حماس تقتنص الفرص في زمن الاضطرابات

نشر في 05-01-2012 | 00:01
آخر تحديث 05-01-2012 | 00:01
ها هي حركة «حماس» تلعب أوراقها السياسية بكل ذكاء اليوم، وقد أكد رئيس الحركة إسماعيل هنية، أثناء وجوده في القاهرة، العلاقة الوثيقة القائمة مع حركة «الإخوان المسلمين» التي استعادت نفوذها السياسي في مصر.

من الجوانب التي لم يلحظها كثيرون خلال أحداث الربيع العربي، برزت تداعيات تدهور الوضع السوري على الفلسطينيين من جهة وعلى "حزب الله" من جهة أخرى. تثبت حركة "حماس" براعتها في مواكبة نشوء قوة التيار السياسي الإسلامي النافذ، لكن إذا فشل "حزب الله" في القيام بالأمر نفسه، فسيخسر مصداقيته في الشارع العربي.

تبرع حركة "حماس" في ممارسة السياسة وتجيد قياس أعمال العنف التي تنفذها بحذر، وبما أن هذه المنظمة ترتبط بعلاقات تاريخية وثيقة مع "الإخوان المسلمين" في مصر، ها هي تلعب أوراقها السياسية بكل ذكاء اليوم. وقد أكد رئيس الحركة إسماعيل هنية، أثناء وجوده في القاهرة، على العلاقة الوثيقة القائمة مع حركة "الإخوان المسلمين" التي استعادت نفوذها السياسي في مصر. في غضون ذلك، تراجع وجود قيادة "حماس" في سورية إلى أدنى المستويات، ما يشير إلى أن الحركة قد تكون مستعدة لنقل مقرها إلى موقع مقبول سياسياً بعيداً عن دمشق (لكن "حماس" أنكرت هذه المعلومات في تصريحاتها الرسمية).

لكن ثمة رسالة ضمنية مهمة وراء هذه المواقف، فلا تتعلق المسألة الأساسية باحتمال تغيير مقر "حماس" ونقله إلى بلد عربي آخر مثل مصر أو قطر، بل الأهم في الموضوع هو أن تعاملات الحركة مع مصر كانت مثمرة على نحو منطقي. يمكن أن تتوقع "حماس" على الأقل معاملة متوازنة أكثر من تلك التي اختبرتها في عهد مبارك. على صعيد آخر، تملك قطر الثروات الكافية وتجد بعض مصالحها في الأجندات الإسلامية وهي تتبع سياسة خارجية ناشطة لكنها غامضة، وتأمل "حماس" أن تستغل هذه الأمور لمصلحتها.

لكن أدرك الفلسطينيون، انطلاقاً من تجربتهم المريرة، مخاطر الارتباط بأي نظام عربي أو التورط في الصراعات العربية الداخلية.

في ظل المناخ السياسي الراهن، يبدو أن أهداف "حماس" الرئيسة تتمحور حول إبعاد نفسها قدر الإمكان عن حملات إراقة الدم التي لطخت سمعة القيادة السورية، وتوجيه الحركة نحو الاستفادة القصوى من الفرص السانحة في ظل بيئة سياسية إقليمية تحصد فيها الحركة شعبية أكبر.

في الحد الأدنى، سيؤدي نجاح الإسلاميين في الاستحقاقات الانتخابية في تونس ومصر وإسقاط معمر القذافي في ليبيا إلى إعادة رسم معالم التوجهات الاجتماعية والسياسية في تلك الدول بطريقة لم يتصورها أحد في عهد الأنظمة السابقة. في مصر، إذا ما افترضنا أن جماعة "الإخوان المسلمين" ستتمكن من احتواء نفوذ أبرز خصومها السياسيين، قد تصبح الجماعة في موقع جيد يخوّلها طرح أجندة سياسية ودستورية محلية مع ضمان مكاسبها.

بما أن "الإخوان المسلمين" ونظراءهم في المنطقة هم محور السياسة العربية الحديثة، فإن هذه الحركات ستحظى بفرصة منطقية لتطبيع علاقاتها مع أوروبا وحتى الولايات المتحدة، طالما تكون تطميناتها صادقة في ما يخص الحفاظ على علاقات مستقرة مع إسرائيل. سيصب هذا الوضع في مصلحة "حماس" تحديداً. فضلاً عن ذلك، ستستفيد "حماس" من تشكيك الشارع الفلسطيني باحتمال إقرار حل الدولتين مع إسرائيل بينما ستواجه السلطة الفلسطينية مشاكل كثيرة.

بينما عمدت "حماس" بكل ذكاء إلى فصل نفسها عن أعمال العنف التي يرتكبها النظام السوري ضد مواطنيه، لكن من دون قطع علاقاتها مع النظام أو إيران، قرر "حزب الله" الدفاع علناً عن نظام الأسد، ولكنه لا يقوم بذلك استناداً إلى حدود صلاحياته الناجمة عن علاقاته الرمزية مع الحرس الثوري الإيراني.

يملك "حزب الله" الوسائل المادية اللازمة لإحكام قبضته على مستقبل لبنان السياسي، فهو مترسخ ضمن فئة الشيعة اللبنانيين داخل النسيج الاجتماعي اللبناني ولا مجال لانفصاله عنه. منذ بضع سنوات فقط، كان أمين عام "حزب الله"، حسن نصرالله، يحظى بشعبية جارفة في الشارع العربي أكثر من أي زعيم عربي آخر. لأسباب أمنية، ابتكر نصرالله صيغة معينة لتبرير عزلته عن جمهوره الذي يعشقه (في نهاية المطاف، لم تتأذّ سمعته حين أعلن أنه أول اسم على لائحة المستهدَفين من إسرائيل). هو يظهر إلى العلن الآن لتعزيز قاعدة دعمه التي تراجعت بشكل ملحوظ، ومع ذلك، هو يتعرض للانتقاد بسبب سكوته على إراقة دم إخوته العرب.

أما حركة "حماس"، فتبدو أكثر حذراً في احتساب مصالحها السياسية وعواقب سلوكها على المستوى المالي وغيره.

في المقابل، لا مصلحة للحرس الثوري الإيراني (الطرف الأساسي الذي يزوّد "حزب الله" بالأسلحة والدعم المالي وغيره من المساعدات) في استعمال القوة الدبلوماسية في أي سياق كان، كما أنه لا يبرع في ذلك أصلاً، بل إنه معتاد على استعمال القوة المسلحة. وقد تدهورت أساليبه في لبنان، وربما في سورية قريباً، بسبب هذه القوة المسلحة، وها هو الحرس الثوري الآن يجازف بدفع "حزب الله" وسورية والأسد نحو المعسكر الخاطئ من التاريخ العربي.

back to top