على ضفاف المحيط الهادي

نشر في 06-07-2011
آخر تحديث 06-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي كان سائق التاكسي الذي أقلني في البيرو شاباً أنيقاً ويتكلم بأدب وثقافة عالية، مما دفعني إلى الاستفسار منه عن تحصيله العلمي، فأجاب بأنه طبيب، ولم يتركني لدهشتي فأخرج هويته الرسمية، حيث وجدت أمام خانة المهنة "طبيب أطفال"، ويعمل في أحد المستشفيات الحكومية في الريف البيروني أربعة أيام في الأسبوع براتب رمزي خدمة للوطن حسب القانون، وعليه فإنه في الأيام الثلاثة المتبقية يعمل في إحدى شركات سيارات الأجرة وذلك لرعاية عائلته.

 في الشهر السادس من عام 1997 وصلت إلى مدينة ليما عاصمة البيرو، وعلى بعد أمتار قليلة من شواطئ المحيط الهادي وقفت أمام الفرقة الرئاسية التي أخذت تعزف السلام الوطني الكويتي في الوقت الذي يرتفع فيه علم الكويت خفاقاً عالياً يعانق السماء، لكم أحسست بالفخر والزهو وأنا أرى راية بلادي خفاقة في تلك الأصقاع البعيدة، وفي ذلك الركن الجميل من العالم المترامي الأطراف، ولاشك أنني كنت المواطن الكويتي الوحيد في ذلك الزمان والمكان، وهذا زادني فخراً وزهواً، بعد السلام الوطني ورفع العلم تم استعراض حرس الشرف ثم دخلت إلى القصر الذي يشبه في تصميمه القصور الرومانية القديمة بسقفه العالي وأرضيته الرخام الرائعة وصوت الخطوات يرن صداها في أرجاء القصر، بعد خطوات وجدت دائرة مرسومة من الرخام وبالرخام من ألوان متداخلة وقفت وسطها، وفي المقابل وقف فخامة رئيس جمهورية البيرو د. فيجو موري، ألقيت كلمة قصيرة ثم قدمت إلى فخامته أوراق اعتمادي ممهورة باسم سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه، سفيراً غير مقيم لدولة الكويت ومحالاً من جمهورية فنزويلا، ورد فخامته بكلمة ترحيبية قصيرة، ثم دعاني إلى الجلوس وبدأ سيلاً من الأسئلة عن الكويت، تاريخها، نظامها، موقعها، ثم أحداث الغزو والتدمير وإعادة البناء. في نهاية اللقاء أكد فخامته أنه لم يسجل التاريخ أن اجتمع العالم قاطبة على الوقوف مع دولة تعرضت للعدوان كما حدث مع دولتكم.

في صباح اليوم التالي للزيارة قمنا باستئجار سيارة، وكان يرافقني الأخ يحيى حمودة المترجم في سفارتنا في فنزويلا، وكان سائق التاكسي شاباً أنيقاً ولبقاً ويتكلم بأدب وثقافة عالية، مما دفعني إلى الاستفسار منه عن تحصيله العلمي فأجاب بأنه طبيب، ولم يتركني لدهشتي فأخرج هويته الرسمية، حيث وجدت أمام خانة المهنة "طبيب أطفال". أكمل السيد، أو عفواً الطبيب ماركوس حديثه قائلاً إنه يعمل في أحد المستشفيات الحكومية في الريف البيروني أربعة أيام في الأسبوع براتب رمزي خدمة للوطن حسب القانون، وعليه فإنه في الأيام الثلاثة المتبقية يعمل في إحدى شركات سيارات الأجرة وذلك لرعاية عائلته. وأضاف نحن لسنا دولة غنية، لكننا نهتم بالتنمية البشرية ونطالب الدولة والحكومة بإقامة المشاريع وإنجاز البنية التحتية، ونحن نعلم أن الفساد موجود في كل دول العالم والقضاء عليه مهمة صعبة، لكن يمكن التقليل منه ما أمكن. وأضاف أن الفساد أنواع يبدأ بالمخالفات المرورية وعدم الالتزام بمواعيد العمل وغيرها حتى يرتفع إلى خانة الآلاف والملايين وكلها تضر بالوطن.

عند الاستفسار منه عن الوضع الأمني لبلده أجاب بأنهم يعرفون حجم بلادهم، ولذلك يحرصون على علاقاتهم مع جيرانهم، لذلك فقد أنهوا تقريبا جميع مشاكل الحدود مع جيرانهم مثل كولومبيا والبرازيل وبوليفيا وتشيلي بالطرق الدبلوماسية التي تقوم على كسب الأصدقاء.

حان وقت الغداء، فدعوت د. ماركوس فقبل الدعوة مشكوراً، وقام بالاتصال بالشركة للاستئذان مدة ساعة، وعندما طلبت منه أن يضيف هذه الساعة على قيمة الأجرة رفض وأصر على إيقاف الوقت الذي هو ملك للشركة، فيجب أن يعطي لكل ذي حق حقه وأن يأخذ بقدر ما يعطي.

لكم زاد إعجابي وتقديري للصديق البيروني... ومن د. ماركوس إلى السادة الأعزاء "كوادر".

back to top