السعدون: يبيعون الحاضر ويفرطون في المستقبل ويراهنون على تجزئة المجتمع طائفياً وعرقياً للبقاء في السلطة
قال جاسم السعدون إن الوضع الاقتصادي في الكويت شديد الخطورة، مضيفا أن الدول التي حصلت فيها أزمة مالية حققت نموا سالبا بلغ 1.7 في المئة، بينما الكويت حققت نموا سالبا بلغ 5 في المئة، مشيرا إلى أن اقتصاد الكويت كان ثاني أسوأ اقتصاد يتعافى بعد اقتصاد الإمارات العربية المتحدة.
-في ندوة نظمها نادي التمويل الإسلامي بجامعة الخليج بعنوان "ما هو الحل؟" - أنا لست بخيلاً على الناس لكني أطالب بحقوق الأجيال القادمة في المال العام
حذر رئيس مجلس ادارة شركة الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون من السياسة الحكومية في تفريق المجتمع، قائلا: "يراهنون على تجزئة المجتمع بين سنة وشيعة وبدو وحضر حتى يستمرون في الحكم"، مؤكداً أن الفقر والجدب لن يفرق بين هذه الطوائف ولكن سيصيب الجميع، مشيراً إلى انهم دعموا ثقافة الاقتسام في المجتمع بدلا من التنمية، وكأن البلد عبارة عن خزانة الكل يريد وضع يده واخذ نصيبه.وقال السعدون، خلال ندوة نظمها اليوم نادي التمويل الاسلامي في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، بعنوان "ما هو الحل"، إنه لا يريد أن يظهر بشكل البخيل الذي لا يريد زيادة الدخول للافراد، ولكني اطالب بحقوق الاجيال القادمة في المال العام، موضحا انه لا مشكلة لديه من حصول كل مواطن على 1000 دينار كمنحة، لكن بشرط أن تمنح هذه الاموال للأجيال القادمة ايضا.وأكد أن الأسلوب الذي اتخذته الحكومة في سياستها الوظيفية منذ البداية خاطئ، ويعتمد كليا على استيراد القوى العاملة ولا يشجع على إنتاج اليد العاملة المحلية، ويدعم بطالتها المقنعة واعتمادها على المنح والهبات والزيادات العشوائية في الرواتب التي لا تعتمد على زيادة الانتاج.وضع اقتصادي شديد الخطورةوقال السعدون إن الوضع الاقتصادي في الكويت شديد الخطورة، مضيفا ان الدول التي حصلت فيها ازمة مالية حققت نموا سالبا بلغ 1.7 في المئة، بينما حققت الكويت نموا سالبا بلغ 5 في المئة، مشيرا إلى أن اقتصاد الكويت كان ثاني أسوأ اقتصاد يتعافى بعد اقتصاد الامارات العربية المتحدة.وأضاف ان الاقتصاد الكويتي المحلي كان أسوأ من تعامل مع الازمة المالية العالمية وأسوأ من خرج منها، حيث ان اغلب الاقتصادات خرجت من الازمة بتحقيق نمو موجب بـ5 في المئة، بينما سقطت الكويت بـ5 في المئة، مشيرا إلى أنه "ليست لديه خصومة مع احد حتى يقول هذا الكلام، وانه يحترم جميع المسؤولين ويرتبط بصداقة مع اغلبهم".وذكر السعدون: "نحن فاشلون على مستوى الادارة"، لافتا إلى أن اوروبا تعاملت مع ازمتها بضغط النفقات، بينما في الكويت ميزانية الدولة كانت نحو 4 مليارات دينار في عام 2000، ووصلت الى 19.4 مليارا العام الحالي، بينها نحو 13 مليارا للرواتب، مضيفا انه إذا حافظنا على هذا النمط في الانفاق العام فسنحتاج الى 44 مليار دينار بعد عشر سنوات، وهذا ليس ممكنا.وتساءل: "لماذا يحدث ذلك؟"، مشيرا الى أن (رئيس وزراء ايطاليا السابق) برلسكوني رحل عن رئاسة الحكومة من اجل الدولة الايطالية، بينما في الكويت، رغم الخطايا، الحكومة باقية حتى لو كانت الدولة زائلة، وهذا المفهوم خطأ، فحتى المحاسبة السلمية تم تحصينها كما حدث في مجلس الامة في الاسبوع الماضي، وبالتالي لم يكن هناك السلام الاقتصادي ولا السلام السياسي والنتيجة النهائية نحن سائرون في اتجاه لن تدفع ثمنه سلطة اتخاذ القرار بل سيدفع ثمنه الشباب الكويتيون.