الاستشاري النفسي حسام عزب: إفراط الطفل في غسل يديه مؤشر إلى الوسواس القهري

نشر في 07-03-2012 | 00:01
آخر تحديث 07-03-2012 | 00:01
في أحدث أبحاثه العلمية المتعلقة بالاضطرابات النفسية، يتناول الاستشاري النفسي د. حسام عزب (أستاذ الصحة النفسية ومدير مركز الإرشاد النفسي الأسبق في جامعة عين شمس) العصاب القهري الوسواسي من خلال منظور تكاملي لعلاج هذا المرض، الذي يعتبر أحد أخطر الأمراض النفسية ويحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الاكتئاب. عن عوارض مرض العصاب القهري الوسواسي وأسبابه وطرق علاجه كان اللقاء التالي.

كيف تحدد مرض العصاب القهري الوسواسي؟

كلمة عصاب هي ترجمة للمصطلح الإنكليزي (Neurosis) وتعني اضطراباً نفسياً، ومن أشكاله العصاب القهري، أما كلمة وسواسي فاشتقت من مفاهيم عدة، منها المفهوم الديني، ونجد في قوله تعالى «من شر الوسواس الخناس»، وكما يتسلط الشيطان على عقل الإنسان بالوسوسة تتسلط وساوس النفس على عقله.

الحالة الأولى علاجها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، أما الحالة الثانية (الوساوس النفسية) فهي اضطراب في تفكير المريض يسمح بفكرة، أو مجموعة من الأفكار، بالتسلط على عقله وتفكيره، فيقع أسيراً لها. لذا من ضمن مسمياتها «الحصار»، أي أن تحاصر المريض فكرة معينة.

تعني كلمة القهري وجود نوع معين من القهر والإلزام والضغط النفسي الذاتي على المريض للإتيان بأفعال معينة يكررها، كغسل اليدين باستمرار أو تكرار الاستحمام أو تكرار سلوكيات يرى المريض أنها بلا معنى لكنه يجبر على الإتيان بها.

ماذا لو اقتصر الأمر على الأفكار من دون فعلها؟

يعاني المريض في هذه الحالة الوساوس فحسب، أما إذا تحولت هذه الأفكار إلى أفعال فلا يجد قدرة على مقاومتها، عندها تُشخّص هذه الحالة بأنها وسواس قهري، مثلاً حينما يسيطر إحساس بالقذارة على الشخص فيستحمّ بإفراط، وثمة من يستخدم الحجر في الاستحمام ليتخلص من إحساسه بالقذارة.

ما أبرز الحالات المرضية التي عالجتها؟

وصل الأمر بزوج إحدى المريضات، التي يسيطر عليها وسواس بعدم نظافة المكان والخوف من الجراثيم، إلى إصراره على الطلاق منها. ففي كل دقيقة تمسح السرير والشقة بالأدوية المعقمة والماء، إلى درجة استحالت حياة الزوج جحيماً، فهو لا يعرف الراحة في بيته ولا ينام لأن السرير مبلل دائماً، وقال لي: «أصبحت مثل الطفل الذي يتبول على نفسه لاإرادياً بسبب ذلك»، وقد اشترى سريراً خاصاً ليهرب من الطقوس القهرية التي تفعلها زوجته! بالإضافة إلى إصابته بالحساسية من الأدوية المعقمة ما جعل الأمر يتفاقم... إلا أنني عالجت هذه الحالة وكُتب لها الشفاء.

كيف يتم العلاج؟

ثمة علاج نفسي لهذا المرض حتى من دون عقاقير. في الحالات المستفحلة، لا بد من استخدام مضادات الوساوس والقهر لتهدئة الحالة، لكن يجب اتباع العلاج النفسي اللادوائي مع العلاج النفسي الدوائي ليتحقق الشفاء للمريض.

هل يستغرق العلاج فترة طويلة؟

يقاوم هذا المرض العلاج، إنما مع مرور الوقت تتحسّن حالة المريض مع العلاج شرط أن تكون لديه رغبة حقيقية في الشفاء، فمهما عملنا معه إذا لم تتوافر في عقله الظاهر والباطن رغبة حقيقية في الشفاء، نفشل ولا تكون للأدوية فائدة. طبعاً، يستغرق العلاج وقتاً ويتطلّب مجهوداً ليتحقق قدر معقول من التحسن للمريض.

