الثورة العربية الكبرى (1916- 1925)(2/4): العرب يتخلصون من القمع التركي ويبدأون النضال ضد الطمع الغربي
نستعرض في الحلقة الثانية من مسيرة الثورة العربية الكبرى مرحلة حصد النتائج المُرة لهذه الثورة التي كادت تحقق الحلم، لولا أن القوات العربية لم تكن مهيأة لتحقيق انتصار على جيش تركيا المنظم إلا بمساعدة القوات الغربية، فكان أن تخلص العربُ من قمع الأتراك ليسقطوا في فخِّ الطمع الغربي.أعلن الشريف حسين الثورة في الحجاز قبل أن يستعد العرب لها، من حيث التدريبات العسكرية، وتوافر السلاح والذخيرة، ليضمن لنفسه الوقوف في وجه القوات التركية الأكثر تفوقاً، وكانت وقتها تحتل مدن الحجاز وشواطئه وثغوره وطرقه، يقودها ضباط مدربون جيداً على القتال، وتتوافر لديها طرق إمداد منظمة، وخطوط مواصلات جيدة.
كان الفارق رهيباً بين حجم قوات الترك والقوات العربية، من حيث التعداد والتسلح والتدريب، فقد كانت القوات العربية عبارة عن شراذم قليلة من البدو، الذين يفتقدون أدنى الخبرات في المعارك الميدانية الحديثة، سلاحهم قديم وعتادهم عتيق، ولا يتوافر أي من معدات الحرب الحديثة التي ظهرت خلال معارك الحرب العالمية الأولى، وهذا يؤكد أن العرب تعجلوا يوم إعلان ثورتهم لمنازلة قوات عظيمة يقودها ضباط اشتهروا بالجرأة، وتلقنوا فنون العسكرية الحديثة في أرقى المعاهد والجامعات، ويعملون وفق خطط محكمة.كانت حامية جدة هي أول حامية تركية استسلمت للعرب يوم 16 يونيو، وغنموا من ورائها عدداً من المدافع ومستودعاً للأسلحة والذخائر، استخدموها في مهاجمة الحامية التركية بمكة، التي كانت متحصنة في قلعة أجياد، حيث نصبوا هذه المدافع أمام القلعة، وفتحوا نيرانها عليها حتى اقتحموها يوم 4 يوليو 1916، ثم واصلوا تقدمهم فاستولوا على ميناء الليث (بين الحجاز واليمن) ثم دخلوا الطائف وحرروها من القوات التركية، لكن القوات العربية وجدت صعوبة شديدة في دخول المدينة المنورة، وكان يقودها الأمير فيصل بن الحسين وشقيقه الأمير علي، في حين كانت القوات التركية يقودها فخري باشا، الذي تمكن من رد الجيش العربي، وخاف الحسين أن يتجه فخري باشا بجيشه إلى مكة، فأرسل إلى «حلفائه» الإنكليز يطلب منهم المدد عن طريق مندوبه في مصر.دارت مراسلات كثيرة في تلك الفترة بين الحسين ومكماهون، وطال الأخذ والرد بين الطرفين بلا جدوى، ومن يقرأ نصوص هذه المكاتبات، سيلاحظ أن الحسين كان يتوسل من بريطانيا العون والمدد، في حين كانت بريطانيا ممثلة في مكماهون ترد عليه بكلمات معسولة يغلب عليها البرود، لكنه واصل صيحاته واستغاثاته للإنكليز لكي يمدوه بسلاح حديث وطائرات لوقف الهجوم التركي المنتظر على مكة.لورانس العربيظهر هنا الدور الذي لعبه ضابط المخابرات البريطاني توماس إدوارد (1888ـ 1935) والشهير بـ«لورانس العرب» وقد كتب سيرته الخاصة في كتاب شهير جداً هو «أعمدة الحكمة السبعة».كان توماس في الأصل رجل آثار، معجبا بتراث الشرق وحضارته القديمة، وعاش زمنا في بيروت وأتقن اللغة العربية، وحين قامت الحرب العالمية الأولى وأعلنت الدولة العثمانية الحرب على إنكلترا، سعت إنكلترا إلى الاستفادة من إمكانياتها في المنطقة لتحقيق نصر في الحرب، فاستدعاه قائد الجيوش الإنكليزية في المنطقة، وقام بتعيينه ضابطاً بقسم الخرائط للاستفادة من قدراته الخاصة في هذا المجال.