زيادة الأجور والدعموأوضح السعدون أن الرواتب والاجور، اضافة إلى الدعم، تبلغ الآن نحو 13 مليار دينار من أصل 19 مليارا، لافتاً إلى أنه حتى نستمر في منح هذه الرواتب يجب أن يبقى سعر النفط عند 90 دينارا، متوقعاً زيادة الصرف والانفاق على الرواتب خلال الفترة المقبلة مع استمرار الحكومة في استيعاب اعداد كبيرة من الخريجين الجدد والمقدرين خلال الاعوام الخمسة القادمة بنحو 500 ألف خريج.وأكد أن الحكومة ستعاني كثيرا من أجل تأمين وظائف للقادمين لسوق العمل خلال الاعوام القادمة، مضيفا أن الحكومة خلقت لنفسها مشكلة كبيرة في توجيه الموظفين من القطاع الخاص إلى الحكومي بإقرارها العديد من الزيادات والكوادر التي ساهمت في الهجرة المعاكسة من الخاص إلى العام.وبين أنه في الوقت الذي تقوم فيه اوروبا بتسريح الموظفين وزيادة الضرائب للخروج من الازمة نقوم نحن بخطة تقشف عكسية بزيادة الرواتب والكوادر نتيجة قيام الحكومة بشراء الود السياسي لمجلس الأمة، مضحية بالمصلحة العامة، الامر الذي ضاعف الخطر على مستقبل الكويت.من سيعطي البلد؟وزاد السعدون: "لم نسمع احدا يقول ماذا سنعطي للبلد بل الكل يريد الكوادر"، والحكومة إذا لم تحسن الأداء فعليها ان تتغير، مشيرا إلى ان الخطورة ان هناك اكثر من 520 الف شخص قادم الى سوق العمل خلال السنوات الـ15 المقبلة، كيف سيتم توظيفهم اذا كانت القطاعات الحكومية يوجد بها 286 الف موظف، نصفهم عاطلون عن العمل؟ واشار الى ان البديل هو ان تنفجر الاوضاع.وقال إنه في عام 2008، الذي حدثت فيه الازمة، كان سعر برميل النفط 147 دولارا، وبعد الازمة هبط الى 34 دولارا، لافتا الى أن الموازنة العامة ستكون بخطر إذا هبط سعر النفط الى أقل من 90 دولارا للبرميل، مضيفا ان الربيع العربي حدث وصعد سعر النفط الى فوق 100 دولار للبرميل، وكان ذلك بسبب ازمة العالم لا أزمة الكويت، مشيرا إلى أننا في الكويت نعيش في وضع خطير جدا، إذا قل سعر النفط عن 90 دولارا للبرميل.وألمح الى ان العالم يواجه مطبين، الاول حصل في عام 2009 عندما حصل هبوط في اقتصادات العالم بسبب الازمة المالية، وفي عام 2010 حصل تخبط سياسي في اوروبا، حيث بات لديهم هناك "خمس قنابل" بدأت الاولى في ايرلندا ثم في البرتغال واسبانيا واليونان واخيرا في ايطاليا، والمطب الثاني حصل في اميركا.وافاد السعدون بأنه في الازمة التي حصلت عام 1929 كان امام الدول فرصة للانقاذ تتراوح بين 3 و4 في المئة فقط لذلك انتهت تلك الازمة بعد الحرب العالمية الثانية، بينما في ازمة عام 2008 كانت فرصة الحل 20 في المئة.إجراءات قاسيةواشار الى ان الاوروبيين فرضوا على اليونان اجراءات قاسية لتقديم الدعم لها، مثل تخفيض الرواتب وتسريح العمالة الفائضة وفرض ضرائب جديدة والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى ادارة الوضع، موضحا أن الوضع كان سيكون كارثيا وستتفكك اوروبا في حال عدم التوصل الى حل، مشيرا الى حرص عالمي على التوصل الى حل، فهناك دولة كبرى مثل الصين والبرازيل وروسيا جميعها لها مصلحة في التوصل الى حل في ازمة بعض الدول الاوروبية.وأكد السعدون ان الأمل في الاصلاح مازال موجودا وبإمكاننا ان نعمل لكن نريد من يشعر بالمسؤولية، اذا كانت كل هذه الخطايا لا تغير ادارات فأين يقع الحس بالمسؤولية؟ ليس هناك حس حقيقي بالمسؤولية، وبالتالي اذا استطعنا ان نتوقف الآن ونحاول ان نعالج امورنا كما عالجت النرويج امورها فهناك متسع من الوقت لكي نخرج من هذه الازمة.