متى يكفون عن الضجيج؟!

نشر في 18-06-2011
آخر تحديث 18-06-2011 | 00:01
 عبدالهادي شلا بينما العالم العربي يتوالد بالثورات وإسقاط الحكام الفاسدين، وبعيدا عن الحراك السياسي ورجاله، والحديث عن محاكمة زمرة الفاسدين، نجد أن أكثر الفئات «افتعالا» للمواقف هم الفنانون أو بالتعبير الأدق «دعاة الفن» الذين كانوا نتاج إبداعات الأنظمة الفاسدة وأدواتها التي نضجت في حضنها وترعرعت في حدائق إعلامها الذي فقد صفته الوطنية، وأتاح لهؤلاء الدعاة كل ما عمل على نشر ثقافة الفنون الهابطة.

تطالعنا الأخبار يوميا عبر المواقع الإلكترونية «الصفراء» بتقاليع جديدة لهذا النوع من الفنانين، وتنشر على لسانهم، وتنسب لهم مواقف وطنية، وأنهم سوف يجندون أنفسهم لخدمة الثورات معتقدين أن هذه الأخبار يمكن لها أن تمر دون أن يقف شباب الثورة «الناضج» في وجهها وإسقاط الأقنعة عن وجوه أصحابها، وسمعنا ورأينا كيف لقن الشباب بعضا من هؤلاء درسا سيبقى عالقا في ذاكرتهم وذاكرة أمثالهم إلى الأبد.

ونحن نتابع مثل هذه الأخبار نتذكر ما كان بعضهم يصرح به وقت أن كانت الانتفاضة الفلسطينية في أوجها، ويتساقط الشعب الفلسطيني بكل فئاته بين شهيد وجريح، فقد كانوا يسارعون إلى الإعلام كي ينشر على لسانهم بأنهم يعدون الأناشيد والملاحم الغنائية والمسلسلات عن صمود الفلسطينيين وشجاعتهم، وأنهم سيتبرعون بريع هذه الأعمال للشعب الفلسطيني، وحتى لا نظلم أؤلئك الذين أوفوا بما وعدوا فما رأينا مما أشاعوا وقتها إلا ما ندر!

فالثورات قد مضى على انطلاقها أشهر، وما سمعنا عن ملحمة غنائية أو فيلم سجل هذا الحدث الأهم في تاريخ البلاد العربية، فالحدث يستحق التوقف عنده لنقارن بينه وبين الإبداعات الفنية التي جاءت نتيجة الثورات العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، التي ما زلنا نتشوق إليها ونحفظها لما لها من قيمة وجمالية. ويبدو أن فئة الفنانين الذين صنعتهم سنوات العهد البائد قد صدقوا أنفسهم بأنهم فنانون بحق، ووضعوا أنفسهم في نفس الميزان الذي يقاس به عمالقة الفن الرفيع في كل أنواعه من الزمن الجميل الذي يعرفونه أكثر من غيرهم. لا يستوي هؤلاء مع أولئك أبدا، فقد استغلوا حالة الإحباط العام ومناخ الفساد السائد، وأمعنوا في نشر سمومهم تحت غطاء الفن، ولسنا ببعيد عن تلك المهرجانات التي حملت العديد من المسميات والتي كانت لا تزيد في مضمونها على «دعارة فنية» شجعتها بعض القنوات الفضائية التي لا تقل عنهم تحملا لمسؤولية هذا الهبوط في الذوق الفني العام تحت اسم التجديد وعصر السرعة، ونتساءل عن دور التجديد والسرعة في كل هذا الكم الرهيب من «العري» وهذا الرقص الفاضح المصاحب للأغنيات والمسلسلات والأفلام الفنية التي أخرجت القيم الفنية من مضمونها، وأبعدتها عن رسالتها النبيلة!!

كيف لهؤلاء من دعاة الفن أن يوجدوا بجرأة لا حياء فيها بين المرابطين في الميادين، وهم يعلمون علم اليقين أن الجميع يعرف أنهم يستغلون هذا الوضع لتسويق أسمائهم استغلالا للحدث العظيم؟

وهل قامت الثورات لتصبح بقرة حلوبا يعصر ضرعها من يشاء وكيف يشاء؟ أبداً، فالثورات بدر أضاء سماء ظلمة الأمة بعد عناء سنين عجاف ذاقت فيه الويل، وأهدرت قدراتها في مشاريع صبت أرباحها في جيوب المتخمين بمال الشعب من الفاسدين، وذهبت بأمنيات الأمة وآمالها في الكرامة والحرية والسير في ركب التطور؟ ولعل المُرتجى في قادم الأيام، وبعد أن تستقر الأمور بشكلها الجديد أن يكون هناك توجه نحو إصلاح ما أفسده زمرة العهد البائد ليس من قيم الفن الرفيع فقط بل في كل مجالات الحياة.

وليلزم كل مكانه ويعرف قدر نفسه، ويعرف أين يقف وإلى أين يتجه، فالتغيير المنشود يجب أن يعم كل شيء... كل شيء!

* كندا

back to top