نصير الإعلام السياسي سعود ناصر الصباح في ذمة الله

نشر في 23-01-2012 | 00:01
آخر تحديث 23-01-2012 | 00:01
اغترب صغيراً للعلم وكبيراً للدبلوماسية

كان سعود الناصر أحد رجالات الكويت المخلصين... صاحب كلمة صادقة ورأي سديد وقرار شجاع ورؤية ثاقبة.

تم عصر أمس تشييع جثمان الشيخ سعود ناصر السعود الصباح وسط حشد كبير من المشيعين، يتقدمهم سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، وكبار شيوخ أبناء الأسرة ورجالات الكويت

وبرحيل الشيخ سعود (68 عاما) تفقد الكويت أحد أبنائها الوطنيين الذي وافته المنية أمس الأول، بعد رحلة صراع مرير مع المرض.

لقد فقد الوطن رجلاً من رجالاته المخلصين... من أصحاب الكلمة الصادقة والرأي السديد والرؤية الثاقبة والقرار الشجاع، وكان قيمة كبيرة وقامة عالية وصاحب مكانة رفيعة. لقد رحل الشيخ سعود الناصر وزير الإعلام والنفط الأسبق عن دنيا الفناء، مخلفاً وراءه تاريخاً سياسياً حافلاً بالعطاء لبلاده الكويت.

بدأ الفقيد، رحمه الله، حياته السياسية منذ مطلع شبابه، وعمل سفيراً للكويت في لندن عاصمة المملكة المتحدة حتى مطلع الثمانينيات، حيث انتقل للعمل سفيراً للكويت لدى الولايات المتحدة الأميركية. وعرف عنه دوره الدبلوماسي الخالد في إبراز الحق الكويتي في المحافل الدولية، لاسيما في واشنطن عاصمة القرار العالمي كما كان دوره الخالد في نيويورك عندما تصدى للادعاءات العراقية في الأمم المتحدة، ما أسهم في التفاف المواقف الدولية حول الموقف الكويتي وصولاً إلى تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي الصدامي الغاشم.

وفي عام 1992 عين الراحل الشيخ سعود الناصر الصباح وزيرا للإعلام واستمر في منصبه، الذي ترك من خلاله الكثير من ملامح تطوير الإعلام الكويتي، حتى انتقل إلى وزارة النفط التي تولى حقيبتها حتى ابتعد عن العمل الوزاري.

وحول ما أشيع من لغط عن إقصائه من المناصب الوزارية، فكان الفقيد رحمه الله يؤكد أنه خرج بمحض إرادته من الوزارة عام 2001، ولهذا لم يكن خروجه إقصاء بل كانت هناك ظروف معينة حينئذ، وقد تم الأمر بمحض اختياره. وكان دوماً يردد أنه ليس بعيداً عن الساحة السياسية، لا في النظام ولا القواعد، وأن له أحاديث مستمرة مع القيادة السياسية. وكان يؤكد: «إنك أحياناً تلعب أدواراً خارج السلطة أكثر مما تكون داخلها، حيث تكون لك حرية اختيار أكبر فأحياناً المنصب يقيد. وفي كل الأحوال نحن في بلد الحريات، وإذا كنا مخطئين نعتذر بشجاعة وإذا كنا مصيبين نستمر في مواقفنا».

النشأة... والدراسة

أبصر الشيخ سعود الناصر النور في أحد الأيام الخريفية، في الثالث من أكتوبر عام 1944 في مدينة الكويت. وما لبثت عائلته حتى انتقلت عام 1950 الى منطقة السالمية (الدمنة) القديمة. في عامه الحادي عشر كانت هجرته الأولى من أجل الدراسة، حيث التحق بـ»فيكتوريا كولج» في مدينة الإسكندرية عام 1955، ثم انتقل بعدها إلى لبنان ليتم دراسته في مدرسة «الشويفات»، إحدى أهم قلاع التعليم العربية.

