لا وجود لـ الجمهور... بل أكثر من جمهور!

نشر في 09-12-2011
آخر تحديث 09-12-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين يحلو للبعض أن يشير بسخرية إلى هذا الموسم السينمائي المصري، الذي يوشك على الانقضاء، بكونه موسم «شارع الهرم»، ويقصد الإقبال الذي حققه الفيلم ما يجعله في الصدارة من حيث الإيرادات، لكن ذلك في تقديرنا ظلم للموسم ولجمهور السينما المصرية.

فمن ناحية ليس جديداً، لا في السينما المصرية ولا غيرها، أن يحقق فيلم تجاري مثل هذا الإقبال وتلك الإيرادات، لأن جمهور السينما التجارية أكبر من جمهور السينما الفنية في بلدان الدنيا كافة، ومن ناحية أخرى ليس ثمة ما يسمى «الجمهور» بألف ولام التعريف، لكن ثمة أكثر من «جمهور» دائماً.

كما يقبل «جمهور» على السينما التجارية، بتوابلها المزعجة وسذاجتها المفرطة من نوع إنتاج «السبكي» في مصر، يقبل «جمهور» آخر، على السينما المستقلة المجددة، التي عرض منها فيلمان: «ميكروفون» في بداية العام (قبيل ثورة 25 يناير مباشرة) تأليف أحمد عبد الله السيد وإخراجه، بطولة وإنتاج خالد أبو النجا، «الحاوي» في منتصف العام (ضمن عروض الصيف) تأليف إبراهيم البطوط وإخراجه، بجرأته البالغة فكرياً وفنياً في آن .

أما «جمهور» محاولات التجديد في السينما فاستمتع بـ «المسافر» (تأليف أحمد ماهر وإخراجه، بطولة: عمر الشريف، خالد النبوي، سيرين عبد النور، أحمد شومان) وناقش وفكّر في الفيلم الذي يدعو إلى التأمل، من خلال دراما أجيال وعصور ونفس بشرية يتجاذبها «الفجور» و{التقوى»، فانجرفت أو انحرفت إلى الفجور أكثر، وفي الشيخوخة يراجع البطل (أو اللابطل) كشف الحساب والأحوال، ورحلته الطويلة، المضطربة المضطرمة بين الممتع والمروع.

كذلك تابع «جمهور» باهتمام استكمال الثنائي السينمائي المخرج خالد يوسف -الكاتب ناصر عبد الرحمن لسلسلة جادة حول واقع المجتمع المصري المعاصر، بين المعاناة والمأساة والأمل والرجاء من خلال «كف القمر»، أحدث أفلام تلك السلسلة وربما خاتمتها.

كذلك ذهب «جمهور» إلى نجم الكوميديا محمد سعد، وكان على استعداد للتجاوب معه كما فعل مع «اللمبي»، أول فيلم من بطولته، شرط أن يتحقق حدّ أدنى من العناية الحرفية أو حتى عدم  الإفراط في الاستخفاف، لكنه وجد أن سعد تجاوز في فيلمه الجديد «تك. تاك بوم» بالاستخفاف، فضلاً عن الإسفاف، المُتصوَر أو المُحتمل من حدود. بل يستخفّ بوقائع مهمة أثناء ثورة الشعب في 25 يناير، على غرار اللجان الشعبية التي بادر إليها المواطنون بشجاعة ووعي لحماية بيوتهم ومتاجرهم في مواجهة البلطجية والمجرمين الذين أطلق نظام الحكم، وهو يترنح، سراحهم من السجون، انتقاماً من الشعب لأنه ثار عليه. حتى الجمهور الذي قبل بـ{اللمبي» أو «اللي بالي بالك» لسعد لم يقبل منه التدنّي إلى هذه الدرجة في فيلمه الأحدث.

كذلك شاهدنا «اللفظ التام» لـ «الفيل في المنديل» لطلعت زكريا إلى حدّ مقاطعته الواضحة، من ناحية لأنه كحرفة ودراما أدنى من أي مواصفات أو معايير يقبل بها أيٌّ من قطاعات الجمهور، ومن ناحية أخرى لموقف هذا الكوميديان ضد ثورة يناير الشعبية، الذي بلغ من الانحطاط والهذيان ما لا يقبله أي مواطن، حتى لو كان باحثاً عن الضحك للضحك أو نوع من التهريج.

في حديثنا عن الكوميديا، لا من بد من أن نشير إلى الإقبال الجماهيري على «إكس لارج» لفنان الكوميديا الواعي أحمد حلمي الذي رافقه تقدير نقدي ملحوظ.

يحسب للفيلم وبطله ومخرجه شريف عرفة وكاتبه أيمن بهجت قمر والمساهمين فيه مدى عنايتهم فنياً ودرامياً وعدم الاستسهال في تقديم الكوميديا، إنما تعاملوا معها بجدية، فبرعوا في تنفيذ ماكياج غير مسبوق في الفيلم المصري من حيث إتقانه، خصوصاً لبطله المفرط في البدانة التي تعيقه وتعذبه في رحلة بحثه عن الحب.

«أكس لارج» ليس كوميديا سوداء، بل كوميديا إنسانية تحترم المشاهد ولا تستخفّ به ولا بفن الكوميديا الصعب الجميل، فمنحها المشاهد احترامه وإقباله.

قال هتشكوك: «الجمهور هذا الكائن الضخم الخرافي متعدد الأذرع... إن أحداً لا يمكن التنبؤ به أو يتوقعه!».

نعم، هذه الأذرع المتعددة تعني أيضاً، ما ذهبنا إليه من أنه لا يوجد «جمهور واحد»، إنما قطاعات متعددة من الجمهور، لكل منها ذائقته ومستوى تلقيه، لكل منها ما يجذبه وما يضجر منه... لا وجود لكلمة «الجمهور» بألف ولام التعريف، إنما ثمة أكثر من قطاع أو شريحة من الجمهور.

back to top