الاقتصاد الأميركي دخل حلقة مفرغة... مَن يخرجه منها يستحق جائزة نوبل بجدارة!

نشر في 11-06-2011 | 01:01
آخر تحديث 11-06-2011 | 01:01
No Image Caption
في بولدر بولاية كولورادو يسمع كبير الاقتصاديين في "أكشن ايكونوميكس" الشكاوى على هامش المباريات الرياضية لأطفاله، والتي تقول إن "البلاد بأسرها باتت تتحدث عن السياسة المالية أحاديث عدائية جداً... إنهم يسألونني هل سيبقى هناك شيء اسمه دولار أميركي خلال 5 سنوات؟".

في عام 1901 نشرت نيويورك جورنال التي كان يصدرها "وليم راندولف هيرست" رسماً كاريكاتورياً يصور صديقين مفرطين في الأدب وهما "ألفونس" و"غاستون"، وقد أصر كل منهما وبلباقة متميزة على أن يسبقه صديقه في الدخول من باب مفتوح. وبعد تبادلهما للكثير من عبارات "تفضل أنت أولا"... "لا بل أنت أولا"... "لا لن أفعل بل أنت أولا"... وقيام كل منهما بالانحناء المتكرر للآخر، وبينما هما كذلك أوصد الباب ولم يتمكن أي منهما من الدخول.

اليوم، بعد 110 سنوات من ذلك يطلق الاقتصاديون على طريقة "الفونس وغاستون" تسمية تعرقل مسيرة الاقتصاد الأميركي وهي: "فشل التنسيق". فالشركات لن توظف الناس لأن الزبائن لا تنفق ما يكفي من المال على منتجاتها، والزبائن لا تنفق لأن الشركات لا تعرض ما يكفي من الوظائف. وقد استمر هذا الحال منذ حوالي شهر ديسمبر من عام 2007، عندما حدث أسوأ تباطؤ اقتصادي منذ الكساد الكبير. ويريد العديد من الأميركيين أن يقوم أحد ما بخطوة تمكنهم من العودة إلى حالة الازدهار والرخاء.

وعلى الرغم من ذلك فإنهم فقدوا الثقة في السياسات التي كانت مصممة من أجل استعادة الثقة والنمو مثل خفض معدلات الفائدة إلى ما يقارب الصفر وإنقاذ النظام المالي والإضعاف المتعمد للدولار والقيام بإجراءات تحفيز وتنشيط ما انفكت تضيف إلى عجز الميزانية الاتحادية والدين القومي.

الجانب الأحدث من المعضلة يتمثل في أن أسعار العقارات السكنية في عشرين منطقة رئيسية في الولايات المتحدة قد هبطت في شهر مارس الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ سنة 2003، وذلك وفقاً لمؤشر "ستاندرد آند بور- مؤشر كيس شيلر" الذي نشر في 31 مايو الماضي. ويقول "بول ديلس" وهو كبير الاقتصاديين الأميركيين في مؤسسة "كابيتال اكونوميكس" في تورنتو إنه لن يفاجأ برؤية الأسعار تستمر في الهبوط هذه السنة وربما حتى خلال العام المقبل".

وقد أعلن مجلس المؤتمر في 31 مايو الماضي أن مؤشره المتعلق بثقة المستهلك هبط إلى 60.8 في شهر مايو من 66 في شهر أبريل (وكان أعلى من 100 قبل الركود).

من جهة أخرى، يتعرض نمو التصنيع إلى تباطؤ أيضا وذلك بحسب أحدث البيانات التي نشرت في الأول من يونيو الجاري. وقد هبط مؤشر المصانع في معهد إدارة التموين في شهر مايو بأكبر عدد من النقاط منذ عام 1984.

