حكايات الفاجومي (8): يرويها أحمد فؤاد نجم.. لي امرأة في كل عاصمة عربيّة والسبب أمِّي

نشر في 08-08-2011 | 22:02
آخر تحديث 08-08-2011 | 22:02
يصل الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم في الحلقة الثامنة من حكاياته إلى قصص حبّه للنساء، وتعدّد علاقاته بهن، يقول إن الحياة من دون نساء لا تساوي شيئاً، ويضيف: أمي جعلتني أحب كل النساء وكنت أبحث عنها في كل من التقيت بهنّ.

وكما في تجارب شعراء كبار كثر في العالم، أدت المرأة دوراً كبيراً في فهم العالم، وبالنسبة إلى نجم لم يترك فرصة واحدة للارتباط بامرأة أحبته أو أحبها ويعترف في هذه الحكايات بأنه أساء معاملة زوجته الأولى، ما جعله ينتبه إلى خطأ سلوكي فادح في كل علاقاته النسائية اللاحقة.

حرماني من أمي في سنوات الملجأ الطويلة أفقدني إحساسي بالحنان والأمان، وفعلاً مثلما قال نزار قباني «أنا من بدء التكوين أبحث عن وطن لجبيني»، المرأة هي أجمل شيء في الدنيا، هي الوطن والسكن، وبعيداً عن سنوات الملجأ الجافة القاحلة من لمسة دفء أو حضن حنان، وكثرة عدد إخوتي جعلت نصيبي من حنان أمي ورعايتها محدوداً، على رغم كل الذي أعطته لي من حب وحنان زائد عن باقى إخوتي، لأنني بطبيعتي وتركيبتي كنت محتاجاً الى أكثر بكثير مما أخذته، فاندفعت أبحث عن هذا الدفء في نساء أخريات والحقيقة وجدته مع بعض النساء ولم أجده مع بعضهن الآخر.

أنا أحد الذين ينامون في المكان الذي يستريحون فيه، «مطرح ما ألاقي حنان ودفء أسكن وأعيش وأول ما الدنيا تبرد ويروح الأمان والدفء نفترق». لم أسعَ يوماً إلى زواج ولا إلى طلاق، لأن الزواج كان يتم بطريقة طبيعية وسلسة من خلال التعامل والاقتراب من شخصية المرأة في لحظة معينة «نحس إحنا محتاجين بعض ومرتاحين لبعض ويالا نتجوز نتجوز لغاية ما نقول لبعض نفترق نفترق».

لا أنكر أن المرأة أضافت إلى شعري إضافات كبيرة، لا أنكر أن قصائدي أصبحت أكثر رقّة وكلمات أشعاري صارت أحن وبقيت شفاف «زي عمر بن الفارض العاشق الكبير أو سلطان العاشقين بلا منازع وده يظهر قوي في قصايدي»:

«باستنظرك..

يا جرحي يا حلم العنيد

باستنظرك

يا مصر يا حبي الوحيد

وييجي يوم وتصدقي

عشقي الأصيل

وتحققي حلمي الجميل

وتزوقي عمري اللي

ضاع يستنظرك

باستنظرك»

المرأة الأولى في حياتي هي أمي بعدها كانت إكرام ابنة عمي الله يرحمها، كنت متيّماً عاشقاً ولهاناً يمشي في الليل والقمر والغيطان والنيل وهايم وكانت هي فتاة جميلة في بداية المراهقة، ضحكتها كانت ترن دائماً في أذني وكانت تتمتع بشخصية قوية تلعب طاولة وتغلب الرجال وكانت تقول لي «إنت عفريت وأنا أحب العفاريت».

إكرام كانت هي الحب الأول الذي غيَّر الكيمياء الخاصة بروحي، حولتني الى عاشق رقيق لو نفختني أطير، لأنني كنت في طفولتي عنيفاً وشرساً وشديد القسوة فصرت زي ما بيقول ابن الفارض أرق شاعر في العالم.

قلبي يحدثني بأنك مُتلفي

روحي فداك عرفت أم لم تعرفي

عمر بن الفارض سلطان العاشقين وهو الشاعر المصري الصوفي. كان نجم الدين أيوب يحب الشعر ومرة وزير قال له قصيدة من الياء الساكنة، فقال له نجم الدين أيوبك أنا أسمعك قصيدة 12 بيتاً القافية فيها الياء الساكنة، فقال له وزيره: أنا أعرف أن فيه قصيدة 155 بيتاً بقافية الياء الساكنة وكتبها شاعر اسمه عمر بن الفارض وده في مصر، فقال له نجم الدين أرسل إليه يأتي لنا، قال له الوزير: هو لا يأتي لأحد.

