جمرة الروح تشتعل على مرارة انكسارات إنسانية.. تمزج بين اللغة السردية والنصّ الشعريّ
تتحسر رواية «جمرة الروح» على تكرار خيبة الأمل وضياع الأحلام، مستعرضة انكسارات إنسانية متنوعة.
في روايته «جمرة الروح» الصادرة عن «إدارة الثقافة والتراث الوطني» في وزارة الثقافة البحرينية و{المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، يمزج الكاتب خليفة العريفي بين اللغة السردية والنص الشعري، مقدماً شكلين إبداعيين بمقاييس فنية متباينة للحدث ذاته.تتبع الرواية حكاية رجل زُجّ بالسجن بتهمة تفجير سيارة عسكري إنكليزي تاركاً زوجته وابنته التي لم يرها تنهشهما الظروف القاسية، آملاً في الاجتماع بهما بعد إطلاق سراحه. لكن أحلامه تتلاشى ويخيب أمله، بعد أن يخرج ولا يجد زوجته في انتظاره، فيما أشقاؤه غادروا المدينة بعدما باعوا بيتهم، وتتوالى الخيبات الشخصية والعامة.غياب وضبابتتساءل الرواية الموزعة على فصول عن مرحلة الألم والحزن التي ستنشر مرارتها على كيان الرجل الأسري: «كم كأسا ستشربها الآن؟ ستتجرع الكؤوس كثيراً قبل أن تجد نفسك الغائمة في قاع الحيرة والضياع... أستطيع أن أتجرع كؤوس الدنيا، ولكن كيف أتجرع دمعك يا فرسي الوحشية. ما بين الدم والدم تكمن رائحة القضية. وأنت الآن تتعلمين أغنية الغياب والحضور، وتنتظرين طويلا في المحطات المكسوة بالضباب والوحشة».محطات انتظارفي مشهد آخر من الرواية، يرسم الكاتب ملامح من الألم والحزن وتشظي الكيان الأسري من خلال مشاهد مؤثرة، يقول: «ووقفت أنت في محطات الانتظار والأمل.. لكن القارب لم يأت، وماتت أمك تحت سنابك المرض.. وأنا عانقت الرطوبة والظلام»... عذبها الانتظار طويلا، ثم عادت إلى البيت، لم تكن تغني، لكنها ترتعش رعشات عصفور مبلل بالبرد.. إنها وحيدة ليس لها إلا حقارة الكوخ، والألم التي ترافق المرض منذ زمن.. وأشعار تكتبها للحب والأطفال وهديل الحمام في هذه القرية المنذورة للفقر والنسيان». لحن جنائزيفي مشهد يلفه الحزن والأسى ضمن فصل زينب، كانت السماء رماداً داكناً عندما وقفت على الرصيف تنتظر.. أليس الانتظار أغنية بطيئة الإيقاع مجهولة المعنى؟ انتظرت طويلاً، لكن السماء ظلت رمادية ولم تمطر. ماذا تنتظرين؟ أنتظر المطر. وبعد الأرض تنبت الجفاف، وأمي تعزف لحناً جنائزياً، ولا أحد يشتري أشعاري بثمن الدواء».ويستمر السرد بوتيرة الحزن، في فصل الأحلام يتحسر على تكرار ضياع الحلم: «خمس سنوات الأحلام تنتهي ناقصة، ومتى كانت أحلامها مكتملة؟ منذ وعت الحياة وأحلامها ناقصة».وعقب صراع مرير مع الظروف القاسية لا يجد الخارج من السجن إلا البكاء لغسل همومه، لعل مراراة الدموع تخف وطأة الألم: «ضاع المرفأ ومركبك الصغير يصارع زوابع لا قبل لك بمصارعتها، موجة ترفعك وأخرى تهوي بك إلى القاع. من أين تبدأ وهذا الهم يجتاحك كالصقيع؟ وسيل من الأسئلة يشدك إلى سديم لا نهاية له، رأسك يشتعل ناراً لا تريد أن تنطفئ. لو أن اللحظة تعود! لو أن رأسك لم يتشح سواد الشك والخوف! لو أن لو أن... لو أنك ذهبت إليها لحظة خروجك! ولكن اللحظة لا تعود، خير لك أن تبكي، ابك زمناً كنت فيه سيد نفسك، ابك زمناً ربما ضاع إلى الأبد».براءة الطفولةالضياع أفقده جزءًا من ملامحه، فتغير شكله، هذا التطور المخيف لم يكن يشعر به السجين، لكن الخيبة الأولى التي تعرف إليها عقب خروجه من السجن، في هذا السياق يكتب : «مسح دمعة سالت على خده قبل أن يطرق الباب تراجعت ضفة الباب إلى الداخل وأطلت براءة طفل، وحالما رآه هرع إلى الداخل مرعوباً، أخذ يفتش حوله عن شيء أخاف الطفل فلم يجد غير هيئته المريبة تحدق في اللاشيء». ثم ينتقل إلى مرحلة أخرى فاقداً فرصته الأخيرة: «ضاع خيطك الأخير، تساقطت حبات المسبحة، استباح الألم وعيك، فما عدت ترى غير الظلام ، هل دار في خلدك أنك ستظل متأرجحاً بين الصدى ورجع الصدى في فضاء لا نهاية له؟».مجالات متنوعةخليفة العريفي كاتب ومخرج وممثل، انتسب إلى مجموعات أدبية وفرق مسرحية متنوعة (مؤسس في أسرة «الأدباء والكتاب» في البحرين، عضو مؤسس في «منتدى المستقبل الثقافي»)، بدأ حياته الأدبية من خلال كتابة القصة القصيرة، كذلك اشتغل في المسرح منذ عام 1970، وأخرج أكثر من 25 مسرحية.في مجال الكتابة الإبداعية، كتب ثلاث مسرحيات هي: «ح. ب», «المهرجون» و{صور عارية»، بعض المسلسلات التلفزيونية. فضلاً عن أنه كتب وأخرج ومثّل في مسلسلات إذاعية.