موقف أميركي سلبي في الشرق الأوسط
تشمل لائحة الإخفاقات الأميركية بنظر حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط الانسحاب من العراق ثم من أفغانستان قريباً، خيانة حلفاء أميركا القدامى وعلى رأسهم مبارك، التساهل مع الأنظمة العدائية في طهران ودمشق.
خلال مؤتمر صحفي في 8 ديسمبر، واجه الرئيس أوباما منتقدي سياسته الخارجية الجمهورية، فرد بعبارة لاذعة قائلاً: "يجب أن تسألوا أسامة بن لادن عن مدى تساهلي!".لا شك أن الرئيس محق في هذا الشأن، فقد كانت العملية التي نفذتها القوات الخاصة للنيل من بن لادن في باكستان تنم عن شجاعة بالغة. وينطبق الأمر نفسه على حكم الإعدام الذي فرضه أوباما، من دون الاستناد إلى أسس قضائية، على المواطن الأميركي أنور العولقي في اليمن. بشكل عام، كان الرئيس أشبه بآلة قتل حقيقية في طريقة تعامله مع المجاهدين المعادين للولايات المتحدة، فقد كثف الاعتداءات بالطائرات بلا طيار وزاد عددها بعشرة أضعاف لمحاربة أكثر الأعداء تعصباً.في ما يخص الانتقادات المتعلقة بالدور الذي أدته الولايات المتحدة "من وراء الكواليس"، كان الموقف النهائي من ليبيا واضحاً: فقد أعلن أوباما أن معمر القذافي يجب أن يرحل من السلطة، ثم كلف القوة العسكرية الأميركية بمهمة تحقيق ذلك الهدف، وقد حصل ذلك سريعاً، ومن دون التسبب بأزمة، وبأقل كلفة ممكنة على الولايات المتحدة.يبدو أن الرئيس أظهر ما يكفي من الشجاعة والجهوزية لاستعمال القوة بشكل حكيم، وذلك لحماية نفسه من الانتقادات التي يوجهها خصومه السياسيون، فعلى الرغم من ضعف أوباما في المجال الاقتصادي، تشير استطلاعات الرأي الوطنية إلى أنه يحظى بنسبة تأييد أكبر بسبب عقلانيته في الشؤون الخارجية. بالنسبة إلى أغلبية الأميركيين، تبددت الشكوك بمدى قدرة أوباما على التصرف كرئيس مسؤول للبلاد.ومع ذلك، يخطئ من يستنتج أن الانتقادات الموجهة ضد أوباما في مجال السياسة الخارجية لا أساس لها من الصحة؛ صحيح أن الرأي العام الأميركي ربما بلغ مستوى معيناً من الراحة بفضل حس قيادة الرئيس الأميركي، لكن في الوقت نفسه انهارت ثقة الشعوب- وتحديداً في الشرق الأوسط الذي يُعتبر أكثر المناطق تقلباً في العالم- في قوة الولايات المتحدة ومصداقيتها على نحو خطير.في هذا الإطار، تشتد المخاوف بسبب افتقار الإدارة الأميركية إلى الرؤية الاستراتيجية وميلها إلى الانسحاب من الساحة العالمية وتورطها في تفكيك الأسس التي كانت تضمن أمن الشرق الأوسط طوال عقود. تبرز مؤشرات واضحة في هذا المجال، ففي مقالة صدرت في شهر نوفمبر، تحدث مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" إلى الشرق الأوسط عن عالمٍ عربي "يزداد عدد الأشخاص الذين يعتبرون أن قوة الولايات المتحدة توشك على الانهيار". كذلك، تحدث الصحافي ديفيد إغناتيوس في صحيفة "واشنطن بوست" (وهو ليس خصماً للرئيس) عن نشوء حراك جديد في السياسة السعودية نتيجة "تراجع النفوذ الأميركي".واستنتج إغناتيوس أن السعوديين يعتبرون أوباما "رئيساً ضعيفاً نسبياً" ولم تعد الولايات المتحدة بنظرهم تضمن الأمن: إنه "تحول هائل" في العقيدة الأمنية السعودية التي كانت قائمة خلال أكثر من 60 عاماً.