هل الثورات العربية صناعة غربية؟

نشر في 09-06-2011
آخر تحديث 09-06-2011 | 00:01
No Image Caption
 نايف بندر اللافي لا يختلف اثنان، ومعهما كاتب هذه السطور، على أن الشعوب العربية قد قامت بثوراتها بدافع من الوطنية، ورغبة صادقة في التحرر من قيود الدكتاتورية، وتطلعاً نحو الحرية والديمقراطية، كما أنني لست بصدد الدفاع عن القادة من الدكتاتوريين العرب ممن حرموا شعوبهم فرص النمو والتطور والحياة الحرة الكريمة.

إلا أن واقع الأمور يقرر أن الثورات مثلها مثل الحروب لا بد لها من قيادة وتنظيم وخطوط إمداد وتدريب ودعم مادي ومعارك نفسية وإعلامية؛ مما لا يمكن معه الافتراض بسذاجة أن هذه الثورات ونتائجها جاءت عفوية أو عديمة التنظيم.

وحتى يمكننا فهم هذا الموضوع الشديد الأهمية لابد من دراسته بتأنٍّ وحيادية، ولعل أفضل وسيلة هي دراسة التاريخ بحثاً عن ثورات مشابهة لمعرفة التأثيرات الخارجية وطبيعتها.

تميزت العشرون سنة السابقة بعدة ثورات، من بينها ثلاث ثورات مهمة: هي على التوالي الثورة الصربية والثورة الجورجية والثورة الأوكرانية أو ما يسمى بالثورات الملونة.

جميع هذه الثورات كانت مدنية سلمية ابتعدت عن العنف، حيث تم استخدام المظاهرات والإضرابات ضد حكومات وصفت بالفساد والدكتاتورية، وقد نجحت كل هذه الثورات بإحداث مسيرات عارمة في الشوارع في أعقاب انتخابات وصفت بغير العادلة، أو طلب انتخابات حرة ونزيهة، وبالمطالبة باستقالة أو إطاحة القادة الدكتاتوريين.

الثورة الصربية وفي سنة 2000 نجحت بالإطاحة بسلوبودان ميلوسيفيش، وثورة الورود في جورجيا أطاحت بإدوارد شيفردنازه بعد انتخابات 2003، والثورة البرتقالية في أوكرانيا سنة 2004 أطاحت بفيكتور بانوكدفيتش وأتت بفيكتور يوشيشنكو.

لقد بدأت المقاومة الصربية سنة 1998 بتنظيمات طلابية استمرت في مقاومتها رغم تعرضها للاضطهاد من قبل قوات الشرطة، وخلال الانتخابات الرئاسية في سنة 2000 بدأت حملتها ضد ميلوسوفيتش تحت مسمى "حانت نهايته".

أعضاء من هذا التنظيم قاموا بتدريب أعضاء من الحركات الطلابية في حركة كمارا أي "كفاية" في جورجيا، وحركة بورا في أوكرانيا وفي بيلاروسيا وألبانيا أيضا، وتميزت هذه الحركات الطلابية بالتنظيم والقدرة على التحفيز وباستعمال أساليب الاستهزاء والسخرية كما دعا إليها جين شارب في كتاباته.

جين شارب هو بروفيسور في العلوم السياسية اشتهر بكتاباته في المقاومة السلمية، وأسس في 1983 معهد ألبرت إينشتاين لتسويق ونشر دعوته في المقاومة السلمية في العالم، يقول أحد قادة المقاومة في أوكرانيا إن كتيب جين شارب "من الدكتاتورية إلى الديمقراطية" كان بمنزلة الإنجيل لحركتنا، وقد ساعدنا معهد إينشتاين لطباعة 12000 نسخة من الكتاب، وبمطالعة سريعة للكتب التي يمكن تحميلها مجاناً من موقع المعهد على الإنترنت وباللغة العربية، بالإضافة إلى لغات عالمية يتضح أن هذا المعهد قد أعد برنامجاً تدريبياً مكثفاً على إدارة المظاهرات والثورات، واقتراح الوسائل والأدوات التي تمكنهم من زيادة فعاليتهم في مقاومة السلطات.

من المؤسسات الأخرى التي ذكرتها التقارير مؤسسة جورج سوروس الملياردير اليهودي المعروف، والتي يتبع لها عشرات المعاهد والمؤسسات التي تدعم التحول إلى الديمقراطية في دول العالم، ومنها معهد المجتمع المفتوح، والذي قامت عدة دول في آسيا الوسطى باتخاذ تدابير ضده بعد نجاح الثورة البرتقالية في أوكرانيا.