ذلك الابتعاث المبكر خارج حدود الوطن في عمر غض طري لم تصلبه الأيام ولم تشدد عليه السنون بعد، ناتج عن حكمة تلمسها أبوه الشيخ ناصر السعود الصباح الذي دفعه باتجاه العلم ينهله من مناهل قصية، فالغربة مصنع الرجولة والرجال.

لعبت الظروف السياسية في المنطقة ونذر الحرب حولها دوراً رئيسياً في تنقله الدراسي... ولما اشتعلت حرب السويس عام 1956 كان يتلقى تعليمه في إحدى المدارس الداخلية في بريطانيا. عاش في بريطانيا تجربة قاسية، حيث غربة الجسد والروح واللسان... وكأنه قد ضرب موعداً مع الوحشة والمعاناة والغربة والتحمل.

فقد حرص والده على بقائه في سكن داخلي، في الوقت الذي كان الكثير من الطلبة المبتعثين إلى لندن يعيشون خارج أسوار المدرسة، لتتجدد حكمة الأب وتتدخل في رسم مستقبل ابنه، فلا بد من توليد المعاناة داخل النفس حتى تستوي وتتعلم الصبر ويشتد عود الجسد، بعيدا عن الترف.

ومرت السنوات، تطوي أيام العمر الطري، يكبر الكتاب أمام عينيه وتزداد صفحاته، وتكثر علومه، والعقل في اتساع، وحكمة الأب قد أثمرت في بناء نفس الصغير الذي غدا شاباً أنهى دراسته إلى أن بلغ مبلغ الدراسة الجامعية، فكانت جامعة لندن تفتح ذراعيها له لينضم إلى صفوفها طالبا في «القانون».

اقترن الشيخ سعود ناصر الصباح بالشيخة عواطف صباح السالم الصباح، وهو لا يزال على مقاعد الدرس. فتحملت زوجته الغربة معه ووفرت له الأجواء المناسبة لإكمال دراسته حتى تخرج عام 1968 في كلية الحقوق في بريطانيا.

رحلة العمل الدبلوماسي

بعد التخرج عمل المحامي الشاب في المحاكم البريطانية فترة التدريب الميداني، ولم يطل به المكث على هذا الحال كثيرا، فقد استدعاه صهره الشيخ صباح السالم الصباح أمير الكويت، آنذاك، ليطلب منه الالتحاق بوزارة الداخلية في الكويت.

عمل في «الإدارة القانونية» في ديوان وزارة الخارجية عام 1969 ومثل الكويت في مؤتمر قانون المعاهدات، وغيره من المؤتمرات التابعة للأمم المتحدة. حتى جاء عام 1975 ليتولى الشيخ الشاب منصب سفير الكويت في المملكة المتحدة.

بعدها، سبح في بحر الدبلوماسية مسافات طويلة وغاص عميقاً في بحرها الذي عشق السباحة فيه، فإضافة إلى عمله سفيراً للكويت في المملكة المتحدة، فقد قدم أوراق اعتماده سفيراً محالاً للكويت في السويد والنرويج والدنمارك.

وفي عام 1981 عين سفيراً للكويت في الولايات المتحدة الأميركية، وسفيرا محالاً إلى كندا وفنزويلا، وعاصر هناك فجيعة الكويت في الجيوش العراقية تنهش أراضيها وتستبيح حماها صبيحة يوم 2 أغسطس عام 1990.

وبما أن العاصمة الأميركية «واشنطن» محيط سياسي واسع وعميق، سطحه الأزرق يغري بالدخول إلى جوفه والغوص في أعماقه، فقد غاص سعود الناصر في ذلك المحيط في أصعب لججه وتلاطمات أمواجه، ولعب دوراً بارزاً تشهد له به الساحتان الإعلامية والسياسية في أميركا، حيث جعل القضية الكويتية حية في ضمير العالم.

قرع الأبواب كلها... سواء أبواب الإدارة الأميركية أو أبوب الإعلام الأميركي أو أبواب «الكونغرس»، وعرف دهاقنة السياسة واجتاز دهاليزها، حتى فتح مغاليقها وشرعها ليدخل منها الحق الكويتي بأعلى صوت، وبأرفع همة حتى كتب الله النصر للكويت الحرة.

