ثورة اليمن 1962- 1970(1/2):11 قرناً من الدماء لا تروي عطش الأئمة

نشر في 28-08-2011 | 22:02
آخر تحديث 28-08-2011 | 22:02
 نقرأ في الحلقة الأولى من ثورة اليمن صفحةً أخرى من صفحات الدم، قصة عن مظلومين عرب كثيرين سالت دماؤهم على أرض اليمن في النصف الأول من القرن العشرين، بسبب حكم الأئمة الذي استمر أحد عشر قرناً من الاستبداد، أجيالٌ لا حصر لها لم تعرف قيمة الحق ولم تتعود يوماً على العدل، كان الظلم هو كل ما يمكن أن يملكه الحُكام، وكان الصبر هو كل ما يمكن أن يملكه اليمنيون، لكن إلى حين.

إنه «اليمن السعيد»

منذ اللحظة الأولى التي تسمع فيها هذه العبارة لا تستطيع أن تتخيل مستوى المعاناة الإنسانية التي عاشها أهل هذا البلد، خلال أكثر من عشرة قرون، قبل أن تصل إلى القرن العشرين.

لقد جسد الطغيان في هذا النظام نوعاً نادراً من القمع والاستبداد ومص دماء الشعوب على نحو شهد فيه القرن العشرون أبشع الجرائم ضد الإنسانية تحت نير هذا الحكم الدموي، في هذا اليمن «السعيد».

الدكتور عبدالرحمن البيضاني أحد قادة ثورة اليمن ونائب رئيس مجلس قيادتها لخَّص ذات مرة مأساة اليمن في قصة ذبح ألف ومئة شاب من أبناء قرية «موكل» اليمنية، بسبب أن أحدهم جاهر بالمطالبة بحقوق الشعب في المساواة مع الهاشميين، فما كان من أمير المنطقة إلا أن أمر ألف ومئة رجل من أبناء القرية بأن يحملوا رؤوس زملائهم الذين قتلهم الأمير السفاح في القرية إلى صنعاء، فساروا في طابور طويل مقيدين بالسلاسل، من الأعناق حتى الأقدام، وعندما وصل الطابور إلى صنعاء أمر الجلادين بقطع رؤوسهم جميعا.

بلغ استبداد الإمام حداً من الجنون، جعله يُقيم حواجز مرور على طول الطريق لتدفع السيارات ووسائل النقل الأخرى ضرائب عند كل حاجز، حتى بلغ عدد الحواجز على الطريق بين صنعاء وعدن أكثر من أربعين حاجزاً، وبذلك تدفع السيارة أربعين ضريبة، بينما طول الطريق حوالي ثلاثمئة كيلو متر.

حكم الأئمة

كان اليمن يسمى سابقاً «بلاد العرب السعيد» لازدهاره في زمن الحضارات العربية القديمة، لكنه انفصل عن الخلافة العباسية عام 897م، وحكمه الأئمة الزيديون 1100 سنة تقريباً، منذ ذهب اليمنيون إلى المدينة المنورة سنة 284 هـ لمبايعة الهادي يحيى بن الحسين إماماً لليمن، حيث تعهد الإمام بتحكيم شرع الله وسنة رسوله والمساواة بين جميع اليمنيين على اختلاف مذاهبهم وأصولهم، ثم خضعت لحكم الأيوبيين عام 1173م، حتى زوال دولتهم.

في عام 1517م سيطر العثمانيون على بعض أجزاء من اليمن، فقاومهم الأئمة الزيديون، حتى تمكن الإمام المتوكل على الله من إجلاء العثمانيين عن اليمن الشمالي، ومد سلطانه إلى جميع بقاع اليمن وشملت سلطته مساحة شاسعة تمتد من مكة شمالاً إلى عمان جنوبا، وبهذا كان اليمن أول دولة عربية تعلن استقلالها في ذلك الوقت.

ميز أئمة اليمن أنفسهم عن بقية الشعب على اعتبار أنهم من السلالة الهاشمية الحاكمة، وتصرفوا بعدوانية تجاه جموع الشعب وصلت إلى حد إعاقة الوعي الوطني لليمنيين، جرَّموا التعليم لأنه كان خطراً على سلطانهم، وخضبوا أرض اليمن بدماء عباقرتها ومُصلحيها وأبناء قبائلها، زاعمين أنهم طبقة أرقى من عامة الناس.