قال له نجم تروح له فقال الوزير لنجم الدين أيوب أستأذن لك يا مولاي.

ولعمر بن الفارض قصيدة عبقرية يغنيها عمي الشيخ أبو العلا:

غيري على السلوان قادر

وسواي في العشاق غادر

دي لحنها الشيخ أبو العلا وغنتها أم كلثوم لكن عمي الشيخ النقشبندي أداها بعبقرية كبيرة.

الشيخ إمام غنى من أشعار ابن الفارض لأنه من هذه المدرسة.

وبعد إكرام حبي الخالد والتي تزوجها ابن عمي لأنه غني وأنا فقير، تأتي عفاف ابنة عمتي التي تزوجت ابن عمي الثاني، لأنه أيضاً معاه فلوس، لكن إكرام الله يرحمها حبي الكبير الحقيقي الذي ترك آثاراً داميةً في قلبي.

بعد ذلك عرفت ليلى، كانت تغني في الأفراح وتعزف بيانو وكانت حاجة جامدة قوي وجميلة قوي من المنصورة، وغناؤها ينتمي إلى غناء العوالم ومن الغريب أنه لم يدرس أحد هذا الغناء أو الفن حتى الآن، وأفضل نموذج لهذا الفن الجميل في تطوره وجماله محمد فوزي وهدى سلطان، وكانت فيه ست اسمها سيدة حسن بتغني أغنية مصر كلّها كانت تغنيها، بتقول فيها:

«يا طير غريب يا مروَّح

بتغني ولا بتنوَّح»

الحمد لله أني حفظت كل الأغاني والمواويل والأمثال الشعبية، وغنى العوالم شكَّل ثقافتي الشعرية والغنائية، ومثلما قال الموسيقار محمد عبد الوهاب إنني أملك ألطف ودن في مصر كان يقصد أني باسمع كويس وألتقط الأنغام بسرعة وأحفظها، وأنا فلاح والفلاح المصري مغنواتي بطبعه، لأنه بيرمي الحَب ويقول يا رب وكان لازم يغني.

وهناك فتاة اسمها ليلى حبيتها وكانت بتغني أغنية «غني لي شوي شوي» أحسن من أم كلثوم وطبعاً عارفة إني من عائلة أبو نجم يعني فاكرة تحت القبة شيخ، قلت لها أنا صحيح من عائلة أبو نجم لكن فقير، وقلت لها كل حاجة، المهم، اتعرفنا وحبينا بعضنا قوي، كانت مرة في حفلة وغنيت «غريب الدار» وعجبتها قوي وجت معايا البيت وعرفت أمي عليها ولكن اكتشفت أنها مريضة بالدرن ورفضت أن نتزوج خوفاً عليّ وماتت على إيدي مسكينة زي اليمامة الرقيقة المريضة بعد علاقة حب استمرت ثمانية شهور، ماتت على إيدي يا عيني كانت زي الطائر الجميل المغرد «الله يرحمها».

بعد ليلى أحببتُ فتاة مسيحية في مدينة الزقازيق، كانت جميلة وصديقة زوجة أخي عبد العزيز، تعارفنا وكنت وقتها أعمل في السكة الحديد، ناغشتها وناغشتني اتعلقنا ببعض وهات يا حب حوالى 14 شهراً، وبعدها عرفت صاحبة غُرزة «حشيش»، كنت أروح لها أنا وسيد شوقي، وذات يوم حضر إخوتها من «الصعيد» ليقتلوها، قلت لها لا تخافي أنا زوجك وقابلتهم، وقلت «أنا جوزها وهي عايشة في حمى راجلها وجوزها فيه إيه؟ قال لي واحد منهم اتجوزتها ليه؟ قلت حبيتها وهي كمان حبتني فقالت له لما اللي بيحب عندكم تقتلوه أمال اللي بيكره بتعملوا فيه إيه؟ اتخرس ومعرفش يرد عليها.

شالت لي الموقف ده وقدرتني قوي وحبتني جداً بعد الموقف ده وقعدنا مع بعض سنة بعدها سافرت إلى القاهرة.

