الموسيقار أحمد باقر... من دهاليز النفط إلى ريادة الأغنية الحديثة في الكويت

نشر في 13-11-2011 | 00:01
آخر تحديث 13-11-2011 | 00:01
عشق الموسيقار الراحل أحمد باقر العود وأحبّ أوتاره فتعلّم الموسيقى وصقل موهبته، إذ سافر من أجلها في بعثة إلى القاهرة عاد بعدها ليشارك في قيادة أهم المراكز الغنائية في الكويت: إدارة الموسيقى في الإذاعة وإدارة المعهد العالي للفنون الموسيقية، ومن أبرز مشاركاته ما قدّمه من أعمال غنائية عاطفية ووطنية كانت وراء إثراء الحركة الغنائية الكويتية الحديثة وتطويرها، وبذلك يعدّ باقر رائد الأغنية الحديثة في الكويت.

اسمه الكامل أحمد محمد يوسف باقر من مواليد الكويت عام 1929 في منطقة الشرق (بالميدان) التي تقع بين المطبة وفريج القناعات... كانت «المباركية» أول مدرسة درس فيها حيث وصل إلى الصف الثاني ثانوي وبعد ذلك ترك الدراسة بسبب حبّه للفن وبدأ بالبحث عن وظيفة، فكانت بداية العمل في شركة النفط بوظيفة «تل كلارك» وكان راتبه آنذاك 150 روبية. حين استلم أول راتب اشترى آلة عود وكان سعرها آنذاك 75 روبية، وذلك لإشباع رغبته في الفن. بعدها ترك العمل في شركة النفط وانتقل الى شركة أميركية في منطقة المشعاب براتب أكبر وكانت مهنته فرز البريد، ولديه موزعون يوزِّعون البريد. ثم ترك العمل بسبب الحرّ الشديد والبعد عن الأهل وقرر العودة إلى العمل في شركة النفط نفسها.

مركز الفنون الشعبية

في أحد الأيام، التقى باقر حمد الرجيب وطلب منه نقله إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فوافق على نقله وعُيِّن مسؤولاً عن مركز رعاية الفنون الشعبية فكان أول كويتي يتسلّم هذا المنصب، فأخذ يعمل ليل نهار فيه، وافتتح مركزاً للموسيقى وكانت الدراسة فيه بعد الظهر وذلك لمن يرغب في تعلّم الموسيقى، وكان باقر والتتان يقومان بمهمة التفتيش على المدرسين.

في أحد الأيام، عرض حمد الرجيب على باقر أن يكون مسؤولاً عن إنشاء معهد للموسيقى، فرأى باقر أنها فرصة ثمينة خصوصاً مع وجود أحمد البشر الرومي كون المعهد بحاجة إلى مدرسين وهؤلاء متعلّمون ولديهم شهادات وباقر غير مؤهل فكيف يشرف عليهم ويكون أمامهم «مهزوزاً»، فاستحسن الرومي الفكرة فكان له تأثير على حمد الرجيب الذي وافق على إرسال باقر الى القاهرة للدراسة.

معهد الموسيقى العربيّة

التحق باقر بمعهد الموسيقى العربية واجتهد في تحصيله العلمي، وكان لا يخرج من بيته، همّه الوحيد الدراسة والتخرّج بسنوات أقل وفعلاً تحقّق له ذلك وعاد إلى الكويت، فوجد أن ملف إنشاء معهد الموسيقى موجود، فقال له الوزير: «باشر أستاذ أحمد عملك وابدأ بالإعداد للمعهد»... وهنا وصلت لباقر رسالة من عميدة معهد الموسيقى العربية في مصر تقول فيها: «أرجع لإكمال دراستك لأننا فتحنا سنتين إضافيتين لكي تحصل على شهادة البكالوريوس في الموسيقى»، فأخبر الوزير بذلك ووافق على عودته الى القاهرة حيث أتمّ الدراسة وعاد إلى الكويت حاملاً شهادة بكالوريوس موسيقى بامتياز. آنذاك، كان مركز الفنون الشعبية قد توسّع، وأصبح يضمّ مسرحاً، فتولّى باقر مهمة الإشراف على المركز والمسرح اللذين كان مقرّهما مبنى مسرح الشامية، بعدها نُقل المركز إلى وزارة الإعلام تحت إشراف الراحل أحمد العدواني الذي كان آنذاك الوكيل المساعد للشؤون الفنية وظلّت صلة باقر بالمرحوم العدواني وثيقة وذلك لاهتمامه بإنشاء المعهد بسبب الخبرة الطويلة التي يتمتّع بها.