بعد قيام الثورة العربية، انتقل لورانس إلى الجزيرة العربية ليقف على حقيقة الثورة المشتعلة ضد الأتراك بقيادة الشريف حسين، وتقابل لورانس مع الأمير عبدالله بن الشريف حسين، وكان في حقيقة الأمر يبحث عن شخصية الزعيم والقائد للثورة التي يمكن أن تساندها إنكلترا.طلب لورانس من الأمير عبد الله أن يأذن له بالتجول في البلاد ليقف على حقيقة الوضع ويرفع به تقريرا للقيادة العامة في القاهرة، وبعد موافقة الشريف حسين، أرسل الأمير عبد الله خطابا إلى شقيقة الأمير علي ليرافق لورانس ويضمن سلامته، استخدم لورانس الزي العربي للتنقل في الجزيرة وتحدث بالعربية على أنه عربي من حلب.كانت مهمة لورانس الأساسية ـ بجانب تغلغله في منطقة الحجاز طولا وعرضا في حماية الشريف وأسرته ـ معرفة رجال الساعة في منطقة الحجاز الذين من الممكن أن تعتمد عليها بريطانيا، ولم يجد لورانس في الأمير عبد الله ولا الأمير علي تلك الشخصية القيادية التي يبحث عنها، ثم التقى بعد ذلك بالأمير فيصل الابن الأكبر للشريف حسين، فوجد في شخصيته ما كان يبحث عنه، وتباحث لورانس مع فيصل في وضع الثورة ونجاحاتها وإخفاقاتها، وتبين له أن الهجوم الأول للثوار على المدينة المنورة قد فشل نتيجة استخدام الأتراك للأسلحة الحديثة، وخصوصا المدافع التي أثارت الرعب في نفوس العرب لجهلهم بها أو كيفية استخدامها.قام لورانس بتفقد قوات الشريف المتمركزة في منطقة الخيف واختبر كفاءتها حتى يستطيع إخبار القيادة العامة في القاهرة، فكتب إلى القيادة العامة بالقاهرة أن القوات العربية تستطيع مجابهة الأتراك والصمود لفترات طويلة إذا تم تزويدها بالأسلحة والخطط الفنية، واقتنعت القيادة البريطانية العامة في القاهرة برأي لورانس.في 9 نوفمبر وصلت إلى شاطئ رابغ السفن البريطانية المحملة بالأسلحة الحديثة، وعدد من الضباط المدربين جيدا على حروب الصحراء، وبعض الأطباء، لمساندة الأمير فيصل كما أراد لورانس، وعمل لورانس على تجاوز آثار الهزيمة التي لحقت بالعرب في المدينة، وأشرف على تدريب قوات الأمير بسرعة على استخدام الأسلحة الحديثة.توالت بعد ذلك المساعدات العسكرية للشريف حسين، من إنكلترا وفرنسا، واستمر وصول هذه المساعدات على مدى أربعة أشهر، عانى خلالها الشريف حسين مرارة الإلحاح والمماطلة، الأمر الذي حدا به إلى التفكير في تأليف جيش نظامى عربي حديث، ولما كان هذا الجيش يحتاج إلى ضباط أكفاء يقودونه، وجنود يؤلفون نواته، فقد دارت المفاوضات بين الحسين والإنكليز لتقديم ما يلزم من حاجات لتأسيس جيش عربي حديث.عـزيز المصرييأتي هنا دور الفريق عزيز المصري (1880 ـ 1965) الذي كان من رواد الحركة القومية العربية، وكذا حركات التحرر الوطنية المصرية في تلك الفترة، اسمه الحقيقي «عبد العزيز علي المصري» وينتمي إلى عائلة شركسية ترجع أصولها إلى بلاد القوقاز، انتقلت إلى العراق وعاشت بها فترة ثم انتقلت إلى مصر، درس الثانوية في مصر، والتحق بالكلية العسكرية في اسطنبول، ثم بكلية الأركان حيث تخرج فيها عام 1904، انضم في بداياته إلى جمعية الاتحاد والترقي، وشارك في انقلابها العسكري عام 1908، ثم تركها بعدما تبدى له معاداتها للعرب.غادر عزيز بك المصري القاهرة إلى جدة، ومنها إلى مكة حيث التقى الشريف حسين، وبحث معه إنشاء جيش عربي، ثم انتقل إلى رابغ حيث كانت الأزمة مشتدة، وكان بها عدد من ضباط العرب الكبار، بينهم نورى السعيد، وبدأوا في استلام المعدات العسكرية المرسلة من قبل بريطانيا، واستقبال الجند القادمين.