ظل اليمن الشمالي بلداً قديماً ومعزولاً عن العالم، اجتماعياً واقتصادياً، وصناعياً، لوقت طويل جداً، لدرجة أنه حتى العام 1950ـ حين كان العالم يدرس إمكانية الوصول إلى القمر ـ لم يكن في اليمن الشمالي لا كهرباء ولا طبعاً إذاعة حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث أنشأ البريطانيون محطة بث في عدن عام 1946، ولم يكن يسمعها سوى ثلاثة أشخاص فقط، يوجد لديهم ثلاثة أجهزة راديو، هم: الإمام أحمد وولي العهد البدر والقاضي أحمد الحضراني!!

انقلابات فاشلة

أدى انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى حالة حراك سياسي نشط في عدد من البلدان العربية على رأسها اليمن الشمالي، حيث بدأت سلسلة من المحاولات الانقلابية، كان أولها عام 1948 وقام به عبدالله الوزير، وانتهى بالفشل.

شهد شهر أبريل عام 1955 انقلاباً قام به المقدم أحمد يحيى الثلايا، الذي قاد فرقة من الجنود لمحاصرة الإمام في قصره بمدينة تعز، وطالبوه بتسليم نفسه وهو ما حدث بالفعل، لكن خلافاً نشب بين قادة الانقلاب على مصير الإمام، بعضهم اقترح قتله، والبعض الآخر اقترح أن يُستبدَل بأخيه الأمير سيف الله عبدالله، بينما كان الإمام يفتح خزائن قصره أمام جنود الثلايا ليشتريهم، وأرسلت سيدات الأسرة المالكة رسائل إلى القبائل تقول في نصها «يا غارة الله بنات النبي»، ومع كل رسالة قصاصة من شعورهن، فهجمت القبائل على تعز وفشل الانقلاب.

بدءاً من عام 1955 فتحت مصر أبوابها للثوار اليمنيين المطرودين، وتكوَّنت داخل مصر «جبهة معارضة» للنظام اليمني، ووضع عبدالناصر إذاعة صوت العرب تحت تصرُّف ثوار اليمن والجزائر، وأتاح لهم الفرصة لإصدار نشرة معارضة بدءاً من أغسطس عام 1955، وهي «صوت اليمن» والتحق الضباط اليمنيون بالكلية الحربية المصرية، وكان يتم تدريبهم على أحدث النظم القتالية في مصر.

في هذا الوقت، كانت القاهرة بدأت تستقبل عدداً من القيادات الثورية اليمنية، الذين أطلقوا على أنفسهم «الأحرار اليمنيون»، وشرعوا في عقد اجتماعات تنيسقية بينهم وبين جبهة المعارضة اليمنية بمصر، برعاية ودعم مجلس قيادة الثورة، وفي مايو 1961 تم تشكيل اتحاد يضم هؤلاء، وانتخاب مجلس إدارة لهذا الاتحاد، وانتخب أحمد محمد النعماني رئيساً له، والقاضي محمد محمود الزبيري نائباً له للشؤون الداخلية، (وكلاهما من الثوار القدامى الذين شاركوا في محاولة انقلاب 1955) وانتخب البيضاني نائباً لرئيس الاتحاد للشؤون السياسية، وبدأ الاتحاد يمارس عمله في الدعوة إلى الثورة اليمنية المُنتظرَة.

موت الإمام حميد الدين

كان حاكم اليمن في تلك الأيام هو الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين، عيَّنه أبوه أميراً على لواء تعز عندما بدأ الاعتماد على أبنائه الذين عرفوا بسيوف الإسلام في حكم البلاد من بعد عام (1357 هـ/ 1937م).

وحين انطلقت ثورة الدستور عام 1948م، كان مخططا أن يُقتل خارج تعز، في الوقت نفسه الذي يقتل فيه أبوه في حزيز جنوب صنعاء (17 فبراير 1948م) ولكنه خادع الكمين، وخرج سراً إلى حجة حيث أعلن الحرب على الثورة، وقضى عليها وأعدم زعماءها، وسجن الباقين في حجة، وتولى حكم البلاد منذ ذاك الحين، متخذاً لنفسه لقب الناصر لدين الله.

