بسنا... تشجير

نشر في 09-11-2011
آخر تحديث 09-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي العم الفاضل اللواء محمد البدر رسالتي هذه صادرة من مواطن يقدر لكم جهودكم الطيبة في خدمة هذا الوطن الغالي، وكم أتمنى أن يكون لدينا الكثير من أمثالكم وفي مجالات متعددة، لعل أولها إدارة المرور ليتم تطبيق القوانين بصرامة وحزم، ومع هذا بودي أن أروي قصتين حدثتا معي ولكم الحكم.

أولاهما، حدثت عندما كنت أمثل بلدي سفيراً لدى مملكة هولندا الصديقة, وكنت أقيم في مقر رئيس البعثة الذي يتميز بوجود حديقة واسعة تشتمل على أشجار معمرة يزيد عمرها على المئة عام, وفي إحدى العواصف القوية التي تشتهر بها مدينة لاهاي سقطت إحدى تلك الأشجار العملاقة وأدت إلى إغلاق جزء من طريق الخروج من المنزل.

قمنا بالاتصال بإحدى الشركات المتخصصة في "إزالة" الأشجار، لكن الشركة رفضت تقطيع الشجرة إلا في حالة الحصول ترخيص من المجلس المحلي لمدينة "فسنار" حيث يقع المنزل، فقامت السفارة بكتابة مذكرة إلى وزارة الخارجية الهولندية تطلب موافقة المجلس المحلي، الذي بدوره أرسل لجنة للتأكد من أن الشجرة قد سقطت نتيجة لعاصفة و"ليس بفعل فاعل"، وبعد الموافقة الخطية من المجلس "أزالت" الشركة الشجرة... هذا في هولندا التي لا يمكن أن ترى فيها بقعة جرداء كحال بلادنا الحبيبة.

أما القصة الثانية فقد حدثت هنا في الكويت فمنزلي يقع على زاوية يوجد فيها "محول كهرباء" والذي لم أجد له مثيلاً في أي من بلاد الدنيا، فقط في الكويت التي تتميز بوجود محولات الكهرباء بين المنازل مع ما يمثله هذا من أخطار.

في هذا الارتداد قمت بإنشاء حديقة جميلة حرصت على تنويع الأشجار والورود فيها فجلبت شجرة مانجو من فنزويلا، وشجرة رمان من اليمن، وأشجار عنب من اليونان وقبرص، وأشجار زيتون من الأردن، ولعل أروع ما كان في حديقتي التي كانت شجرة نادرة تسمى "اياس" أتيت بها من اليمن، وهي شجرة تتميز بمنظر بديع وأزهار بيضاء ذات عطر رائع.

وفي يوم ليس له بداية صحونا من النوم على صوت جرافات نظرنا من النافذة، فإذا بسيارتي شرطة، وسيارتين جيب صفراوين تابعتين للبلدية، وجرافتين صغيرتين، وعدد من الموظفين الذين كانوا يمشون بغطرسة ظاهرة ويقوم بعضهم برفس الأشجار والأزهار بقدمه وكأن بينه وبينها ثأراً دفيناً، وما هي إلا ساعة من نهار وإذا بتلك الحديقة الغناء وقد تحولت إلى أكوام من الركام وأصبح عاليها سافلها، وعندما سألت عن السبب قيل إن تلك الأشجار والأزهار تحجب الرؤية عن "المحول الرائع".

نحن مع لجنة الإزالة في كل ما تقوم به، فهذا واجبها نحو بلدها ولا يمكن لأي كان التشكيك في إخلاصها وحرصها على تنفيذ القوانين وإزالة كل المباني التي استغلت أراضي الدولة، ولكن لماذا الأشجار؟ لماذا الحدائق المنزلية الجميلة التي يساهم بها المواطن في تجميل الوطن؟ لا شك أن الجميع يشعر بالألم عندما يرى "النسافات" الضخمة وهي تحمل الأشجار المزالة وكأنها تقول "بسنا أشجار... بسنا تخضير" على قولة سعد بن عاقول "بسنا فلوس"!

إضافة لما نراه الآن في شوارع الكويت من هجوم العمال، فهذا يحمل مقصاً وذلك منشاراً وثالث يحمل فأسا والجميع في صراع مع الأشجار تقليماً وتقطيعاً في منظر مؤلم. ولعلنا لا نتجنى على أحد عندما نقول إن السنوات الأخيرة شهدت إهمالاً لا نظير له للزراعات التجميلية واختفى اللون من الأشجار، وأصبحنا لا نرى إلا تلك الأنابيب السوداء الممددة على الأرض في منظر كئيب. نتمنى أن تتحرك الغيرة في مشاعر كل محب لهذا البلد ليتفرغ لها خصوصا أن مسؤولينا قد جابوا بلاد الدنيا البعيدة والقريبة، نتمنى ونحن على مشارف نهاية الصيف أن نرى هجوماً مضاداً من أجل التخضير لتتحول الكويت إلى واحة خضراء كما هي واحة أمن وأمان بإذن الله.

حفظ الله الكويت وقيادتها وشعبها من كل مكروه.

back to top