تَولّيه «الإعلام»

في عام 1992 غادر الفقيد بحور العمل الدبلوماسي وودع سواحلها، بعدما حفظته ذاكرة الأرض وعرفت اسمه وحفظت رسمه شاشات التلفزيونات الأميركية والقنوات العالمية، تبثه في أصقاع الأرض كلها، ويرج الأثير بصوته، حاملا نبض الكويت وحقها في السيادة والاستقلال والحياة الحرة الكريمة، لتفتح وزارة الإعلام أبوابها للقادم الجديد على فرس التجربة والخبرة الدولية، بعدما تم تعيينه وزيرا للإعلام في 17 أكتوبر 1992، فبادر بإعادة هيكلة أجهزة وزارة الإعلام وحول الإذاعات المسموعة والقنوات المرئية التابعة للدولة إلى جزر تتمتع بحرية الحركة، واهتم كثيراً «بالإعلام السياسي» وسخر إمكانات وزارته لخدمة الأخبار والبرامج السياسية.

شهد الإعلام في عهده قفزات نوعية كثيرة، حينما عمدت وزارة الإعلام إلى افتتاح قنوات تلفزيونية جديدة ومحطات إذاعية متنوعة، كما أفسح المجال لإصدار تراخيص للمطبوعات الدورية المتخصصة، وحرص على تدفق الدماء الشابة في عروق الإعلام الرسمي.

لم يخفِ اعتزازه بالصحافة الكويتية وآمن بالانفتاح قولا وفعلا، وجاءت قراراته، وهو في موقع السلطة، دليلاً على صدقية قناعته وفهمه للإعلام في العصر الحديث.

ولعل تغرب الشيخ سعود المبكر ساهم في تقوية عظمه السياسي وصلابته إزاء المواقف السياسية العاتية، فلم يتعود الانحناء أمامها أو التسليم لأوامرها إلا بحدود ما يحقق الفهم السياسي السليم والمستقيم والمتوازن. حيث إن في السياسة تقلبات وبحارا متلاطمة الأمواج حيناً، وحيناً هي بساط مستقيم موشى بالأزاهير.

ولهذا كان يرنو الشيخ سعود ناصر الصباح، وزير الإعلام الأسبق، ببصره إلى مجتمع كويتي منفتح، يعايش العصر ولا يختلف عنه، ويستلهم روح الكويت ويستهدي بالموروث الكويتي، بما فيه من أصالة وخصوصية.

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان...

الفقيد في سطور

الاسم: سعود ناصر السعود الصباح

الميلاد: الكويت 3- 10- 1944

الزوجة: عواطف صباح السالم الصباح

الأبناء: فواز، نواف، صباح، مراحب، نيرة

الدراسة: 1968: كلية الحقوق – جامعة لندن- المملكة المتحدة

الأعمال والأنشطة:

1969: عمل في الإدارة القانونية بديوان وزارة الخارجية.

1969: مثل الكويت في مؤتمر قانون المعاهدات.

1969-1973: مثل الكويت في لجنة «قاع البحار» التابعة للأمم المتحدة وانتخب نائبا لرئيس اللجنة.

1974-1975: نائب رئيس وفد الكويت لمؤتمر «قانون البحار» وانتخب نائبا لرئيس المؤتمر.

1979-1980: رئيس الجمعية العامة لمؤتمر «المنظمة الدولية الاستشارية البحرية».

1975-1980: سفير دولة الكويت لدى المملكة المتحدة وسفير محال إلى السويد والنرويج والدنمارك.

1981-1992: سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الأميركية وسفير محال إلى كندا وفنزويلا.

1992: وزير الإعلام.

عمل متدرباً في المحاكم البريطانية.

محام مسجل في سجل المحامين في بريطانيا. تولى وزارات «التربية» و«النفط» و»الصحة» بالوكالة.

back to top