اتسعت حركة المعارضة بزعامة القاضي محمد محمود الزبيري، والمناضل أحمد محمد النعماني في الخارج، فحاول ثلاثة من صغار ضباط الجيش اغتياله في مستشفى الحديدة، الذي كان فيه لزيارة المرضى من الجنود يوم 6 مارس عام 1961، ولكنه نجا بأعجوبة، وظل الإمام يحكم اليمن بنفسه حتى وفاته في 19 سبتمبر 1962م ، وتولى ابنه محمد البدر حميد الدين حكم البلاد من بعده، وكان أول قرار له هو تعيين عبدالله السلال قائداً للحرس الملكي (الإمامي)، وكان من الثوار، وصاحب الدور الفعَّال في العمليات الثورية.

الانفجــار

أدرك مخططو الثورة منذ البداية أنه من الضروري الاعتماد على ضُباط عسكريين بشكل أساسي للإطاحة بحكم الإمام، ثم يُدعمون بالقبائل بعد ذلك، وعلى الرغم من ذلك فإن العقل المدبر للانقلاب كان مدنياً، وهو عبد الرحمن البيضاني، الذي صمم مخططاً جيداً للثورة، ورأى وجود خمس ركائز أساسية للقيام بثورة ناجحة في اليمن، وهي: الجيش الذي سيقوم بالانقلاب، العمل على سرعة الانتهاء من بناء ميناء الحُديدة لاستيراد الأسلحة الثقيلة، التي تختلف عن الأسلحة الموجودة في أيدي القبائل، إنشاء طريق بين الحديدة وصنعاء لضمان الوصول للعاصمة سريعاً لحمايتها، دولة تساند الثورة، إعلام قادر على التبشير بمبادئ الثورة.

وفي سنة 1962، كانت هناك نواة للجيش، كما تم بناء ميناء الحديدة وشُق الطريق بين الميناء وصنعاء، كما تم إنشاء دار الإذاعة في صنعاء وبقي فقط الدعم الدولي.

تم وضع خطة الانقلاب في مدينة جرمش بألمانيا، خلال اجتماع بين البيضاني وعبد الغني مطهر وعدد من الثوار، ثم بعد ذلك سافر البيضاني إلى القاهرة لعرض الخطة على المسؤولين المصريين هناك، وكان على رأسهم صديقه أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة المصرية، وصلاح نصر مدير المخابرات العامة، ثم دخل الرئيس جمال عبد الناصر معهم على الخط، وكان يصاحب البيضاني في بعض هذه اللقاءات محمد قائد سيف، الذي شارك في انقلاب سنة 1948 بقيادة عبد الله الوزير، ورغم تردد عبد الناصر في بداية الأمر، وافق على دعم الأحرار اليمنيين، أسوة بما قدمته مصر للثوار الجزائريين.

معركة القصر

في هذه الأثناء تناقش ضباط الجيش إذا كان هذا هو الوقت المناسب للقيام بالانقلاب أو الانتظار حتى عودة الأمير الحسن من الخارج للقبض عليهما معاً في وقت واحد، ولكن العقيد عبدالله السلال قرر التحرك، وأمر بإعلان حالة التأهب القصوى في الكلية الحربية في صنعاء، وفتح جميع مستودعات الأسلحة وقام بتوزيعها على كل الضباط الصغار والجنود.

مساء 25 سبتمبر، جمع عبدالله السلال القادة المعروفين في الحركة القومية اليمنية، والضباط الذين تعاطفوا معها أو شاركوا في محاولة انقلاب الثلايا عام 1955، وكان كل ضابط وكل خلية بانتظار تلقي الأوامر وبدء التحرك بمجرد بدء قصف قصر الإمام بدر، وتضمنت الأماكن المهمة التي يجب تأمينها قصر البشائر (قصر الإمام)، وقصر الوصول (قصر الاستقبال)، ومبنى الإذاعة ومحطة الاتصالات التليفونية، وقصر السلاح (مخزن السلاح الرئيسي)، ومقرات الأمن الداخلي والمخابرات، وكانت الأسلحة المتاحة في تنفيذ ذلك 13 دبابة من اللواء بدر، و6 عربات مصفحة، ومدفعين متحركين، ومدفعين مضادين للطائرات، وكانت الكلية الحربية هي مقر القيادة والسيطرة على القوات التي تقوم بالانقلاب.