وفق عزيز بك ومن معه في إنشاء قوة عسكرية نالت إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء، واشتركت هذه القوة في المعارك التي دارت حول المدينة، فقد نجح في إنشاء ثلاثة أفواج من المشاة، وثلاث بطاريات مدافع مختلفة الحجم، وفوج هجانة، وبلوك مهندسين، قبل أن يكتشف شيئا جعله يترك الأمر ويعود إلى مصر، حيث نشب خلاف سري بينه وبين الإنكليز، الذين رفضوا إرسال المدافع التي غنموها من الترك في ميدان فلسطين، فقال: «الإنكليز يريدون القضاء على العرب والترك في وقت واحد، بأن يتركوهما مهملين حتى يفني بعضهم بعضاً»، ثم حل محله في رئاسة أركان الجيش العربي نوري السعيد (1887 ـ 1958).في ذاك الوقت كانت هناك ثلاثة جيوش عربية حول المدينة، بقيادة أبناء الشريف حسين الثلاثة، الجيش الشمالي بقيادة الأمير فيصل، ومهمته الرئيسية مشاغلة جيش فخري باشا ومنعه من بلوغ ينبع، والجيش الثاني بقيادة الأمير علي ومقره رابغ، ومهمته منازلة الترك ومنعهم من الزحف نحو مكة، والجيش العراقي بقيادة الأمير عبدالله، ومهمته منازلة العدو وتخريب السكة الحديد بين الشام ومكة.وبدأت بعد ذلك سلسة من المعارك، بين القوات العربية يساعدها الحلفاء الأوروبيون من ناحية والقوات التركية من ناحية أخرى، وشاركت البحرية الإنكليزية في المعارك، حيث جاءت بوارجها إلى سواحل الحجاز، يوم 24 يناير 1917 وأنزلت 250 من جنود البحرية الإنكليزية، و500 جندي عربي، وبدأت في إطلاق قذائف مدفعيتها على القوات التركية، مما اضطر الترك إلى الانسحاب من العديد من المواقع، مخلفين وراءهم الأسلحة والعتاد.ثم اتسع ميدان القتال بين العرب والترك، فانتقل من الحجاز إلى بلاد الشام، وظهرت القوات العربية حول محطات السكك الحديدية الممتدة في صحراء الشام، على الخط الذي يصل بين الأستانة وبلاد الحجاز، وتم تقسيم الخط إلى ثلاث مناطق، وكل منطقة تخضع لسيطرة قوة عربية.وخاضت القوات العربية عدة معارك ضد الترك، من يقرأ تفاصيلها فسيجد أنها كانت أعمالا تخريبية أكثر منها معارك ميدانية، فخربت خط السكة الحديد لقطار الحجاز الذي كان من أعظم مشاريع الدولة العثمانية، وخربت الجسور والطرقات، ووصلت القوات إلى مدينة العقبة، فاستولت عليها، ثم بسطت نفوذها على مساحة كبيرة من البلاد التي كانت خاضعة للأتراك، وبدأت بعد ذلك الاستعدادات الكبرى لفتح الشام.استقرت أقدام الجيش الشمالي في العقبة والمناطق المجاورة لها، ورأى أن يوسع نطاق أعماله، وينقل ميدان المعارك إلى حوران (بجنوب سورية أو شمال الأردن) وجبل الدروز والغوطة، لإنقاذ دمشق من أيدي الترك، فكاتب فيصل الإنكليز، وطلب منهم العون، وكانوا من جهتهم يعدون العدة للقيام بحملة كبيرة على خطوط الترك بفلسطين، فتم الاتفاق على إعداد حملة عسكرية كبرى يقودها الأمير فيصل ضد الترك في الشام، مبتدئاً بجبل الدروز. كان كبير المنطقة سلطان باشا الأطرش، معروفا عنه عداؤه الشديد للترك، ومركزاً من مراكز الاتصال بين الثوار العرب في الصحراء وزملائهم في سورية، وحين تمت جميع التدابير تقرر الزحف نحو سورية، وتحركت الحملة في أوائل شهر سبتمبر سنة 1918، ووصلت إلى الأزرق (مدينة أردنية) يوم 18 سبتمبر، فضربت خيامها هناك، وحضر بعض شيوخ القبائل وعقدوا اجتماعا، اتفقوا فيه على الآتي:- استقلال جبل الدروز سياسياً وإدارياً، وأن العرب يتبادلون المساعدة مع الدروز، وأن لا سلطة فعلية أو عسكرية لحكومة من الحكومتين السورية أو الحجازية على جبل الدروز، ويعترف أهل الجبل بفيصل أميراً على سورية، ولكنه لا يعتبر أميراً على الجبل.