وأضاف أن هناك دولا في العالم ترغب في عمل شيء لكن ليست لديها موارد، بينما لدينا في الكويت موارد ومازال البلد صغيرا، وهناك بنى تحتية ورؤية وقوانين، لكن لا أحد يلتزم بها.الصناديق السياديةورداً على سؤال عن مدى تأثر الصناديق السيادية الخليجية بالازمات المالية المتتابعة قال السعدون إن التأثير كان حاداً خاصة صندوق السعودية، تلاه صناديق الكويت والامارات وقطر، مشيراً إلى أن 2010 شهد تعافي الاسواق العالمية، مما جعل هذه الصناديق تعوض جزءا كبيرا من خسائرها المحققة في ازمة 2008، مشيراً إلى أن حجم صناديق المنطقة بلغت 1.5 تريليون دولار.وألمح السعدون الى أن أزمة الديون السيادية الاوروبية والعجز الاميركي قد يعيدان هذه الصناديق إلى المربع الاول، وهو تحقيق خسائر، مؤكداً أن هذه الصناديق لن تعود كالسابق إلا بعد تعافي وخروج الاسواق الاوروبية والاميركية من أزمتها.وقال إن استثمارات الكويت (الصندوق السيادي) لا تعدل كثيرا من النتائج، كما انه لا يمكن تسييلها بسهولة، وبالتالي ستبقى الفجوة المالية ضخمة، والمشكلة اننا سائرون في اتجاه تقول فيه خطة التنمية شيئا، بينما نحن نسير في الاتجاه المعاكس. ورداً على تساؤل حول امكانية اعتمادنا على الاستثمارات الخارجية كبديل للنفط في المستقبل قال السعدون إن ذلك يمكن أن يحدث، ولكن ليس بشكل دائم وانما فترة محدودة بين سنتين ونصف وأربع سنوات، ولكنها تعد عاملا مساعدا ولكن ليس رئيسيا.مواجهة نزيف المال العامولفت السعدون إلى الخيارات المطروحة لمواجهة نزيف المال العام وتدهور الميزانية، أهمها فرض الضرائب على الدخول، وهو الأقل ضرراً والأكثر معارضةً شعبياً، فما تعطيه للناس من رواتب وكوادر يفترض أن تقتطع جزءاً منه، مؤكداً أن نسبة الضريبة يجب أن تعتمد على مستوى الدخل نفسه، كي لا نزيد الضغوط المادية على المواطنين.وتساءل عن سبب حدوث ثورة في الكويت عام 39، أو سبب حدوث الثورة الحالية على وول ستريت، مجيباً بأن سبب حدوث ذلك هو أن دافعي الضرائب شعروا بخطر على المال العام المكون من الضرائب التي يدفعونها فقاموا بهذه الثورات.وشدد على أن السبب الحقيقي وراء التهافت على المواطنة هو أنها تمثل حقوقا فقط مثل الوظيفة والبيت والدعم، أما في الدول الحصيفة فتمثل المواطنة حقوقا وواجبات، داعياً إلى فرض الضرائب ولو كانت دينارا حتى يشعر المواطن بالتزاماته تجاه الوطن.كادرأربع سلبيات لخطة التنميةشدد السعدون على أن لدينا في خطة التنمية اربعة اهداف سلبية وايجابيتين، موضحا ان السلبية تكمن في وجود فجوات نريد ان نردمها، وهي الاعتماد الشديد على الحكومة في كل شيء، والاعتماد على ايرادات النفط، واعتماد الوظائف على الحكومة، وعدد السكان من الكويتيين يمثلون 32 في المئة من اجمالي عدد سكان البلاد، وهو كم كبير لكن النوعية ضعيفة جدا، وبالتالي هذه الفجوات يجب ان نردمها.وقال إنه نتيجة ما حدث من زيادة الرواتب والاجور العشوائية سيكون هناك انتقال من القطاع الخاص الى العام، وسيضعف الانتاج الحكومي، والمالية العامة ستعتمد على النفط اكثر، وان حدثت ازمة في العالم وهوت اسعار النفط دون 90 دولارا للبرميل فسنقع في كارثة.كادرلا إنتاجية للقطاع الحكوميوعن امكانية زيادة انتاجية القطاع الحكومي نفى السعدون ذلك، معللا بأنه لا توجد انتاجية اصلاً في القطاع الحكومي، ضارباً مثالا لذلك بأن القطاع الصحي الذي يعتبر الجزء المثالي في الحكومة كان المفترض أن يعتمد هيكله على 60 في المئة من الفنيين و40 في المئة من الاداريين، إلا أن الوضع الحالي بلغت نسبة الاداريين فيه 56 في المئة، مقابل 44 في المئة للفنيين، متسائلا: كيف تتم زيادة الانتاج في وضع مماثل؟