المفكِّر الإسلامي د. صلاح رسلان: غلق باب الاجتهاد سبب التخلُّف والاستبداد في الدول الإسلاميَّة

نشر في 26-08-2011 | 22:01
آخر تحديث 26-08-2011 | 22:01
تطرق المفكِّر الإسلامي د. صلاح رسلان، أستاذ الفلسفة الإسلامية والسياسية في جامعة القاهرة، إلى شكل الحكم وواجبات الحاكم في الإسلام، ومتى يحقّ للأمة الخروج عليه، وذلك في أكثر من كتاب وبحث آخرها دراسة مستفيضة حول مقاومة الحاكم الجائر في الإسلام.

حول هذه الدراسات، التي ناقشت واجبات الحاكم في الإسلام وحقوقه ومدى مشروعية الخروج عليه كان لـ{الجريدة» الحوار التالي مع د. رسلان.

ما أبرز محاور دراستك عن مقاومة الحاكم الجائر في الإسلام؟

هذه الدراسة ضمن المباحث التي شهدها المؤتمر العلمي للجمعية الفلسفية المصرية منذ ثلاث سنوات، وقد أُخذ عليّ قولي إن بعض الشيعة يؤلّهون الحاكم أو يعتبرون الحاكم هو مرجع الأحكام، فلا يصحّ الخروج عليه لأن الخروج عليه أو الاعتراض عليه، كما عند الاثني عشرية، خروج على النبي (صلى الله عليه وسلم) والخروج على الله سبحانه وتعالى، فلا يجيزون الخروج على الحاكم مطلقاً لأي سبب لأنه معصوم من الخطأ والزلل، أما أهل السنّة فيجيزون الخروج على الحاكم الجائر.

على ضوء ذلك هل الدولة عند الشيعة دينية أم مدنية؟

يقرّ الإسلام بالدولة المدنية لأن الحاكم فرد عادي، إلا أنه أكثر مسؤولية من المحكومين، لكن عند الشيعة هو منبع الأحكام الشرعية، فلا يجوز الخروج عليه بل يجب على المحكومين طاعته طاعة كاملة، لأن رأي الحاكم هو رأي الله ونهيه نهي الله، في عرفهم، فلا يصحّ الخروج عليه أبداً، والدولة بهذا المفهوم عند الشيعة دولة دينية.

ثمة من يرى ضرورة فصل الدين عن السياسة، فما رأيك؟

في دراستي أكّدت أن الإسلام دين ودولة ولا نستطيع عزل السياسة عنه أو الاقتصاد والاجتماع والمعرفة، لأن الإسلام، كما قال المستشرق «شاخت» في دائرة المعارف الاجتماعية، ليس مجرد دين بل نظام فكري متكامل يجمع بين الدين والدولة، ولو عزلنا المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن الإسلام فلن يصبح إسلاماً حقيقياً لأنه كلّ متكامل.

إذا نظرنا إلى الديانة اليهودية نجدها تركِّز على الأمور الدنيوية، أما الديانة المسيحية فتركّز على الأمور الروحانية، فيما الإسلام يجمع بين الأمور الدينية والدنيوية وصدق الله العظيم حيث يقول «ما فرطنا في الكتاب من شيء».

ما هي واجبات الحاكم في الإسلام؟

يتحدّث الإسلام عن الواجبات أكثر من الحقوق، ذلك أنه يقرّ بأن القيام بالواجبات هو السبيل الوحيد لنيل الحقوق، وواجبات الحاكم عملية دينية وسياسية معاً. واجبه الأول، بالطبع، احترام الشريعة وتطبيقها، والقيام على الأحكام اللازمة في المنازعات بين الرعية، إقامة العدل، حماية الأموال، إقامة الحدود وتنفيذ العقوبات، تحصين البلاد والدفاع عنها ضد الأعداء، جباية الأموال المستحقّة على القادرين، حسن الاختيار لمعاونيه على أن يكونوا من أهل الكفاية والأمانة، مباشرته لسير الأمور، تفقّده لأحوال عمال الرعية.

ما الحكم إذا أخلّ الحاكم بهذه الواجبات؟

على الأمة التي اختارت الحاكم ممثلاً لها ومشرفاً على أمورها وتدبير شؤونها، إذا أخلّ بواجباته، أن تقدّم له النصيحة وتسائله عن عمله وتراقبه باستمرار، ومن حقّها مقاومته وعزله، إذا لم يُجدِ معه الإنكار بالكلام، والثورة عليه وتجنيد الأيدي وتكتّل القوى لمحاربته وإسقاطه.

