علماء تحت راية الإسلام: الإدريسي... صانع نموذج الأرض

نشر في 28-08-2011 | 22:01
آخر تحديث 28-08-2011 | 22:01
بلغت الجغرافيا شأنا بعيدا في مضمار التقدم على يد علماء المسلمين في القرون الوسطى، وكان الإدريسي يعد خاتمة سلسلة عظيمة من الجغرافيين المسلمين الكبار، فبه وصلت الجغرافيا الإسلامية إلى قمتها، ويكفيه أنه أول من أخرج نموذجا مصغرا للكرة الأرضية، أثبت فيه بطريقة عملية كروية الأرض وأنها معلقة في الهواء، في وقت كانت تعتقد أوروبا كلها أن الأرض مسطحة.

ولد أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس الشريف الحسني العلوي، في مدينة سبتة المغربية في عام 493هـ/1100م، لأسرة حكمت المغرب الأقصى مدة قرنين وعرفت باسم الدولة الإدريسية.

وفي الوقت الذي ولد فيه الإدريسي كان ملك الأسرة قد ولى ولم يعد منه إلا ذكرى، إلا أن هذا لم يمنع الفتى الصغير من تحصيل علوم عصره التقليدية سريعا، ثم قرر أن يقوم بعدد من الرحلات في عدد من الدول الأوروبية، فقد زار كلا من إسبانيا المسلمة والمسيحية وفرنسا وجنوب إنكلترا، وزار بلاد الأناضول (تركيا حاليا) وهو ابن 16 عاما.

ولمعرفته الجغرافية الواسعة استدعاه أمير صقلية روجر الثاني، وظل في صقلية حتى قرب وفاته حيث عاد إلى مسقط رأسه، فتوفي هناك في عام 560هـ/1160م.

وفي صقلية ألف الإدريسي للأمير روجر كتابه الجغرافي الكبير «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، الذي ألحق به الإدريسي خريطة دقيقة للعالم المعروف آنذاك، وقد اعتمد الإدريسي في عمل هذه الخريطة على مجموعة من الباحثين المساعدين الذين دربهم الإدريسي على دقة المشاهدة، ليصوروا ما يشاهدونه برسومهم ويزودوه بمعلومات جغرافية عن البلاد التي سينزلون بها.

وعندما اطمأن إلى قدرتهم على إنجاز مهمته أرسلهم إلى بلاد كثيرة، وكان الإدريسي يدون المعلومات التي تصل إليه منهم، ويعيد صياغتها، وهي المعلومات التي استطاع من خلالها الإدريسي أن يضع خريطة دقيقة للعالم المعروف وقتذاك غير مسبوقة، بلغ فيها فن رسم الخرائط العربي قمته، وهي الخريطة التي عدها مؤرخو علم الجغرافيا أهم خريطة للعالم انتجت في العصور الوسطى.

كما كان لرغبة الأمير روجر في رؤية أقاليم العالم أثرها في أن قام الإدريسي بتصميم نموذج للكرة الأرضية من الفضة الخالصة، وهي أول نموذج كروي للأرض مثبت عليها أقاليم وقارات العالم المعروفة، فقد أمر الإدريسي بأن تفرغ له من الفضة الخالصة دائرة مفصلة عظيمة الحجم في وزن 400 رطل، فلما كملت أمر العمال بأن ينقشوا عليها صور الأقاليم ببلادها، وأقطارها وريفها وخلجانها وبحارها ومواقع أنهارها وعامرها والطرق والمسافات بين البلاد والمراسي، ولا يتركون شيئا الا يأتون به على هيئته وشكله.

وبذلك صنع أول مجسم لكرة أرضية دقيقة عُرفت في التاريخ على هذا الشكل، ولكن للأسف تعرضت للتحطيم، ولم يتوقف إبداع الإدريسي عند مجال الجغرافيا، بل كانت له مجهودات في فروع علمية أخرى، فقد ألف رسالة في تحضير الأدوية سماها «الجامع لصفات أشتات النبات»، ورغم أهمية هذا الكتاب واجتهادات الإدريسي فيه إلا أنه مدين بشهرته إلى ميدان الجغرافيا التي كان أحد فرسانها البارزين.

back to top