الحملة في سوريةبدأت الحملة أعمالها صباح يوم 21 سبتمبر في حوران بتدمير جسر كبير في قرية الغزالة، ونسف خط السكة الحديد بينها وبين درعا، وقامت بتعطيل خط السكة الحديد بين درعا وحيفا، وواصلت أعمالها في تخريب الطرق والجسور والمحطات.في صباح يوم 28 سبتمبر تمكنت الحملة من احتلال محطة درعا، وفي اليوم التالي اتصلت بالجيش البريطاني، ثم زحفت نحو دمشق، فدخلتها في يوم 30 سبتمبر 1918، وسط هتاف الأهالي وترحيبهم، وتم رفع العلم العربي على ابراج دمشق، وكان على رأس هذه الحملة نوري السعيد، أما الأمير فيصل فقد بلغ دمشق يوم 2 أكتوبر 1918، قادما بالسيارة من الأزرق، واستقبل هو والحلفاء استقبالا كبيرا وسط شوارع دمشق.في ذاك الحين كانت الحرب في أواخر أيامها، وحقق الحلفاء فيها نصرا كبيرا، فقررت القيادة العامة للجيش الإنكليزي في الشرق التخلص من فلول الجيوش التركية التي مازالت موجودة في عدة جيوب بالشام وفلسطين والحجاز، واستخدمت في ذلك الطائرات التي كانت شيئا جديدا في ذاك الوقت، فكانت الطائرات الإنكليزية تأتي في أسراب لا يقل عدد السرب عن 30 طائرة، وترمي بالقنابل فوق رؤوس الجنود الأتراك، وبعدما تنفد القنابل تفتح الرشاشات، ولم يكن أمام الجنود من مأوى يلجأون إليه في الصحراء الشاسعة.الجلاء التركيفي منطقة الحجاز، كان جيش الجنوب بقيادة الأمير علي، وجيش الشرق بقيادة الأمير عبدالله، قد أقاما حصارا على المدينة المنورة، وكان الضباط الأتراك والجنود يفرون كل يوم لاجئين إلى المعسكر العربي، واستمر الحال كذلك حتى عقدت الهدنة بين الحلفاء والترك يوم 30 أكتوبر عام 1918، وجاء في المادة 16 من اتفاقية الهدنة أن يقوم الأتراك بسحب قواتهم من جميع البلاد العربية.بمجرد أن وصل الخبر إلى ضباط الحامية التركية في المدينة، اتفقوا فيما بينهم على خلع فخري باشا، وتسليم المدينة إلى العرب، لكن فخري باشا لما علم بتآمر ضباطه عليه كاد يفتك بهم، ثم أمر يوم 14 ديسمبر 1918 بالجلاء عن منطقة العلا، وضم قواتها إلى قواته بالمدينة لتعزيز مركزه، فزاد ذلك من نقمة الضباط والجنود عليه، وفرت سريتان من جنوده وانضمتا إلى القوات العربية، فعجل فخري باشا بالجلاء، حيث أرسل في 14 يناير 1919 وفدا إلى الجنرال الإنكليزي جارلند ممثل الحلفاء في الحجاز، واتفق معه على شروط التسليم، ووقع الاتفاق معه بحضور الأمير علي بن الحسين، ثم سلم فخري باشا نفسه إلى مقر الأمير علي يوم 10 يناير، وفي 16 يناير غادر أول فوج من القوات التركية ميناء ينبع، وتتابع رحيلهم بعد ذلك في أفواج متتابعة، حتى غادر آخر جندي منهم الأراضي الحجازية يوم 13 فبراير سنة 1919.