ما مفهوم الثورة من وجهة نظرك؟

الثورة لا تكون إلا ضد الأوضاع الجائرة الظالمة التي تحول بين الحاكم وبين توفير الحقوق للمحكومين، فالإسلام لا يرضى بالظلم أو ضياع حقوق العباد ولا أن يعيش الشعب من دون حدّ المعيشة الكريمة اللائقة، كما قال ابن حزم، لا بد من توفير المسكن الملائم للشعب، والغذاء المناسب يعني الحياة الكريمة. هذا الحدّ الذي يجب أن يعمل كل حاكم على توفيره للمحكومين، فإذا عجز على المحكومين أن يطالبوه بهذا، فإن رفض طلبهم كان من حقّهم الخروج عليه لكن بشكل منظّم لا يؤدي إلى قلاقل أو حدوث فوضى أو اضطراب في المجتمع.

إذا تسّبب الخروج على الحاكم في إحداث فوضى، كيف ستكون الحال؟

يجب أن يراعى النظام في الثورة وبالتالي عدم إحداث فوضى أو اضطراب أو سفك للدماء، فشرط الخروج أن يكون منظماً، منهجياً، سليماً، معداً له بدقة بحيث لا يؤدي إلي إحداث حالة لا يرضى عنها الدين الإسلامي لأنه دين السلام والأمن والطمأنينة.

معنى ذلك أن ثمة شروطاً يجب توافرها في من يخرج على الحاكم؟

نعم ثمة شروط طبعاً، فالخروج لا يمكن أن يكون همجياً أو عشوائياً. يرفض الإسلام العشوائية أو الارتجال في أي تحرّك أو أي فعل من الأفعال، بل أن يكون قائماً على التخطيط والعلم والإدراك السليم.

أقصد هل الخروج مباح للعامة أم يقتصر الأمر على أهل العلم والخبرة؟

كما اشترط الإسلام لاختيار الحاكم أن يكون من يقوم بمسألة الاختيار من الصفوة، أهل العلم، الذين يملكون دراية وخبرة في أمور المجتمع الاقتصادية والسياسية، فهذا شرط في من يختار الحاكم، لأن العوام والجهلاء لا يعوَّل عليهم، كذلك لا بد من أن يكون الخروج من أهل الدربة والدراية وأهل العلم والصفوة والخبرة، الذين يخطّطون بنظام وعقلانية في الخروج على الحاكم كي لا يؤدي ذلك إلى فوضى واضطراب.

ماذا إذا كان أهل الصفوة من المؤيدين للحاكم لمنفعة ما؟

هؤلاء الذين هم موضع رضى الحاكم الذي يعمل على استرضائهم وشرائهم مادياً وأدبياً ويقدّم لهم مميزات واستثناءات لن يكونوا أهلاً للخروج عليه لأنهم من صنائعه، فيشترط الأشخاص الذين يتمتعون بموضوعية ونزاهة ويحبون البلد والمصلحة العامة ولا يؤثرون مصالحهم الشخصية على مصالح الشعب أو مصالح المحكومين.

كيف تتناول العلاقة بين الحاكم والمحكوم في كتابك «السياسة والاقتصاد عند ابن خلدون»؟

الحاكم أو الخليفة أو السلطة الحاكمة عند ابن خلدون تأتي نتيجة القوة أو العصبية، فالحكم لصاحب القوة أو لمن يملك القوة والغالبية، خلافاً لنظرية العقد الاجتماعي ولجميع المسلمين، لأن أهل السنّة والجماعة يقرّون بأن اختيار الحاكم يكون عن طريق البيعة الصحيحة. ابن خلدون خالف هذا وأقر بالقوة سبيلاً لتنصيب الحاكم أو الخليفة أو السلطة الحاكمة.

في ضوء ذلك هل تعرّض ابن خلدون للخروج على الحاكم الجائر؟

لم يتعرّض لذلك لأنه رفض مبدأ الشورى ورفض المساواة بين الحاكم والمحكوم، وقال إن الحاكم القوي ليس بحاجة إلى رأي المحكومين، لكن عندما تضعف عصبية وقوة قبيلة الحاكم يبدأ في الضعف وبالتالي تنهار الدولة، وعندها يعجّل الترف والإسراف في الملذات في انهيار المجتمع. ابن خلدون يرفض الخروج على الحاكم لأنه موجود بحكم قوة قبيلته، وعندما تضعف قوته تأتي قوة أخرى تستولي على الحكم.