وفي بولدر بولاية كولورادو يسمع كبير الاقتصاديين في "أكشن ايكونوميكس" الشكاوى على هامش المباريات الرياضية لأطفاله، والتي تقول إن "البلاد بأسرها باتت تتحدث عن السياسة المالية أحاديث عدائية جداً... إنهم يسألونني هل سيبقى هناك شيء اسمه دولار أميركي خلال 5 سنوات؟" ويقول "آرتش ماك جيل" من سكوتس ديل من ولاية اريزونا وهو رئيس تنفيذي متقاعد وناشط في حزب الشاي "إن الناس يخشون الحكومة وعلى النخبة أن تقوم بزيارة الغرب والغرب الأوسط والجنوب من اجل فهم مزاج الناس... إنهم خائفون، ولذلك فإنهم يقومون بشراء الأسلحة والغذاء استعداداً للمعركة المقبلة".

التوتر لم يتبدد

التوتر بين النخبة والناس في الـ"مين ستريت" لم يتبدد، ويستمر صناع القرار الاقتصادي في واشنطن برئاسة رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي "بين بيرنانكي" في الدفاع عن عمليات الإنقاذ والأموال الميسرة باعتبارها ضرورة من اجل تحقيق التعافي الاقتصادي. وفي ملاحظة في مؤتمره الصحافي في شهر ابريل الماضي وهو الأول لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي قال "بيرنانكي"، إنه يرى أن الخطر الرئيسي لا يتمثل في القيام بالكثير من العمل بل بعمل القليل فقط. وأضاف في الأزمات السابقة ربما لم تكن استجابة السياسة كافية من اجل الوصول إلى وضع سريع للتعافي الاقتصادي كما كان ممكناً.

ومن غير المفهوم حتى الآن كيف ولماذا تبدأ عمليات التوسع بعد أكثر من قرن من الأبحاث. وكان الاقتصادي الفرنسي "ليون والراس" (1834 – 1910) وهو مؤسس نظرية التوازن العام قد تكهن بأن الاقتصاد يعود إلى التشغيل التام والتوازن من خلال آلية التجربة والخطأ، التي يتبعها متسلق الجبال من أجل العثور على موطئ قدم على سطح الصخرة. وكما يعرف كل متسلق للصخور فإن ذلك قد يفضي في بعض الحالات إلى طريق مسدود.

ويقول "فرانكلين فيشر" الاقتصادي الكبير والبروفسور في معهد "ماساشوستس" للتكنولوجيا والذي قام بدراسة نظريات "والراس" ومن تبعه... "ان الفكرة القائلة بأن الاقتصاد سيتمكن من استعادة التوازن ومن تحقيق التعافي تلقائيا ليست صحيحة دائماً، وحتى إذا ما كنت تعرف أن الاقتصاد سيتحسن عاجلاً أو آجلاً فإن كلمة "آجلاً" هذه قد تكون بعيدة جداً.

النمو المتدني

ويتمثل الخطر في أن الاقتصاد الأميركي وبدلا من أن يشق طريقه نحو توظيف تام فقد علق في مأزق النمو المتدني الحالي. صحيح أن أرباب العمل قد توقفوا عن صرف العمال، وكانت أرقام الاستغناء والطرد في شهر مارس قد وصلت إلى أدنى مستوى لها في العقد الماضي، إذ بلغت 1.2 في المئة من التوظيف، وذلك وفقاً لدراسة من وزارة العمل حول فرص العمل، ولكن الشركات أيضا لا توظف وعند 3.1 في المئة من التوظيف في شهر مارس يكون المعدل بالكاد أعلى من أدنى مستوى وصل إليه في فترة الركود، والذي بلغ 2.8 في المئة، والأكثر من ذلك فإنه أدنى من مستوى الـ 3.8 في المئة عند المرحلة ذاتها من التعافي الأخير الذي تحقق في أواخر عام 2003.

ويقول "مايكل فيرولي" كبير الاقتصاديين الاميركيين في "جي بي مورجان" للأسهم: "اذا كان لديك وظيفة فإن سوق العمل قد لا يبدو سيئاً على الأرجح، ولكن إذا كنت تبحث عن عمل، فالواقع هو ان السوق لم يشهد بشكل تقريبي أي تحسن خلال السنوات القليلة الماضية".