وأوضح أن الانتاجية لا تزيد إلا بوجود حاجة ومحفزات للعمل، فيجب علينا تغيير مفهوم الوظيفة العامة والحكومية، مبينا أن اقتصاد الكويت لم يعد منافسا ولم يعد يستطيع ان ينتج اي سلعة او خدمة منافسة، لان تكلفة الانتاج عالية سواء من جانب العمالة او من جانب الارض، والاخطر والاهم انه لا يخلق فرص عمل، ومكان العمل مزحوم بإنتاجية ضعيفة، مشددا على انه "إذا استمر الحال على ما هو عليه 10 سنوات قادمة، وانتجنا كل النفط الذي نستطيع انتاجه، وقمنا ببيعه بأي سعر، فلن يكفي لسداد الالتزامات الرئيسية".كادرالحكومة لا تعرف الأبجديات الاقتصاديةأكد السعدون أن الحكومة ليس لديها معرفة بالابجديات الاقتصادية، والدليل على ذلك وصولنا إلى ما نحن عليه الآن، فخلال فترة طويلة لم تتوسع القطاعات الخدمية الاساسية في البلد، مثل التعليم والصحة، وبالتالي فإن القطاعات المعقدة لن يكون لها نصيب من التنمية، ضاربا مثالا بذلك بالخطوط الجوية الكويتية التي تعد تكلفة السفر عليها أعلى من أي خطوط أخرى، والاكثر من ذلك أنها اصبحت خطرا، والدليل على ذلك توصية أحد موظفيها بألا أسافر عليها.وأشار إلى ان تقرير توني بلير وصف حال البلد بالتفصيل، وحذر من خطورة الوصول إلى الحالة الحرجة في الاقتصاد خلال 8 سنوات، وحتى الآن مر نحو 4 سنوات ولم يقم المسؤولون بأخذ التوصيات التي جاءت في التقرير، بل بالعكس قاموا بمخالفتها بشكل غريب رغم صرفهم على هذا التقرير، مضيفا أن المعضلة في الكويت هي مشكلة إدارة، وأن مجلس الوزراء الحالي لا يستطيع أن يعطينا ذلك، ولا يستطيع أيضا أن ينتقل بالدولة من مشروع الحكم إلى مشروع الدولة مع تأصيل قيم المواطنة.كادرنعاني المرض الهولندي والحل في النموذج النرويجيقال السعدون إننا نعاني المرض الهولندي، فهولندا عندما صدرت الغاز اعتمدت في موازنتها عليه، واندفعت في الصرف والانفاق العام، فحدث تضخم أدى إلى ممارسات سياسية وادارية خاطئة مرتبطة بالموارد الطبيعية المكتشفة، لافتاً إلى أن أعراض هذا المرض تظهر واضحة في الاقتصاد الكويتي متمثلة في تدهور القطاعات الاقتصادية المنتجة، وتراجع القدرة التنافسية، وفساد وسوء الإدارة.وأكد أن الحلول تحتاج إلى إدارة حكومية حكيمة لا تعتمد على مورد واحد للدخل قابل للنفاد، مشيرا إلى ان التجربة النرويجية هي الحل، فعند اكتشاف النفط قام السياسيون بتجنب المرض الهولندي عن طريق عزل عوائد النفط على الدخل في الميزانية لتجعل اقتصادها منافسا وآمنا، وبناء احتياطات من عوائد النفط لمصلحة الاجيال القادمة.وأضاف ان هذا البلد لديه صندوق احتياطي، وفي عام 1960 اتفق المسؤولون هناك على توزيع استثماراته على مختلف القطاعات قبل انتاج النفط، واليوم يوجد لدى النرويج صندوق احتياطي حجمه 520 مليار يورو، اما في الكويت بعد 60 سنة لدينا صندوق استثماري حجمه 250 مليار دينار.وأشار إلى ان العديد من التجارب الاقتصادية الناجحة مثل اليابان وسنغافورة وماليزيا وتايوان لم يكن لديها موارد سوى الانسان، ولكن تجاربها نجحت بسبب وقوف العقل والاهداف التنموية خلفها.كادرطبقة الشحماشار السعدون إلى أنه عندما حدث الغزو كانت إدارة البلاد أكثر حصافة، حيث كونت فوائض بلغت نحو 100 مليار دولار تبلغ قيمتها الموازية الآن نحو 400 مليار دولار، فعندما صارت الازمة تم استخدام 64 مليارا لإعمار الكويت واعادة البناء، أما الآن فإذا حدثت أي ازمة مماثلة فلن نستطيع معالجتها، خاصة اننا لم نكون طبقة "شحم" من الفوائض كما فعلنا في الماضي.