عندما ذهبت إلى سورية لعقد أمسيتين شعريتين في ثلاثة أيام، قعدت هناك خمسة أعوام وتعرفت الى مظفر النواب وربطتنا صداقة قوية وعملنا هناك مظاهرة في مخيم فلسطيني، وطبعاً سورية لا تعرف المظاهرات وهناك قالوا لحافظ الأسد نجم ومظفر اللي عملوا المظاهرة قال لهم دول ضيوفي وبلغونا الرسالة يعني معناه نختشي ونلم الدور، المهم هناك في اللاذقية تعرفت على «ندى» مدربة الألعاب الرياضية وكانت شديدة الجمال والأنوثة وراحت ندى معي في ندوة شعرية في كلية الحقوق في الشام وبصراحة ده خلاني متوهج ومصهلل ومن يومها ارتبطنا في علاقة حب استمرت تقريبا ثلاث سنوات.

وفي الجزائر عرفتُ «سونيا» ممثلة المسرح القومي هناك، في سنة 1982 وأنا حبيت الجزائر قوي لأن الجزائريين شعب شديد الطيبة والحنان رغم القشرة الخارجية العنيفة المعروفة عنهم، بسبب الاحتلال الفرنسي الوحشي، الذي عانى منه شعب الجزائر العظيم.

رحت هناك مسرح وكانت مسرحية «جحا باع حماره» وكانت سونيا بتمثل فيها ترقص وتغني وتمثل زي سعاد حسني بالضبط وبعد العرض سلمت عليها وقلت لها إنت لازم تيجي مصر، المهم بعدها حضرت الأمسية الشعرية التي عملتها اتجننت قالت لي إنت فنان كبير، اتجوزنا وقعدت معاها سنتين، وهناك أعطوني شقة فاخرة وعشت فترة جميلة ولكن ما أقدرش أبعد عن مصر أكثر من كده، ورجعت معي مصر وده كانت مغامرة لأني مش محبوب من النظام وهي لازم تعمل في المؤسسة وممكن يضغطوا بيها عليّ المهم سافرت هي للجزائر وبعد فترة اتطلقنا.

زوجتي الأولى كانت فاطمة منصور وهي مصرية، هذه المرأة ظلمتها كثيراً، لأنني كنت رجلاً جهولاً وظالماً، كنت أضربها كل يوم، من منطلق أن الرجل الذي لا يضرب امرأته ضعيف الشخصية، أي ليس رجلاً، والغريب أنها تحمَّلت كل هذا الضرب، كنت عايز أطبق الرجولة، وطبعاً كنتُ مخطئاً تماماً.

زوجتي الثانية كانت صافيناز كاظم وهي ناقدة مسرحية كبيرة مصرية الأصل، وجدّها كان إسماعيل الصفوي، شاه إيران، وزوجتي الثالثة كانت المطربة عزة بلبع وكان أول لقاء بيننا في حفلة خاصة في مدينة إسكندرية، تزوجتها سنة 1974 وتم الطلاق سنة 1980، وفي سنة 1979 قامت عزة بدورة غنائية في أوروبا ولبنان، حيث التقت في الحفلة نفسها مع مرسيل خليفة الذي كان وقتها في بداية تجربته، وفي فرنسا التقت بالمغنيين الملتزمين من تونس محمد بحر والهادي قلة وقد قدمت معهما أغاني الشيخ إمام وهي مصرية الأصل، وزوجتي الرابعة كانت سونيا ميكيو، والتي كانت تعمل ممثلة المسرح الجزائري الأولى، وزوجتي الخامسة كانت حياة الشيمي وهي مصرية، وزوجتي الحالية وهي مصرية الأصل أيضاً أميمة علي عبد الوهاب أم زينب أطيب واحدة عرفتها في حياتي منتهى الحنان وأصيلة وشايلة اسمي وأنا ربتها على إيدي أخاف عليها من الهوا الطاير ولو إنها مجنونة بتغير عليّ موت وأنا كمان بحبها قوي.

عندي 3 بنات و3 أحفاد، ابنتي الكبيرة هي عفاف بنت فاطمة منصور، وابنتي نوارة هي بنت صافيناز كاظم، أما ابنتي زينب فهي بنت زوجتي الحالية أميمة، وأنا أحب جداً نوارة لأنها بنت موهوبة وطالعة خالعة من أمها وأبوها، وأنا راجل على باب الله، البنت دي مش واخدة أسلوب واحد مني أو من أمها، لها كتابات خاصة، مقاتلة وطنية زي أبوها.

أما أحفادي فهم مصطفى ابن عفاف شكلي تماماً، واختيه صفاء وأمنية، وكل الستات اللي اتجوزتهم أنا على علاقة جيدة بيهم وأصحاب لحد دلوقت.

نجم وصافيناز كاظم وحب استشهادي

طبعاً لم تكن الكاتبة ذائعة الصيت صافيناز كاظم هي الإسم الوحيد في تجربة أحمد فؤاد نجم مع النساء، لكنها ربما كانت الأبرز بينهن، نظراً الى ما توافر في شخصيتها من تناقضات، تلائم حالة نجم المُستعصية على الفهم.

