حمي الوطيس

نشر في 11-10-2011
آخر تحديث 11-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي رحمة الله عليك أيها الفنان الصديق غانم الصالح، فقد تركت فراغا نعجز أن نجد من يشغله، فقدناك يا فتى الجبل، فلا نملك إلا أن نقول: رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه، وأطال الله في عمرك أيها الفنان الكبير أبو عدنان، فقد تذكرنا صولاتكم وجولاتكم وخاصة عندما حمي الوطيس.

والآن تشهد الساحة السياسية في الكويت صراعا حادا فقد "حمي الوطيس" وتناثرت التهم والشتائم والقذف والسب في كل اتجاه، وأنشب الفساد أظفاره في جسد هذا الوطن الجميل، فغدا يصرخ في أبنائه طالبا الفزعة، ولكن لا حياة لمن تنادي، وقد أصبحت صرخة الوطن آخر الاهتمامات، وغطى عليها الفزعة لتكتل أو جماعة أو حركة أهم من الفزعة للوطن الذي يئن تحت وطأة كم هائل من الفساد.  فلو تصورنا الفساد لوحة رسمناها بأيدينا وأحطناها بإطار رباعي الأضلاع، ضلعها الأساسي "الحكومة" ممثلة بفساد طال أركانها من تقاعس في تنفيذ المشاريع وتراجع في اتخاذ القرارات الحاسمة مع تراكم الأزمات، فلا تكاد إحداها تتلاشى حتى تطل الأخرى برأسها، ولعله يصعب على فهمنا لجوء الحكومة إلى دفع مبالغ إن كانت قد دفعت للنواب أو إن كانت على قناعة بأن إجراءاتها صائبة. أما الضلع الثاني لإطار الفساد فيتمثل بـ"مجلس الأمة" الذي كان كآنية جميلة من الكريستال الفاخر، نخرها الفساد فسقطت على أرضية من الرخام، فتناثرت إلى قطع صغيرة تصعب إعادة جمعها وتركيبها، ولنا أن نتساءل إن كان الفساد قد أصاب بعض أعضاء مجلس الأمة، فلماذا النزول إلى الشارع ونقل الشكوى إليه؟ أما كان الأحرى والأجدى أن يتصدى المجلس لذلك الفساد من بعض أعضائه، ولا شك أن هناك بعض الأعضاء يستطيعون أن يقرؤوا ماذا يريد المواطن أن يسمع، فيستغلون الشارع والحشود من أجل استعراض قوتهم أمام الحكومة، التي لا تستطيع أن تحشد مثل هذا العدد، على الرغم من أن أغلب هذا الحشد، إن لم يكن بأكمله، موظفون لديها وقروضهم منها، وكذلك الكهرباء والماء وغيرها... وغيرها.

أما الضلع الثالث في هذا الإطار فهو "الشعب" الذي استمرأ الأخذ دون العطاء، وداس فوق القوانين، وتجاوز جميع الإشارات الحمراء التي تمس أمن الوطن والمواطن. أما الضلع الرابع لهذا الإطار في لوحة الفساد فيتمثل بـ"العمالة الوافدة" التي أصبحت تشكل أكثر من 60% من سكان البلاد، وقامت بنقل كل الظواهر السلبية في بلادها إلينا، مثل الرشوة والغش والاحتيال والاتجار بالمخدرات، وأقامت مناطق سكنية تصعب السيطرة الأمنية عليها، وأصبحت قاعدة "الرزق يحب الخفية" شعار بعض تلك العمالة من أعلى القمة إلى ذلك الإنسان البسيط الذي يشارك في تنفيذ خطة التنمية بحمل الكيس الأسود، وترديد عبارة "السلام عليكم".

والعجيب أن الحكومة تبحث عن تجار الإقامات مع وجود أكثر من نصف مليون دليل في كل شوارع الكويت ومناطقها، وكلها تشير إلى من يمارس هذه التجارة التي دمرت البلاد.

