مسرح العرائس في سينما إنسانية

نشر في 11-11-2011
آخر تحديث 11-11-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين «القط ذو القبعة الحمراء»، سيناريو وإخراج حسان نعمة، أحد الأفلام القصيرة التي تعبّر عن روح وإحساس جيل جديد من خريجي المعهد العالي للسينما في مصر، وقد صدق المخرج السينمائي الكبير محمد خان عندما كتب في جريدة «التحرير» مؤكداً على عودة الروح إلى الفيلم القصير: «اليوم مع الإنترنت والـ «يوتيوب» والمهرجانات المرحبة والمشجعة، وبفضل الديجيتال العظيم عادت الروح إلى الفيلم القصير، مستقلاً كان أم لا، فقد فتحت الأبواب للسينمائي والهاوي على السواء، لا فرق بينهما سوى الموهبة التي تفرض نفسها على الشاشة كشاهد إثبات».

حاز حسان نعمة منحة يوسف شاهين لخريجي المعهد 2010، ويشاركه في تجربته السينمائية: عاطف ناشد في التصوير، مصطفى عمار في المونتاج، شريف الوسيمي في الموسيقى... وفي نهاية الفيلم يوقع مخرجه على إهداء مختصر: إلى أبي.

بالأب أو العائلة، يبدأ الفيلم، نعني افتقاد الطفل لهما عند خروجه من المدرسة، إذ يجد زملاءه ينتظرهم الأب أو ولي أمرهم، فيما يعود هو وحيداً، مطرقاً متأملاً واجهات المتاجر، وماراً بمسرح عرائس، فلماذا لا يدخل؟

المسرحية بالعنوان ذاته «القط ذو القبعة الحمراء»، تروي حكاية طحان له ثلاثة أولاد، حين توفي تفرقوا بعد توزيع الميراث عليهم: الطاحونة للكبير، الحمار للأوسط، أما الصغير فلم ينل سوى قط ذي قبعة حمراء، فيبكي بحرقة ويردد: «أنا مسكين». ماذا سيفعل بالقط؟ لكنه يفاجأ بالقط يقول له: «هوّن على نفسك.. اعتمد عليّ».

يذهب القط إلى الغول الذي يأسر الأميرة، ابنة ملك البلاد، حاملاً أرنبين هدية، فيبتهج الغول، لكن القط يستدرجه ويضرب على وتر غروره ويمتدحه بأنه صاحب إمكانات لا محدودة ويصل إلى حدّ القول: «هل تستطيع أن تتحول إلى حيوان أصغر... فأر مثلاً؟»  ينجذب الطفل بشدة وهو يشاهد المسرح، كذلك بقية الحضور من الأطفال وبعضهم في رفقة كبار.

هل يبلع الغول الطعم؟ نعم، يتحوّل إلى فأر فيبتلعه القط، ولقاء التخلص من الغول الشرير، يطلب من الملك أن يتزوج صاحبه الفتى الأميرة التي تحررت على يديه فيرحب الملك، ويتردد على شريط الصوت: «وعاش القط في قصر الملك كريماً عزيزاً...».

يندهش الأطفال، خصوصاً بطلنا، من العبرة التي تؤكد أن بالمقدرة العقلية والذكاء يمكن تحقيق آمال كثيرة. لا يكتفي الطفل بمشاهدة واحدة، فيكرر حضور المسرحية ويصفق وبقية الجمهور من الأطفال بحرارة، فقد اتّحد الطفل، وربما الأطفال أيضاً، مع حال الولد الأصغر في المسرحية، الذي أصبح من دون ملاذ أو أب أو مال، لكنه ما لبث أن اكتشف أنه بالعقل والحكمة والذكاء يتحقق المحال!

الفيلم بسيط من دون حذلقة أو ادعاء، يعبر بسلاسة ومن دون ثرثرة عن حالة إنسانية ربما تعكس جانباً من سيرة المخرج الذاتية. إنها الوحدة القاسية التي تبحث عن تعويض وقد تنتج فناً كهذا الفيلم.

نجح المخرج في توجيه الممثل الطفل الذي يؤدي دوره بملامح وإيماءات ونظرات معبرة، ويركز شريط الصوت على الحوار في مسرحية العرائس وعلى الصمت أو الموسيقى الموحية المشحونة بالدلالة في مشاهده خارج المسرحية.

يحتاج هؤلاء الشباب بعد تخرجهم إلى كثير من الحرية والإمكانات، ليتابعوا  تجسيد أحلامهم على الشاشة عبر مفردات وأسلوب خاص، وليطوروا البدايات الأولى ويصلوا بها إلى آفاق أبعد.

يبقى أن ثمة انتعاشة بحقّ تسري في الفيلم القصير، بل ثمة تجارب قصيرة يجب أن تهزّ الفيلم الروائي الطويل هزاً، ليصبح على قدر حقيقي من التجديد والجرأة التي تميّز الفيلم القصير، روائياً كان أم تسجيلياً.

الفيلم القصير أقرب إلى قصيدة أو أشبه بتحقيق مكثف، أو كما رأينا في «القط ذو القبعة الحمراء» معالجة إنسانية عن الذكاء والعقل والقول المأثور: «يا رب من دون العقل أنا لا شيء.. أما وقد أعطيتني العقل فقد أعطيتني كل شيء!».

back to top