تراجع المهارات

المعروف انه عندما ينقطع الناس عن العمل فترات طويلة يتراجع معدل المهارة لديهم، وتجف اتصالاتهم مع عالم العمل كما تتقلص فرص إعادة تشغيلهم. وظل 46 في المئة من العاطلين عن العمل من دون وظيفة مدة ستة أشهر أو أكثر أي أكثر بثلاثة أضعاف النسبة العادية.

وفي شهر فبراير الماضي كتب "بيتر داياموند" وهو اقتصادي في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا والذي ظل 13 شهراً ينتظر تثبيته من جانب مجلس الشيوخ الأميركي في مجلس الاحتياطي الفدرالي كتب يقول، انه مع كل هذا التباطؤ في سوق العمل فإن المزيد من التحفيز المالي يمكن أن يضيف فرص عمل من دون زيادة معدل التضخم.

الصورة الأفضل

ولا يشعر كل شخص بالكآبة والتشاؤم. ومؤشر أسهم ستاندرد أند بورز - 500 يحوم حول مستوياته العالية لسنة 2010 بعد أن تضاعف منذ المستوى المتدني الذي كان قد وصل إليه في شهر مارس من سنة 2009.

ولكن على الرغم من ذلك فإن الهبوط الأخير في عوائد سندات الخزانة إلى أقل من 3 في المئة على سندات العشر سنوات بعد أن بلغت 3.7 في المئة في شهر فبراير إنما يعكس الشكوك المتزايدة حول وضع النمو الاقتصادي. وقد هبط مؤشر تفاؤل الاتحاد الوطني لأصحاب الأعمال التجارية الصغيرة خلال شهري مارس وأبريل ليعكس بذلك، وإن بصورة جزئية، الاتجاه التدريجي نحو الأعلى الذي بدأ في مطلع عام 2009. وأعلن الاتحاد في 10 مايو الماضي أن حالة "النهوض والمضي" توجد عادة في الأعمال الصغيرة بعد حالة التحسن.

وقال المجلس التنفيذي للمؤسسات وهي شركة أبحاث ومشورة تتخذ من أرلنغتون بولاية فيرجينيا مقراً لها في 31 مايو الماضي، إن توقعات التوظيف في الشركات الكبرى انخفضت في الربع الأول من هذه السنة، وذلك لأول مرة منذ بداية دراستها في شهر اكتوبر من عام 2009.

فقدان الزخم الشعبي

الناس لم يعودوا يشعرون بحماس وبهجة. يقول "فريد كروفورد" وهو الرئيس التنفيذي لشركة "أليكس بارتنرز" للاستشارات التجارية التي تتخذ من "ساوثفيلد" في ميتشغان مقراً لها "أظن أننا علقنا في حلقة مفرغة، وثمة شعور عام بعدم اليقين". وفي شهر مارس الماضي هبط مؤشر كلية شيكاغو "بوث- كيلوغ" المالية وفقاً لدراسة حول وضع المالية العامة في الولايات المتحدة هبط إلى 20 نقطة، بعد أن وصل إلى مستويات متدنية بلغت 19 نقطة و20 نقطة في ذروة الأزمة المالية العالمية في 2008-2009.

وفي حقيقة الأمر توجد ورطتان هنا، الأولى في مجال الاقتصاد، إذ ينتظر المستهلك والشركات التجارية مؤشرات أكثر قوة على أن هناك أوقات أفضل مقبلة، والثانية على صعيد السياسة إذ يتطلع إلى معرفة ما إذا كان الاقتصاد مازال بحاجة إلى مساعدة سخية من جانب الحكومة. ويستحق جائزة نوبل بجدارة من يتمكن من وضع حد لهذا الروتين ودفع أميركا نحو النمو من جديد.

back to top