيادات في المرتبات والكوادر.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت

back to top