مبارك بين البداية والنهاية... في فيلم التحرير 2011

نشر في 19-12-2011
آخر تحديث 19-12-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين أحد أهم الأفلام التسجيلية حتى الآن، التي قدمت أبعاداً وزوايا في ثورة 25 يناير الشعبية المصرية، الفيلم الطويل «التحرير 2011 ـ الطيب والشرس والسياسي»، وهو يتألف من ثلاثة أجزاء، أو أقسام: الطيب»، «الشرس»، «السياسي»، أخرجها بالترتيب نفسه تامر عزت، آيتن أمين، وعمرو سلامة، ومدة الفيلم (96 دقيقة).

يتمتع تامر عزت بخبرات سابقة وخطوات في إنجاز الفيلم التسجيلي، من خلال فيلميه المهمين «كل شيء حيبقى تمام» و{مكان اسمه الوطن»، وتبدو هذه الخبرات واضحة في صياغته السينمائية وإخراجه لجزء «الطيب» من فيلم «التحرير 2011».

الطيب في هذا الجزء هو كل الذين شاركوا في الثورة لأجل تحقيق أهدافها، ابتداء من «إسقاط النظام» إلى بناء نظام جديد يحقق متطلبات الشعب الضرورية من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، وقد استمعنا بمشاركة شباب من مختلف التوجهات، سواء المنتمين إلى تيارات محددة، من التيار اليساري والعروبي إلى الليبرالي إلى الإسلام السياسي، أم المستقلين غير المنتمين إلى حزب أو تيار بذاته. كذلك من خلال الذين شاركوا بدور وأداء في مهنة معينة، مثل الطبيبة الميدانية والمصور الفوتوغرافي وغيرهما.

يتمتع جزء «الطيب» بسلاسة جلية، خصوصاً في السرد السينمائي، فالإقناع والجاذبية في هذا الجزء ينبعان من تلك السلاسة والبساطة، من دون تقعر أو حتى استناد إلى تعليق صوتي خارجي.

كذلك يتمثَّل جانب من هذه السلاسة في تقديم زمن الأحداث بترتيب وقوعه نفسه، ابتداء من 25 يناير، يوم بداية حركة الشباب التي سرعان ما تحولت إلى ثورة الشعب، وصولاً إلى يوم إذعان الحاكم الديكتاتور والتسليم بأنه لم يبق في الإمكان سوى التخلي عن الحكم.

هكذا، بهذه البساطة وذلك الترتيب نفسيهما، ومع تدفق المشاهد بحيوية، وصورة ناطقة أو نابضة، نرى عزت قد قسَّم مشاهده ببعض اللوحات التي مثلت فواصل، مثل: «الشعب يريد إسقاط النظام»، ثم «إسقاط الرئيس»، ثم «ارحل يعني امشي!».

تنقلنا آيتن بعدها إلى الجانب الآخر، في قسمها المعنون «بالشرس»، وتستعرض عدداً من الضباط، بينهم من ينتمي إلى الأمن المركزي، أو إلى جهاز أمن الدولة الذي تم حله بعد الثورة لانتهاكاته الإجرامية التي لا تعرف حدوداً في حق الحياة السياسية والنشطاء.

يستعرض قسم «الشرس» هؤلاء الضباط بمنطقهم هم وعلى ألسنتهم، وربما اطمأنت المخرجة إلى إدانتهم بمجرد الاستماع إلى منطقهم الزائف، هو أمر كاف، لكن ربما كان من الأوفق أن تدحض أقوالهم التي تحمل بوضوح معاداة الجماهير التي ثارت على الدولة البوليسية الفاسدة. وقد لجأت المخرجة إلى تقديم رسوم للضباط، وللحكايات أو المواقف التي يتكلمون عنها، ويتسق ذلك مع حالة الفيلم السينمائية عموماً، كلوحات تصوّر ثورة الشعب الكبرى وتوثقها.

أما «السياسي» في الجزء الثالث، فهو هنا ليس أي سياسي وإنما الحاكم الطاغية، ويتناول مراحل، أو خطوات، التحول إلى ديكتاتور، مستعرضاً ذلك في ما يتعلق بمبارك، بين البداية والنهاية، بين توليه الحكم (كرئيس بالمصادفة) وخلعه في 11/2/2011.

أُطلق على ثورة يناير، ضمن ما أطلق، «الثورة الضاحكة»، وهنا في هذا الجزء روح ساخرة راقية، تتسق مع روح يناير وتنطلق منها، وكانت ضمن ما وظفه المخرج سلامة الرسوم المتحركة والكلمات والتعليقات الحادة اللاذعة.

حقاً، دائماً السينما التسجيلية سباقة في التعبير عن القضايا والأحداث الوطنية الكبرى في هذه الأمة، شاهدنا ذلك سابقاً في تعامل السينما مع حرب رمضان ـ أكتوبر، فبقدر ما أعطت السينما التسجيلية في هذه الحرب ووثقت وبرعت، بقدر ما قصرت السينما الروائية التي لم تقدم في ذلك شيئاً يذكر حتى الآن، على مدار قرابة أربعة عقود!

اليوم، نرجو أن يكون أول الغيث عن ثورة 25 يناير، هذه الأعمال المهمة التسجيلية، التي يتوالى تقديمها منذ قيام الثورة، وأن تفيض علينا بعدها السينما التسجيلية والروائية بالإبداع وأروع الثمار.

 

back to top