دخلت  صافيناز ـ التي تعود أصولها الإيرانية إلى أسرة الشاه ـ دار «أخبار اليوم»، صحفية تحت التمرين، في نوفمبر 1955، حين كانت طالبة في كلية الآداب قسم الصحافة، جامعة القاهرة.

حصلت على ليسانس آداب قسم صحافة من جامعة القاهرة 1959،  ثم سافرت إلى أميركا بعدها بعام واحد، حيث حصلت على الماجستير في النقد المسرحي من جامعة نيويورك في يونيو 1966، وعادت إلى مصر في العام ذاته، لتعمل في مجلة «آخر ساعة»، ومجلة «الجيل الجديد»، ثم انتقلت إلى «دار الهلال» ناقدة مسرحية وكاتبة في مجلة «المصور».

تقول صافيناز إن أساس ارتباطها بالشاعر أحمد فؤاد نجم معرفتها بقيمته الشعرية، أي أن المعرفة لم تأتِ بعد الزواج فهي لم تكن قصة حب عادية بين رجل وامراة وانما هي مسألة أعلى من ذلك كلّه.

تعتبر زواجها من نجم «عملية استشهادية»، كما كل نساء الشعراء الكبار في العالم، لكنها لا تتحدث عن أسباب انفصالهما، ربما لأنها تملك ما يكفي من الشجاعة لكي تقول آراءها الحادة في العالم، على نحو ما قالته لجريدة «أخبار الأدب» قبل أسابيع، من أنها كانت تقول له «لو عايز حاجة اعملها»،  وأنها كانت قادرة على فهم نزواته، طالما أنها ليست هي الركيزة في مشروعه الفني، وإنما الركيزة هي عشق الوطن، وأضافت: «تجربتي معه تؤكد مساندتي التاريخية له، ومن أول لحظة غفرت لنجم ولكن لم أغفر لمن سرقَتْه منِّي».

أثار صافيناز خلال الأيام السابقة عرض الفيلم السينمائي «الفاجومي»  متناولاً حياة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، ليكون أول فيلم سينمائي عربي يحكي قصة حياة شاعر مشهور.

انفعلت الناقدة المسرحية بعد مشاهدة الفيلم وكتبت تسب صناعه على مدونتها الإلكترونية «لساني حصاني»، فقد اعتبرت الفيلم ممتلئاً بالأكاذيب والفضائح والابتذال، فنياً وأخلاقياً.

يُعتبر «الفاجومي» أحد أوائل الأفلام التي ظهرت بعد ثورة «25 يناير» المصرية، وقام ببطولته خالد الصاوي، وجسدت فيه النجمة السورية كندة علوش شخصية صافيناز في الفيلم، الذي أخرجه عصام الشماع، وشهد إقبالاً محدوداً من الجمهور المصري، ربما لتواضع تكاليف إنتاجه.

أعلنت صافيناز عدم رضاها التام عن «الفاجومي» إخراجاً وكتابة وتمثيلاً، لكنها كثيراً ما كانت صادمة في آرائها، حيث مثّلت تياراً ثالثاً في علاقة المصريين بالزعيم جمال عبدالناصر، فهي لا تكتفي بكراهيته بل تعتبره ـ بكل بساطة ـ سفاحاً.

«محكمه»

إسمع وشوف ما حصل

برضه السمع واجب

واتأكد الحاجب

غمز بعينه لمره

وراح مكسكس ورا

القاضي قال محكمه

وهو قال

مجزره

مع إنه كان قبلها بدقيقه

عامل عون

نازل شتيمه وأذى

في عساكر الكراكون

مجعوص بيقرا الصحف

ويرد ع التلفون

ويمر من وسطنا

وكأنه نابليون

وفجأة فز اتنتر واقف على حيله

كرشه الجسيم انهطل

أنا قلت دا ديله

قول حبتين وانتصب

باسم العدالة ميزان

مدموغ بكلمة شرف

مش كلمه السلطان

ممكن يشيل الهرم

وينخ من شعره

حسب الظروف والعلل

والرك ع الوزاَّن

***

أول قضية شطح

سمى الرعيه جاموس

تاني قضية نطح

قال ع الضحية

جاسوس

تالت قضية وأنا في الأصل

راجلها

سألني إيه تهمتك

أنا قلت أجِّلها

لما الميزان ينصلح

ويلاقى وزانه

ومن الصباح للمسا

ربك يعدّلها

معتقل القاهرة / 1970

back to top