وطبقا لصحيفة الغارديان كان كل من الوكالة الفيدرالية الأميركية للتنمية الدولية، والمؤسسة الخيرية القومية للديمقراطية، والمعهد العالي للمحافظين، والمعهد القومي الديمقراطي للعلاقات الدولية وبيت الحرية، وكلها مؤسسات تابعة للحكومة الأميركية بشكل أو بآخر قد دعمت وبشكل مباشر هذه الثورات، كما أكدت ذلك كل من صحيفة الواشنطن بوست ونيويورك تايمز، بل إن الغارديان قد وصفت هذه الثورات بقمة ما توصل إليه الغرب في مجال التسويق.

هذه العملية- هندسة الديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع والعصيان المدني- قد تم تطويرها وتحسينها بعد تجارب حتى نضجت وأصبحت جاهزة للتطبيق في أي بلد.

في البداية يتم إنشاء مركز للمقاومة السلمية، ويملأ بأجهزة الكمبيوتر والشباب المتحمس والخبير في استخدام هذه الأجهزة، وأول عمل له هو استخدام كلمات براقة للحركة، ففي صربيا سموها "مقاومة" وفي جورجيا "كفاية" وفي أوكرانيا "حان الوقت".

وتقوم المؤسسات الأميركية المذكورة بتقديم الدعم المالي والمعنوي، حيث يرسلون الخبراء والمختصين لتدريب الشباب في التسويق والتواصل مع الشعب والتنظيم وأساليب المقاومة السلمية، كما يقوم الخبراء بالمساعدة في تنظيم الإحصاءات وأخذ آراء الشارع وإعداد الشعارات بما يمثل حملة إعلانية كاملة.

ولو أخذنا صربيا مثلاً لوجدنا أن الميزانية المعلنة للحكومة الأميركية، والتي صرفت في تمويل الثورة هي 41 مليون دولار، حيث قام الخبراء الأميركيون بعمل الانتخابات التجريبية وأخذ الإحصاءات وتدريب الآلاف من المعارضين، بل وصل الأمر إلى شراء 5000 علبة من أصباغ الرش لملء الشوارع بالشعارات المعادية لميلوسفيتش، وطبع وتوزيع مليونين ونصف المليون "بوستر" بشعار "لقد انتهى".

كانت مشكلة المعارضة في صربيا أن ميلوسفيتش كان له شخصية كاريزمية، ورغم أن الأغلبية من الشعب لا يريدونه فإنهم لا يجدون في المعارضة من يمكن أن يحل محله، لذلك قام المعهد القومي للديمقراطية في واشنطن بدعوة 50 حزباً من أحزاب المعارضة في صربيا لحضور مؤتمر في بودابست في أكتوبر سنة 1999، في ذلك المؤتمر عرضت عليهم أرقام الإحصاءات التي تبين عدم شعبية ميلوسفيتش بين شعبه كما أروهم الأرقام التي تخص قادة الأحزاب الأخرى المؤهلين للفوز، وكانت الرسالة في هذا المؤتمر أن الشعب تهمه الأوضاع الاقتصادية بالدرجة الأولى، وهذا ما يجب أن يكون موضوع الانتقاد، وأن المعارضة يجب أن تتوحد خلف مرشح واحد فقط لتنجح.

بعد اتفاق الأحزاب عمل المستشارون على صياغة الرسالة التسويقية إذ وصل الأمر إلى أنهم قاموا بإعداد خطب من دقيقة، ومن خمس دقائق، وإجابات عن أسئلة الصحافيين، وتم توزيعها على جميع مرشحي المعارضة للبرلمان وللبلديات، والذين وصل عددهم إلى عشرات الآلاف؛ كلهم يتحدثون برسالة واحدة، معدة للطعن بميلوسفيتش وسياساته.

بالإضافة إلى ذلك تم جلب عسكريين متقاعدين لتدريب الطلبة على قواعد المقاومة السلمية مثل كيفية تنظيم الاعتصام، وكيفية التخاطب بالإشارات، وكيفية التحكم بالخوف، وكيفية زعزعة ثقة رجال الأمن، كما تم تدريب المراقبين الذين يراقبون صناديق الاقتراع لضمان عدم التلاعب بإجراءات التصويت.

يتضح مما سبق أن الثورات الملونة وعلى رأسها الثورة الصربية كانت صناعة أميركية بامتياز، حيث بدأ التحول بالسياسة الأميركية من الاعتماد الكبير على العمليات الخفية المرتبطة بأعمال المخابرات إلى العمليات المكشوفة بالتحكم بالعمليات الانتخابية والثورات الشعبية.

* مستشار اقتصادي واستثماري

والرئيس التنفيذي للشركة الخليجية لتطوير المشاريع

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top