«الدراسات الموسيقيّة»

أُعلن في الموسم 1972 - 1973 عن افتتاح معهد الدراسات الموسيقية وتم تخرّج أول دفعة من المعهد في عام 1976. وفي العام نفسه، أُنشئ المعهد العالي للفنون الموسيقية وعُيّن باقر عميداً له وهو أول كويتي يتقلّد هذا المنصب الذي استمر فيه حتى عام 1983 حيث أكمل ثلاثين عاماً في خدمة الدولة ثم قدّم استقالته وتقاعد بهدف التفرّغ للفن وتقديم خدمات أخرى للبلد.

بعد تقاعده من المعهد، اشتغل باقر في الأعمال الحرة الى أن حصلت كارثة الغزو والاحتلال العراقي الغاشم للكويت عام 1990 وتوفي عميد المعهد الفنان الدكتور يوسف دوخي في فترة الاحتلال، وبعد التحرير عُيّن باقر مستشاراً للمعهد وما زال حتى الآن وهو بحق مكسب للمعهد، وكانت بادرة وفاء وتقدير له.

بدايته الفنيّة

عندما رأى الفنان أحمد باقر آلة العود للمرة الأولى في حياته عند أحد أصدقاء والده، انجذب إلى أوتارها وأحسّ برغبة كبيرة في الحصول عليها، فرسم في مخيّلته صورة لهذه الآلة الوترية والأوتار التي تحويها. ثم بدأ باقر عملية تطبيق هذه الآلة التي يحلم بها فأحضر لوحاً من الخشب ووضع عليه خيطاً ووضع أسفل هذا الخيط علبة من الكبريت حتى يرتفع الخيط عن لوح الخشب، وكم كانت سعادة هذا الطفل وهو يستمع إلى صوت «الدن» عبر الخيوط المشدودة.

خلال عام، تطوّرت صناعة العود في ذهن الطفل الصغير أحمد باقر الذي استطاع صناعة عود يحوي على ثلاثة خيوط وعزف بعض الأغاني الكويتية القديمة والمعزوفات الموسيقية.

كان والده يشجّعه وينمّي فيه هذه الهواية الفنية وكان لا يعلم أن نجم ابنه سيسطع على أرض الكويت ليصبح رائداً من رواد الموسيقى المعاصرة.

وما ساعد باقر على تنمية موهبته الفنية أن الفريج الذي تربى وعاش فيه طفلاً هو «الميدان» في منطقة الشرق حيث كان يلتقي الفنانون والأدباء يومياً ويقيمون السمرات الغنائية... كان هذا الملتقى بمثابة نادٍ ثقافي وفني مكانه هو منزل الفنانة الشعبية الأصيلة الراحلة عودة المهنا... وكان أيضاً بداية انطلاقة باقر الفنية.

قصة أول لحن له

كان الموسيقار أحمد باقر دائم التردّد على مركز الفنون الشعبية حيث يلتقي بالأستاذ حمد الرجيب والشاعر أحمد العدواني والفنانة الشعبية عودة المهنا وعدد من الفنانين والأدباء... وفي بيت آلة القانون الخاص بالرجيب، عثر باقر على كلمات أغنية «لي خليل حسين» فقرأها وأُعجب بكلماتها أشدّ الإعجاب، فطلب من الرجيب أن يسمح له بتلحين هذه الكلمات الرائعة فشجّعه وتمنى له التوفيق... وبعدما انتهى من اللحن كان موضوع ثقة وإعجاب من الجميع.