وبودي أن أطرح فرضية: لو نقلنا 2 مليون مواطن ومقيم من الكويت إلى اليابان، ونقلنا عددا مماثلا من اليابان للإقامة في الكويت فهل يختفي الفساد في الكويت أم ينتشر الفساد في اليابان؟

ولتكتمل الصورة بأضلاعها فلابد من إضافة الألوان إليها، ويتولى هذه المهمة جهاز الإعلام بكل أطيافه وأنواعه، ومن المؤكد أن الإعلام الكويتي هو الإعلام الوحيد في المنطقة العربية الذي يتميز بالتنوع وحرية التعبير، ومن غير الإنصاف مقارنته مع الإعلام في الوطن العربي، حيث لا تستطيع أن تميز صحف اليوم من صحف الأسبوع القادم أو الأسبوع الماضي.

ولكن أيضا لا شك أن هناك مثالب أصابت إعلامنا لعل أهمها انغماسه بالردح والسب والشتم والحديث في الذمم والأعراض، وفي اعتقادي أنه إن كان ما وصل إليه مجلس الأمة من حالة يرثى لها نتيجة خطة وتدبير فيجب أن نرفع العقال لمن وضعها، فلا شك أنه يمتاز بحنكة سياسية فائقة، فقد تحول المجلس إلى طائر مكسور الجناح، وفقد الأعضاء ثقة الشعب وثقتهم ببعضهم حتى غدا بعضهم يربو بنفسه عن الجلوس إلى جانب من يتهم بالمشاركة بما يسمى "الإيداعات المليونية"، وفي اعتقادي أن من يتوقع استقالة الحكومة أو حل المجلس مخطئ.

وقبل أن ننهي موضوعنا لابد من الإشارة إلى حديث الساعة والمتمثل بالوثيقة التي نشرت على موقع "الويكيليكس" والخاصة بتقرير السفيرة الأميركية السابقة "ديبورا جونز" والمتضمن الإفادة بنهاية دولة الكويت عام 2020، ولا أدري لماذا هذا الرقم بالذات؟ ولماذا لم يكن 2019 أو2021؟

والمعروف في التقارير الدبلوماسية أنها تستند إلى لقاء مسؤول أو مصدر مطلع أو مصدر خاص، ولكنها لا تعتمد على تحاليل وتكهنات خاصة (مع جل احترامنا وتقديرنا لسعادة السفيرة التي لا نشك أنها تحب الكويت لأنها لم تجد في الكويت وأهلها إلا الحب والتقدير)، أما إن كان هناك ربط بين نهاية الكويت وإفلاس الخزينة ففي اعتقادي أن إفلاسنا يرتبط بإعلان إفلاس عدد لا بأس به من الشركات والبنوك الأميركية والأوروبية واليابانية وعدد من دول العالم.

حيث تمتلك الحكومة الكويتية جزءا من تلك الاستثمارات، أما إن كان المقصود احتلالا من دول مجاورة فبالإضافة إلى الاتفاقيات الأمنية مع الدول الكبرى التي تؤمن الحماية للكويت فهناك عزيمة أهل الكويت الذين حافظوا عليها لأكثر من ثلاثمئة عام بعهد وميثاق بين حاكم ومحكوم عندما كان أجدادنا يأكلون التمر الذي دار عليه الحول ويغمسون الخبز بالماء، ولعل الثاني من أغسطس عام 1990 دليل على ذلك الإصرار بالتمسك بهذه الأرض التي عشنا عليها، وندفن فيها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. أما من يدعي بقرب قدوم "الربيع الكويتي" فأقول له: أبشر بالخير "فالربيع الكويتي" إن شاء الله قادم، وسيغطي "النوير" بكل ألوانه بر الكويت، ويكون العشب "نص الريال" ويمتلئ السوق بـ"الفقع والدهن العداني واليقط" لأن الكويت بلد الخير والأمن.

حفظ الله الكويت وقياداتها وأهلها من كل مكروه.

back to top