توجهت وحدة من الضباط الثوريين مصحوبة بالدبابات إلى قصر البشائر، وقاموا باستخدام مُكبِّرات الصوت لدعوة الحرس الملكي للتضامن القبلي، وتسليم الإمام بدر الذي تقرر إرساله إلى المنفى بسلام، ولكن الحرس الملكي رفض الاستسلام وفتح النار على وحدة الضباط، مما دفع الثوريين إلى الرد بقذائف المدافع والدبابات، حيث كانوا قد قرروا استخدام الدبابات والمدفعية منذ البداية.

استمرَّت معركة القصر حتى استسلم الحرس الملكي في صباح اليوم التالي، وكانت الإذاعة قد سقطت منذ البداية بعد مقتل ضابط ملكي واحد وانهيار المقاومة، أما مخزن السلاح فكان أسهلها، يكفي أمر مكتوب من العقيد السلال لفتح المنشأة ثم تنحية الملكيين منها وتأمين البنادق، والمدفعية والذخيرة، كما سقطت الاتصالات التليفونية أيضاً بدون أي مقاومة، وفي قصر الوصول، ظلت الوحدات الثورية آمنة تحت ستار حماية وتأمين الدبلوماسيين والشخصيات المهمة التي جاءت لتبارك لولي العهد الجديد.

في صباح الأربعاء 26 سبتمبر 1962، أعلنت إذاعة صنعاء البيان الأول للثورة، وكان مما جاء فيه:

«تعلن قيادة الثورة أهدافها وسياستها في المجال الداخلي، والمجال القومي، والمجال الدولي، وأهداف الثورة هي:

القضاء على النظام الفردي المطلق، والقضاء على النفوذ الأجنبي، إنهاء الحكم الملكي وإقامة حكم جمهوري ديمقراطي إسلامي، أساسه العدالة الاجتماعية في دولة موحدة تمثل إرادة الشعب، وتحقق مطالبه الأساسية العامة للجمهورية العربية اليمينة، إحياء الشريعة الإسلامية الصحيحة بعد أن أماتها الحكام الطغاة الفاسقون، وإزالة البغضاء والأحقاد والتفرقة السلالية والمذهبية، تنظيم جماهير الشعب في تنظيم شعبي موحد يشارك في عملية البناء الثوري، ويمكنها من مراقبة أجهزة الدولة مراقبة تامة، يمنعها من الانحراف عن أهداف الثورة».

وفي 28 سبتمبر، أعلنت الإذاعة موت الإمام بدر على الرغم من أنه كان لا يزال على قيد الحياة، وكان قد غادر العاصمة صنعاء وهرب إلى مدينة حجة في الشمال، وفي نيته أن يفعل ما فعله أجداده من قبل، فيقوم بالاستنجاد بالقبائل في الشمال وفي جبال حضرموت، وشن حرب لاستعادة العاصمة صنعاء.

وفي 30 سبتمبر، وصل العميد المصري علي عبد الخبير على متن طائرة لتقييم الموقف، وتقدير احتياجات مجلس قيادة الثورة اليمني من الاحتياجات والإمدادات العسكرية، وتقرر على وجه السرعة إرسال كتيبة من قوات الصاعقة المصرية، لتكون مهمتها حراسة العقيد عبدالله السلال، ووصلت هذه الكتيبة إلى مدينة الحديدة يوم 5 أكتوبر.  كان أنور السادات يعتقد أن لواء مدعوماً بالطائرات يمكنه تأمين السلال، ومجموعة الضباط الأحرار اليمنيين، ولكن الأحداث تسارعت على نحو غير متوقع، حيث قامت السعودية بإرسال قوات إلى الحدود اليمنية، وأرسل ملك الأردن رئيس أركان جيشه إلى الأمير حسن لإجراء مباحثات بشأن تقديم الدعم للإمام، وفي الأيام الممتدة بين 2 و 8 أكتوبر، غادرت أربع طائرات شحن سعودية محملة بالسلاح لتوصيله إلى القبائل اليمنية الموالية للإمام، ولكن الطيارين اتجهوا إلى مدينة أسوان المصرية، ثم أعلن سفراء ألمانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والأردن، دعمهم نظام الإمام بينما أعلنت مصر وإيطاليا وتشكوسلوفاكيا دعمها الثورة الجمهورية باليمن لتتسبب الثورة اليمنية في وضع أشبه بمواجهة دولية واسعة.

