بين أحمد الحضري وعطيات الأبنودي

نشر في 31-10-2011
آخر تحديث 31-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 محمد بدر الدين شكَّل عيد ميلاد الناقد والمؤرّخ السينمائي الكبير أحمد الحضري الخامس والثمانين، فرصة لأجيال عدة في الحياة السينمائية والثقافية عموماً للتعبير عن تقدير وامتنان بالغين لرجل من البناة الكبار الرواد في بلادنا، الذين أعطوا بلا حدود بتجرّد ورقيّ، في مختلف المجالات ومن بينها السينما. بلغت ذروة هذا التعبير خلال احتفالية نظّمتها «جمعية نقاد السينما المصريين» (23/10/2011)، وعبر الأحاديث المتعمّقة عن قيمة الرجل، لكوكبة من بينها: المصوّر السينمائي سعيد شيمي، المخرجة نبيهة لطفي، المؤرّخ السينمائي محمود علي، الناقدان يعقوب وهبي ومحمد عبد الفتاح وغيرهم، فضلاً عن الحديث الدقيق النفاذ للحضري نفسه عن رؤيته لتجربته الغنية، وللحياة السينمائية في بلادنا بين الأمس واليوم كما تابعها ناقداً ومؤرخاً، واستشرافه لها وسط ملابسات الحاضر.

بدأ الحضري الذي وُلد في القاهرة في أكتوبر عام 1926، مهندساً تخرَّج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، قسم العمارة عام 1948، ثم حصل على شهادة فن السينما من جامعة لندن عام 1954، ودبلوم دراسات عليا في الهندسة من الجامعة نفسها عام 1956.

مع تنوُّع اهتماماته وبداياته مهندساً وكضابط في القوات المسلّحة ودراسته خلال البعثة في العاصمة البريطانية السينما وتصوير الأفلام وإخراجها، إلا أنه عاد إلى القاهرة مستقراً على منح قصارى جهده لنشر ثقافة سينمائية واسعة ودقيقة، وفق أحدث المفاهيم والأدوات التي عرفها العالم.

أسَّس الحضري «جمعية الفيلم» بالقاهرة وأصبح أول رئيس لها عام 1960. ظهر أول كتاب له في الثقافة السينمائية عام 1959، وبدأ بإلقاء محاضرات عن فنون السينما منذ عام 1963، إلى جانب أحاديث وبرامج في الإذاعة المصرية. صار عميد المعهد العالي للسينما بالقاهرة عام 1967، ومدير نادي السينما بالقاهرة عام 1968.

كذلك أسّس الحضري «المهرجان القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة» (1970)، وتقلّد منصب مدير المركز الفني للصور المرئية (1972)، ورئيس المركز القومي للسينما (1980)، ورئيس صندوق دعم السينما (1984)، ورئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي (1988). كُرِّم في المهرجان القومي للسينما رائداً للثقافة السينمائية، وهو راهناً رئيس تحرير سلسلة كتب «آفاق السينما» منذ عام 2001.

صدر للحضري حتى الآن 21 كتاباً في السينما بين التأليف والترجمة.

من بين كتبه المترجمة: «صناعة الأفلام من السينما إلى الشاشة، رجال السينما، فن المونتاج السينمائي، صناعة الأفلام الروائية، الإخراج السينمائي، تصميم المناظر السينمائية، كتابة السيناريو للسينما، قراءة الشاشة، نظرية السينما، التمثيل للسينما والتلفزيون، كيف تتم كتابة السيناريو؟، قواعد اللغة السينمائية».

من بين الكتب التي ألّفها الحضري نذكر: «فن التصوير السينمائي، يوسف جوهر أديب السينما المصرية، سعيد شيمي شاعر الصورة السينمائية».

شارك الحضري مع آخرين في تأليف كتاب «مائة عام من الإنتاج السينمائي»، ومع الناقدين الكبيرين سمير فريد وكمال رمزي في تأليف كتاب «أهم مائة فيلم في السينما المصرية».

يظلّ كتاب الحضري «تاريخ السينما في مصر» في أكثر من جزء، المرجع الأول، الذي يجد فيه الباحث والقارئ العام كتابةً مدقّقة موضوعية وموثّقة، عن تاريخ السينما المصرية، السينما الأم في الوطن العربي وإحدى أهم عشر سينمات في العالم. (وقد أخبرنا أنه أوشك على الانتهاء من كتابة جزء عن تاريخ السينما في مصر خلال عقدي أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته).

عُرض في الاحتفالية الفيلم التسجيلي ذائع الصيت «حصان الطين» للمخرجة الكبيرة عطيات الأبنودي ـ منّ الله تعالى عليها بالشفاء ـ والذي صوَّره الحضري. الطريف أنه قام بتصويره عام 1969 حين كان عميداً للمعهد العالي للسينما، وكانت عطيات الموهوبة تلميذته وفي مستهلّ مشوارها، فقالت آنذاك كما يروي هو باسماً: «كيف لي أن أطلب أو أقول ملحوظة للعميد خلال تصويره الفيلم؟».

أصبح «حصان الطين» بعد ذلك من كلاسيكيات السينما التسجيلية المصرية، وهو يؤكد حتى بعد أكثر من 40 سنة على عرضه أنه فيلم إنساني حار أخاذ، يقدّم ببلاغة سينمائية أنشودة حب وتحية للإنسان من خلال عمله (في بلدة دسوق)، وللبنات المصريات الكادحات اللواتي يحملن الطوب للبناء، ومعاونة الأحصنة للبشر في صنع الطوب من الطين والإنهاك الذي يطاول الجميع في النهاية، الإنسان والحصان، من خلال لقطات قريبة تقدّم الوجوه والأجساد أثناء العمل بحميمية وحب حقيقي، وببراعة وبراءة... فيلم تناغم فيه إخراج عطيات الأبنودي وتصوير أحمد الحضري!

هكذا تحوّلت الاحتفالية إلى احتفاء جميل أيضاً بموهبة عطيات الأبنودي الكبيرة والاستثنائية.

back to top