ماذا عن الماوردي وابن حزم على ضوء مؤلفاتك عنهما؟

أبو الحسن الماوردي هو رائد الفكر السياسي المنهجي في الإسلام، وهو الذي أقرّ بخروج المحكومين على الحاكم عندما ينحرف الحاكم أو يهمل في أداء واجباته نحو المحكومين أو يصيبه مرض عضال... فمن حق المحكومين أن يعزلوا الحاكم ويختاروا غيره يحلّ محله. كذلك أقرّ ابن حزم بحق المحكومين في الخروج على الحاكم وعزله عندما يفشل في توفير الأمن والحياة الكريمة للمحكومين.

كيف يتحقّق المجتمع العادل في نظر هؤلاء الفلاسفة؟

السلطة الحاكمة هي نتيجة عقد اجتماعي ينظّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في ظل مجموعة من الحقوق والواجبات لكل من الحاكم والمحكومين، فطالما أن الشعب يتمتع بكل حقوقه وأن الحاكم يعمل على توفير حياة كريمة له، فمن الواجب عليه طاعة الحاكم ومؤازرته ونصرته عند وقوع أي اعتداء عليه أو عند حدوث أي بلبلة أو اضطراب وتأييده عند وقوع شدائد.

كيف تعرّض فقهاء الإسلام لقضية الخروج على الحاكم؟

ثمة تفاوت في الآراء لكن الذي يجمع بينهم عدم الرضوخ للحكم الجائر، فلا بد هنا من مخاطبة الحاكم ويتقدم إليه أهل الحلّ والعقد ممثلو الأمة وينبّهونه ويوضحون له المظالم الموجودة في المجتمع حتى يعود إلى الحكم بالعدل، فالإسلام يرفض الظلم والحكم الجائر ويقرّ العدل في كل شيء «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل».

ماذا إذا رفض الحاكم الرضوخ لأهل الحلّ والعقد؟

هنا أيضاً ثمة تضارب بين آراء الفقهاء، فالبعض يجيز الخروج على الحاكم والبعض الآخر يرفض خشية حدوث فوضى أو اضطراب أو قلاقل في المجتمع.

يرفض بعض الفقهاء الخروج على الحاكم مهما فعل فما رأيك؟

الإسلام دين العدل وإعطاء كل ذي حقّ حقّه، فهذا رأي البعض وأعتقد أنه لا يتّفق مع مفهوم الإسلام أنه دين العدالة الاجتماعية.

ماذا تقول في من يتّخذ آية «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» ذريعة للاستبداد بالحكم؟

أقول ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، هذا هو المبدأ الإسلامي، نحن نطيع الحاكم طالما أنه على طريق العدل والإنصاف وتوفير الحقوق، أما إذا خالف شرع الله وتنكّب لطريق العدالة، هنا يحق الخروج عليه أو عزله.

هل الفرق الإسلامية مظاهر ثورية؟

الفرق الإسلامية كثيرة عندنا: المعتزلة والخوارج والمرجئة والشيعة وغيرهم، لكن الذين أباحوا الخروج على الحاكم بشكل واضح خصوصاً عند ارتكاب الكبيرة هم الخوارج، لذلك يقال عنهم إنهم هم الذين يمثلون الاتجاه الثوري في الإسلام، كذلك يقرّ المعتزلة بأن السلطة الحاكمة تكون عن طريق الاختيار، وبالتالي إذا انحرف الحاكم وأهمل واجباته وسار في طريق الظلم والجور، فمن حق المحكومين عزله واختيار غيره فأحد مبادئهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كيف يكون النهي عن المنكر؟

هنا تندرج مقولة الحديث النبوي الشريف «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان»، فأضعف الإيمان الإنكار القلبي ثم اللسان، أما التغيير باليد فهو آخر درجة في موضوع الخروج على الحاكم.

أي المذاهب أيّد الخروج بالسلاح أو باليد؟

الخروج بالسلاح فيه تشعّب كبير وأقاويل كثيرة متباينة، فشرط الخروج أن يكون خروجاً آمنا ومنظماً حتى ينجح وليس خروجاً فوضوياً أو عشوائياً كي لا يؤدي إلى فوضى واضطراب وسفك دماء.