يبدو أن أزمة الثقة أصبحت حادة لدرجة أن أقرب حلفاء الولايات المتحدة باتوا يشككون علناً بمدى مصداقية واشنطن وشجاعتها. بعد أشهر على إعلان أوباما تأييده للثورة المصرية التي أسقطت أهم شريك عربي للولايات المتحدة، حسني مبارك، سُئل ملك الأردن عبدالله الثاني عمّا إذا كان قادة المنطقة يستطيعون الاتكال على الولايات المتحدة بعد الآن، فأجاب الملك عبدالله صراحةً: "أظن أن الجميع يشعرون بالقلق من التعامل مع الغرب... عند النظر إلى سرعة القرار الأميركي بالتخلي عن مبارك، أتوقع أن يحاول معظم الناس تدبر أمورهم بأنفسهم من الآن فصاعداً".كذلك، كان تصريح وزير خارجية البحرين ملفتاً بالقدر نفسه، فقد عبر في شهر أكتوبر عن قلقه من السياسة الأميركية. كان الوزير البحريني متوتراً بسبب اشتداد التردد الأميركي وقد دعا أوباما إلى التحرك ضد استفزازات إيران المتكررة، منها محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن: "نحن نطلب من الولايات المتحدة حماية مصالحها ورسم الخطوط الحمراء... كم مرة تكبدتم خسائر بشرية وكم مرة تعرضتم لاعتداءات إرهابية؟ ومع ذلك لم يصدر عنكم أي رد مناسب! هذا الوضع خطير فعلاً، فها قد وصل المد العدائي إلى عقر داركم الآن".في الأحاديث الخاصة التي أجريتُها مع مسؤولين في الشرق الأوسط، كان حس الانزعاج والخوف أكبر من ذلك كثيراً، ويبدو أن هؤلاء القادة اتخذوا التدابير التي كان يُفترض أن يعتمدها أوباما بعد أن اعتبروه عاجزاً عن التحرك. تشمل لائحة الإخفاقات الأميركية بنظرهم الانسحاب من العراق ثم من أفغانستان قريباً، خيانة حلفاء الولايات المتحدة القدامى وعلى رأسهم مبارك، التساهل مع الأنظمة العدائية في طهران ودمشق، إطلاق وعود فارغة بإنهاء الصراع الفلسطيني، عدم اتخاذ الخيار العسكري المناسب من أجل مواجهة أخطر تهديد تواجهه المنطقة: مساعي إيران إلى تصنيع أسلحة نووية.لا شك أن انتشار القناعة القائلة إن الولايات المتحدة بدأت تفك التزامها من الشرق الأوسط يدعو إلى القلق فعلاً. لقد انهارت أعصاب المنطقة أصلاً بسبب الثورات المتلاحقة وحملات القمع العنيفة واحتمال أن يحصل النظام الديني في إيران على أخطر أسلحة في العالم.سيتأزم الوضع أكثر بعد بسبب تنامي الشكوك بمصداقية الولايات المتحدة وقوتها، وسيكون الفراغ الاستراتيجي الناجم عن هذا الوضع بمنزلة دعوة صريحة إلى تعزيز الإخفاقات وتأجيج الصراع (كانت التهديدات الإيرانية الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز أول نموذج لما يمكن أن يحدث).لا يمكن أن نتأمل خيراً من شيوع نظرية تراجع نفوذ الولايات المتحدة ومشاركتها في تفكيك النظام الإقليمي الذي كان يضمن الأمن في الشرق الأوسط طوال عقود. إنه خطاب صارم على نحو خطير وقد يخلّف جواً من الشكوك والفوضى العارمة أو حتى الحرب إذا لم تتم معالجة الوضع. يجب أن يركز أوباما في المقام الأول على توضيح الموقف الأميركي من الأصدقاء والخصوم على حد سواء.