ما معدل انتشار هذا المرض في العالم العربي؟

كان معدل الانتشار كبيراً في القرن الماضي إلى درجة أن العلماء أطلقوا على القرن العشرين لقب قرن العصاب القهري. اليوم، مع تراجع نسبة الوبائيات أصبح هذا المرض في الدرجة الثانية عالمياً بعد الاكتئاب، وتكاد تكون نسب انتشاره في العالم متقاربة، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

هل نفهم من ذلك أن هذا المرض غير مرتبط ببيئة أو وضع اجتماعي معين؟

فعلاً، ليس بالضرورة أن يرتبط بالضغوط وأعباء الحياة أو ببيئة معينة أو وضع اجتماعي أو ثقافي معين، بقدر ما يرتبط بعوامل نفسية قد يعانيها المرفهون والفقراء من دون تفرقة، كذلك يرتبط بأساليب تنشئة الطفل في البيئات العربية في السنوات الخمس الأولى من عمره.

كيف؟

تفرط البيئة العربية في أساليب التنشئة الاجتماعية والنفسية، خصوصاً في ما يتعلق بتعليم الطفل مهارات الحياة البسيطة، مثل تناول الطعام، النظافة، الاهتمام بالمظهر، فتكون قاسية أحياناً ومفرطة في تدليل الطفل وفي إهمال واجباته أحياناً أخرى، وفي كلا الحالتين تنمو لديه البذور العصاب القهري الوسواسي الأولى.

ماذا عن الخلافات بين الوالدين؟

للمناخ الأسري تأثير في الإصابة بأمراض نفسية عموماً ومرض العصاب القهري الوسواسي خصوصاً، فإذا لم ينعم الطفل ببيئة أسرية آمنة مستقرة يتعرّض لأزمات نفسية ومنها الوسواس القهري.

ما أعراض هذا المرض؟

انطواء الطفل وانعزاله عن أشقائه وجلوسه ساعات أمام الكمبيوتر، عدم وجود أصدقاء لديه، يظهر عليه الشرود دائماً، ينصرف عن المعايشة الواقعية للحياة، يستغرق في أنشطة منفرداً بذاته...

متى تظهر هذه الأعراض؟

قد تظهر في سنوات الطفولة الأولى وقد تظهر في مرحلة المراهقة، فعلى الوالدين أن يتابعا أبناءهما باستمرار، وإذا لاحظا تصرفات مفرطة كأن يغسل الطفل يديه ويدخل الحمام كثيراً، ويكرر أسئلته عن وجود الله وهل والده هو والده أم لا، عندها يدخل في بدايات الوساوس.

بماذا تنصح الأبوين في التعامل مع الطفل المعرّض للإصابة بهذا المرض؟

أنصحهما بتغيير اهتمامات الطفل وإشراكه في مجالات ذهنية وبدنية مفيدة، مرافقته إلى المتنزهات وأداء الصلاة، عدم تركه ينطوي فترات طويلة على ذاته، تحفيز الوازع الديني لديه، عدم استعمال العنف معه أو منعه بالقوة من القيام بأمر ما لأن ذلك يأتي بنتيجة عكسية، ولا بد من احتضانه والتحاور معه بشكل منظم. بالنسبة إلى الفتاة، إضافة إلى النصائح السابقة، لا بد من أن تشركها والدتها في أمور المطبخ.

ما أبرز الخطوات التي تتبعها كاختصاصي في العلاج؟

أحرص على بث الطمأنينة لدى المريض للقضاء على قلقه لأنه هو المادة الخام لأي مرض نفسي، فإذا خفضنا منسوبه والأسباب المؤدية إليه عن طريق تعزيز النواحي: الدينية والإيمانية والروحانية، نقلل من احتمال الإصابة بأمراض نفسية، بالإضافة إلى تعليم مهارات تعديل السلوك والعلاج المعرفي وتصحيح الأفكار والتحليل النفسي.

back to top