تم جلاء الترك، لكن لم يتحرر العرب لأنهم حققوا هذه النتيجة بمساعدة قوات الحلفاء، فهم الذين دفعوهم إلى الثورة دون أن تكون لديهم القدرة على هزيمة الجيوش التركية الحديثة، لكن هذه الغاية كانت ذريعة لتغلغل الإنكليز والأوروبيين في قلب وأطراف بلاد العرب، وكانت مهمة لورانس العرب على وجه التحديد، الذي كان ضابط مخابرات بريطانيا تخصصه الأساسي البحث عن الثروات في الأرض العربية، والبترول على وجه الخصوص، وحقق مهمته على خير وجه، ورغم كل ذلك لم يكن الحلفاء ليمدوا العرب بكل ما يطلبونه من سلاح وعتاد إلا بعد إلحاح مرير، كما هو واضح من نصوص المكاتبات بين الشريف حسين ومكماهون، ويقال إن 20 في المئة منها كان ينفجر بأيدي مستخدميه، وكان غير مسموح للعرب بنشر جيوشهم خارج الحجاز.الوعود الكاذبةظن العرب بعد خروج الترك من بلادهم أن أمانيهم في التحرر قد تحققت، وأنهم ماضون في إنشاء المملكة العربية لتكون دولتهم الكبرى، بعدما نالوا وعودا رسمية بذلك من دول «الحلفاء» التي ساعدتهم في إنزال الهزيمة بالإمبراطورية العثمانية، لكنهم بعدما ظنوا أنهم حققوا انتصارات، وجدوا أنفسهم على أبواب مرحلة جديدة من النضال ضد هؤلاء، وقد تكون هذه المرحلة أشد وطأة من النضال ضد الترك.لقد عاهد الإنكليز الحسين على إنشاء دولة عربية بكل معاني الاستقلال داخلياً وخارجياً، واتفق أن تكون حدود هذه الدولة من الشرق بحر فارس (يقصد الخليج العربي، لكنه جاء هكذا في الاتفاقيات والمُكاتبات الرسمية)، وغرباً بحر القلزم (البحر الأحمر) والحدود المصرية والبحر الأبيض المتوسط، وشمالا ولاية حلب والموصل إلى نهر الفرات مجتمعاً مع دجلة إلى مصبهما في بحر فارس، ماعدا مستعمرة عدن فهي خارجة عن الحدود، حتى أن السير مكماهون تحفظ على هذه الحدود، وطلب إخراج الساحل الشامي وبعض أجزاء من سورية من حدود هذه الدولة (الأكذوبة).يقول المؤرخ السوري أمين سعيد (1890 ـ 1967) مؤرخ أحداث هذه الثورة، وأحد الذين عاصروا أحداثها: «كان هناك كثيرون من العقلاء ينبهون الحسين وأولاده إلى غدر الإنكليز ودهائهم وتلاعبهم في العهود والمواثيق، وقالوا له يجب أن تكون على حذر من هؤلاء القوم، فعدم الوفاء بالعهود والمواثيق من شيم السياسة البريطانية، فلم يعبأ الحسين بهذه النذر، ووثق بالقوم معتقداً فيهم الإخلاص والوفاء».وعـد بلفـورفي غمرة نشوة الحسين بالانتصارات المؤقتة التي تصور أنه يحرزها ضد الترك صدر وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917، ونشرته صحيفة المقطم في مصر 9 نوفمبر، أي بعد صدوره بستة أيام فقط، وكان يعني أن أرضا عربية هي «فلسطين» تُقتطع من جسد العروبة وتعطى لليهود.والجدير بالذكر هنا، أن الجنرال اللنبي (1861 ـ 1936) قائد الحملة الإنكليزية في مصر، عندما دخل ـ رسميا ـ القدس يوم 9 ديسمبر سنة 1917، وسط احتفال ضخم، مشى بجواره ممثلو دول الحلفاء، ولم يكن بجواره ممثل لكبير العرب وشريفهم، لقد كان مشغولاً في حملته ضد الترك، ويمد روابط الصلة بالإنكليز والفرنسيين.رفض الشريف حسين أن يقوم بصلح منفرد مع تركيا، فبعدما قام الباب العالي العثماني بسحب جمال باشا السفاح من الشام، وانتهاء المظالم التي اشعلت حفيظة العرب ضد الترك على خلفية مذابح ديوان عالية، تدخل وسطاء للصلح بين العرب والترك، وعرض الترك الانسحاب من الأراضي العربية وعقد صلح مع العرب، ووصل إليه كتاب رسمي بذلك من حكومة الأستانة، فإذا به يرسله إلى السير هنري مكماهون كعربون صداقة ومحبة وإخلاص (!!)، وأرفق به رسالة أكد له فيها أن العرب لا ينفصلون عن حلفائهم مهما كانت المغريات (!!)، وكان رد الإنكليز على هذه الخدمة الجليلة، المزيد من الشكر والامتنان.