الأغنية من كلمات الشاعر أحمد العدواني وغناء شادي الخليج وقد لحّنها باقر في أواخر عام 1960 أي قبل دراسته بالقاهرة بحوالي عام ونصف العام، فكتب النوتة الموسيقية لهذا اللحن بيده وبمجهوده الفردي الخاص... ثم بدأت البروفات الموسيقية لتسجيل هذا اللحن مع الفرقة الموسيقية الجديدة التابعة لإذاعة الكويت وبعض الفنانين من مركز الفنون الشعبية، وخلال هذه الفترة جاء موعد الاحتفالات بمناسبة أول عيد للأم وانشغل شادي الخليج بتسجيل أغنية خاصة لهذه المناسبة من ألحان الفنان القدير سعود الراشد ومن كلمات أحمد بكر بعنوان «أمي».

بعدها، واصل الفنان شادي الخليج تسجيل أغنية الفنان أحمد باقر «لي خليل حسين» التي تُعتبر البداية الحقيقية لانطلاقة «شادي الخليج» وبداية انطلاقة الأغنية الكويتية الحديثة، وهي من فنون الخماري الرباعية (الشبيثي) وهو اسم يطلق على فن من الفنون البحرية، الذي يؤدى بعد غناء «السنكني» مباشرة. يؤدّى هذا اللون من الغناء بشكل جماعي، وتصاحبه جميع الآلات الإيقاعية التي شاركت في أداء «السنكني» وكذلك آلة «الصرناي». يقول مطلع الأغنية :

لي خليل حسين

يعجب الناظرين

جيت أنا أبغي وصاله

كود قلبه يلين

القمر طلعته

والغزال لفتته

والسحر فتنته

بالنحر والجبين

عندما سمع الكويتيون صوت هذا المطرب الكويتي الشاب الجديد (شادي الخليج) وهذا اللحن الجديد المتطوّر، تنبأوا للأغنية المحلية كل خير وتمنوا لها كل التقدّم والازدهار.

الأغنية الوطنية

كانت ألحان الفنان أحمد باقر الوطنية بقوة ألحانه العاطفية ومطابقة للنغم والمعنى.. وقد كان له تواجد متميّز مع كبار المطربين، ويُعتبر الفنان شادي الخليج أكثر المطربين تعاوناً معه في هذا المجال، إذ غنّى له أنجح أغانيه، من بينها: «أنا العربي}، «طاب النشيد» من كلمات الشاعر الدكتور عبدالله العتيبي، و{كويت العرب» من كلمات الشاعر المرحوم عبدالله سنان، و{صدى الماضي» من كلمات الشاعر أحمد العدواني.

كذلك، غنّت له المطربة نجاة الصغيرة أغنية «بلدي المحبوب» والمطربة عليه التونسية أغنية «بلدي الحبيب» وعاليه حسين أغنية «أنشودة الكفاح» وسناء الخراز أغنية «بالخير ياللي مشيتوا»، بالإضافة الى أعمال غنائية وطنية أخرى كثيرة أدتها أصوات كويتية وعربية.

تلحين الأوبريتات

في السنوات الأخيرة من مشواره الفني، كتب باقر ولحّن «الأوبريتات» فتعاون مع الفنان عبدالحسين عبد الرضا في «مداعبات قبل الزواج» ومن ثم «شهر العسل» وبعدها «بعد العسل»، وقد شاركت الفنانة القديرة سعاد عبدالله في بطولتها مع عبدالحسين عبدالرضا ومعهما الفنانة انتصار الشراح في ثلاثين أغنية (لفوازير رمضان) وقد تم تسجيل جميع هذه الأعمال وتصويرها لتلفزيون الكويت... كذلك، قدّم الفنان أحمد باقر أوبريت بمناسبة انعقاد مؤتمر قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت عام 1984، ومن المطربين الذين غنوا من ألحانه المطرب العماني سالم علي سعيد والفنان السعودي محمد عمر.

back to top