رفض بعض الفقهاء تناول هذه المسألة فهل ذلك مخافة بطش الحاكم أم استرضاء له؟

البعض الذي لم يقرّ بعدم الخروج على الحاكم الظالم هو فئة حظيت برضى الحاكم ونالت امتيازات ويطلق عليها فقهاء السلطة، لأنها رفضت إقرار العدل بعزل الحاكم الظالم واختيار آخر يحلّ محله عن طريق الاختيار والبيعة.

إلى أي مدى تتوافق الثورة مع المبدأ الإسلامي القائل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضرورة التصدّي للحاكم الجائر والظالم والفاسد؟

الإسلام هو دين الحرية والعدالة، وعندما ينتشر الظلم والجور والمحسوبيات، وغيرها من الأمور التي لا تتّفق مع جوهر الإسلام وروحه الحكيمة العادلة، من حقّ المحكومين الخروج على الحاكم وعزله واختيار آخر صالح يوفّر لهم حياة كريمة عادلة. ثمة تضارب بين علماء المسلمين في الخروج على الحاكم، فالبعض يرفضه والبعض يجيزه لكن بشكل لا يتسبّب بفوضى واضطراب في المجتمع.

هل تراجع الدولة لتطبيق الشورى هو سبب اشتعال فتيل الثورة في البلدان العربية؟

الشورى أحد المبادئ المهمة التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام، يقول تعالى «وأمرهم شورى بينهم» ويأمر نبيه (صلى الله عليه وسلم) بها «وشاورهم في الأمر».

يقوم نظام الحكم في الإسلام على مبادئ: العدالة، المساواة، الشورى ومسؤولية الحاكم العامة التي بينه وبين الشعب كعقد اجتماعي، فإذا لم يأخذ الحاكم برأي المحكومين وجب عليهم مطالبته بالمشاورة، لأن الشورى هنا هي العدو الأكبر لاستبداد الحاكم بالحكم وانفراده بالإدارة وسياسة الدولة. والإسلام ضد الحكم المطلق ويرفض أن يكون حاكماً بتفويض إلهي، فالحاكم فرد عادي لكنه أكثر مسؤولية من غيره ومن واجب المحكومين مناقشته ومشاورته ومحاكمته إذا أخطأ.

بعد اندلاع الثورات العربية ظهرت أصوات إسلامية تنادي بعودة دولة الخلافة مجدداً... كيف ترى ذلك وهل يتماشى مع روح العصر؟

لم يحدّد الإسلام شكلاً من أشكال الحكم سواء كان خلافة أو ملكية، فقد أعطانا مبادئ عامة هي: العدالة والمساواة والشورى ومسؤولية الحاكم العامة تجاه المحكومين. حتى القرآن لم يتطرّق إلى تحديد شكل من أشكال الحكم ولكن تحدّث عن هذه المبادئ الأربعة التي، إن طبقت تطبيقاً سليماً، ستخرج لنا أفضل شكل من أشكال الحكم، سواء كان حكماً جمهورياً أو ملكياً أو أرستقراطياً، فالمسمى لا يهمّ هنا ولكن المهم تطبيق هذه المبادئ تطبيقاً سليماً عادلاً.

ما رأيك في التيارات الدينية التي تحاول الصعود إلى الحكم راهناً؟

أعتبرها انتهازية. كل من هبّ ودبّ يودّ أن يصل إلى الحكم، مع أنه مسؤولية ضخمة جداً.

ما رأيك في مطالبتها بوجود دولة دينية؟

يرفض الإسلام الدولة الدينية وأنا أشرت في بعض مؤلفاتي إلى رفض الإسلام للحكم الديني، لأن الحاكم لا يتمتع بالقدسية وليس بابا، وقد أشار المستشرق الإنكليزي توماس هوبز إلى أن الحاكم أو الخليفة أو السلطة الحاكمة في الإسلام ليست له سلطة دينية على أحد، بل هو رجل وثقت الأمة بدينه وعدالته، فولّته أمورها، يديرها بمقتضى شرع الله، فالحاكم شخص عادي يخضع للمحاكمة والمساءلة من المحكومين إذا أخطأ أو انحرف عن الطريق المستقيم، بالتالي الحكومة الدينية مرفوضة تماماً لا يقرّها الإسلام، ولم يشهد طوال تاريخه حكومة رجال دين أو حكومة ملالي كما هو عند الشيعة راهناً.