جيش مصر في اليمن

أدرك عبد الناصر خلال ثلاثة أشهر من إرساله القوات إلى اليمن أن الأمر يتطلب أكثر مما توقع، وفي بدايات عام 1963 وجد نفسه مضطراً إلى إرسال المزيد من القوات، وأنه ليس أمامه خيار إلا مواصلة دعم الثوار مع يقينه بالخلافات التي بدأت تنشب بين معسكر السلال الموالي لناصر وشيوخ القبائل المؤيدين للثورة، لا سيما الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشايخ قبائل «حاشد» صاحبة الدور الكبير في المعارك، وكان عدد القوات أقل من 5 آلاف جندي في أكتوبر من عام 1963، وبعد شهرين ارتفع عدد القوات النظامية هناك إلى 15000، وفي نهاية 1963، بلغ عدد القوات 36000 جندي، وفي نهاية 1964، وصل إلى 50000 جندي مصري في اليمن، وبلغ العدد ذروته في نهاية عام 1965 ليبلغ عدد القوات المرابطة هناك 55000 جندي مصري، تم تقسيمهم إلى 13 لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية، وفرقة دبابات، والعديد من قوات الصاعقة وألوية المظلات، وقد أرسل السفير أحمد أبوزيد -الذي كان سفير مصر إلى المملكة اليمنية من سنة 1957 إلى سنة 1961- العديد من التقارير المهمة عن اليمن التي لم تصل إلى وزارة الدفاع المصرية، ويبدو أنها ظلت مدفونة في أدراج وزارة الخارجية، فقد حذر السفير المسؤولين في مصر -بمن فيهم المشير عبد الحكيم عامر- من أن القبائل اليمنية صعبة المراس وعارض السفير إرسال القوات المصرية، واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح، وحذرهم من أن بعض الدول قد تغرق اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة.

لم يتفهم عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة بالقاهرة أن تمركز قوات مصرية في اليمن سيعتبر تهديداً مباشراً للقوات البريطانية الموجودة في محمية عدن، ولم تؤخذ هذه العوامل في الاعتبار عندما تم اتخاذ القرار النهائي بإرسال القوات المصرية إلى اليمن.

المهمة الصعبة

كان القادة المصريون يعانون انعدام الوعي بالخرائط الطبوغرافية لميدان المعركة على أرض اليمن، مما سبب لهم مشكلة حقيقية في الأشهر الأولى من الحرب، فلم يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ عن الخسائر بدون الإحداثيات الدقيقة للمواقع، وكانت لدى وحدات القتال خرائط تستخدم فقط للملاحة الجوية، وقد أقر مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر بأن المعلومات عن اليمن كانت شحيحة جداً، خاصة أن مصر لم يكن لديها سفارة في اليمن منذ سنة 1961.

جعل نقص الخرائط والجهل بأرض المعركة المهمة صعبة وجعلت القوات المصرية تخوض في مستنقع اليمن، طوال مدة بقائها، وكان من بين القادة الذين تم إرسالهم لتنفيذ «العملية 9000» (الاسم الكودي الذي أطلقه قادة الجيش المصري على حرب اليمن)، لواء مصري واحد من أصل يمني من قبيلة بني سند اسمه طلعت حسن علي، وكان هذا اللواء هو الوحيد الذي تتوافر لديه معرفة باليمن.

ولم يعان الملكيون من هذه المشكلة بالإضافة إلى تدفق آلاف العمال اليمنيين العاملين في المملكة العربية السعودية لمساعدة الإمام بدر، وزاد من صعوبة الموقف إرسال العراق أيضاً العديد من البعثيين اليمنيين لزعزعة استقرار نظام الضباط الأحرار اليمني الموالي للمصريين.

back to top