كيف نؤصّل لمدنية عربية بمرجعية إسلامية بعيداً عن المدنية الغربية التي تختلف في ثقافتها وهويتها عن مجتمعنا العربي؟

إذا نظرنا إلى الإسلام الصحيح المعتدل الوسطي وطبّقنا جوهره وروحه بعيداً عن الفروعيات التي لا تجدي ولا تثمر، سنجد عندنا حكماً عادلا سليماً، يقول تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»، وقد أشرنا إلى مبادئ نظام الحكم في الإسلام، وكما أشار القرآن الكريم وهو يشتمل على كل ما يحتاج إليه المجتمع السليم من مبادئ في المجالات كافة فما حاجتنا إلى الغرب؟ لكن هذا لا يمنع من أن نستفيد من تقدّم الغرب في المجالين العلمي والتكنولوجي.

ما الدور الذي يجب أن تقوم به المؤسسات الدينية في العالم العربي لحماية مبادئ الثورة في كل مكان؟

يجب على هذه المؤسسات أن تراعي طاعة الله سبحانه وتعالى في الفتاوى والأحكام التي تصدرها وليس طاعة الحاكم، هنا للأسف الشديد تحاول مجامع إسلامية كثيرة إرضاء الحاكم بأي شكل من الأشكال، وبهذا تبتعد عن روح الإسلام الذي يأمر بالعدل والإحسان وإعطاء كل ذي حق حقه.

كيف نحافظ على مكتسبات الثورة؟

الإسلام ليس دين الفوضى، فهو دين الأمن والسلام وأن يقوم كل فرد بواجبه ليحصل على حقه، لأن الإسلام قدّم الواجب على الحق، فعلينا أن نعمل وننتج كلّ في موقعه لنحصل على حقوقنا، والإسلام يرفض الفوضى والاضطراب فهو دين السلام والأمن والأمان والطمأنينة.

ما سبب ظهور الطغاة في الحكم؟

هذا عائد إلى انعدام التربية الصحيحة والتوعية السليمة، بالتالي انعدام الفهم السليم للإسلام الصحيح والمعتدل والحقيقي الذي يأمر بالخير للمحكومين. عرّف ابن خلدون السياسة بأنها تعني الخير للإنسان، بالتالي هذا الخير لا يأتي إلا عن طريق حاكم قوي يحافظ على حقوق شعبه، لذا نقرّ التعليم والتوعية السليمة لأنهما السياج القوي ضد الفوضى والاضطرابات.

هل أدت ظاهرة غلق باب الاجتهاد في الفكر الإسلامي منذ قرون إلى استبداد الحاكم وما آلت إليه الشعوب الإسلامية راهناً؟

طبعاً لأن هذا الأمر يخالف منطوق النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمور دينها»، فغلق باب الاجتهاد كان له دور كبير في ما آلت إليه أحوال الدول الإسلامية، لأن الاجتهاد هو إعمال العقل ويحثّ الإسلام على ذلك، ثم يؤدي إلغاء العقل إلى إشاعة الجمود والظلم والابتعاد عن روح الإسلام وجوهره، ذلك كلّه يصبّ في مصلحة الحاكم، بالتالي كان لهذا الجمود دور في بقاء الإسلام في حالة من التخلّف والانحدار والتدهور. من هنا إعمال العقل هو سبيلنا إلى التقدّم والازدهار وخلق مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويوفر حياة كريمة لكل فرد فيه.

في سطور:

وُلد د. صلاح الدين بسيوني رسلان في 21 فبراير عام 1940، حاز إجازة في الفلسفة (1961)، ثم ماجستير في الفلسفة (1971) وتمحورت أطروحته حول «الفكر السياسي عند الماوردي»، مع تحقيق مخطوطة عن قوانين الوزارة، ثمّ دكتوراه في الفلسفة (1978) وتمحورت أطروحته حول «ابن حزم وآراؤه الكلامية».

تدرّج د. رسلان في وظائف إدارية، وراهناً هو أستاذ الفلسفة الإسلامية والسياسية، غير متفرّغ، في كلية الآداب في جامعة القاهرة. له مؤلفات في الفكر السياسي أبرزها: «السياسة والاقتصاد عند ابن خلدون»، «الفكر السياسي عند الماوردي»، «الأخلاق والسياسة عند ابن حزم»، «الوزارة في الفكر الإسلامي»، «مقاومة الحاكم الجائر في الإسلام».

back to top