علماء تحت راية الإسلام: البتاني... العالم الذي أثبت كروية الأرض
شهد القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي ميلاد شخصية علمية من أكبر العقول التي عرفها العالم، فقد شهدت الدولة الإسلامية في هذه الفترة ميلاد العالم البتاني الذي يعد عبقري العلوم والفلك والرياضيات والهندسة والجغرافيا، الذي حفر اسمه من نور في سجل العلم الحافل، بعد أن أثبت بما لا يجعل مجالا للشك أن الكواكب بما فيها الأرض تسير في مسارات بيضاوية وأن الأرض كروية الشكل. كما أن عالم الفلك الكبير كوبر نيكوس اعترف أكثر من مرة في كتبه باعتماده على بحوث ومؤلفات البتاني في تطوير معارفه الفلكية، لذلك كان اعتراف علماء الغرب به وبفضله على الحضارة الأوروبية، فعدوه أعظم من درس الفلك على مر العصور، كما أطلقوا اسمه على إحدى الحفر النيزكية بالقمر.ولد أبوعبدالله محمد بن جابر بن سنان البتاني سنة 240هـ/854م في قرية بتان إحدى ضواحي مدينة حران (جنوب شرق تركيا حاليا). درس «البتاني» في بداياته على يد والده جابر البتاني الذي كان بدوره عالماً مشهورا، وبعد أن بلغ البتاني مبلغ الرجال تنقل بين مدينتي الرقة وانطاكية، وفي الأخيرة أقام مرصده الفلكي الذي قام فيه بمعظم دراساته الفلكية التي ضمنها في كتابه «الزيج الصبائي» الذي وضع فيه جداول فلكية تخص حركة كل كوكب، وحدد «أوج» كل كوكب، وهو أبعد نقطة للكواكب عن الأرض، و«الحضيض» وهو أقرب نقطة للكواكب من الأرض.
كما أن من أهم منجزات البتاني الفلكية أنه أصلح قيم الاعتدالين الصيفي والشتوي، وعين قيمة ميل فلك البروج على فلك معدل النهار (أي ميل محور دوران الأرض حول نفسها على مستوى سبحها من حول الشمس). ووجد أنه يساوي 23 درجة و35 دقيقة، والقيمة السليمة المعروفة اليوم هي 23 درجة، وقاس البتاني طول السنة الشمسية، وأخطأ في مقياسها بمقدار دقيقتين و22 ثانية فقط، كما رصد حالات عديدة من كسوف الشمس وخسوف القمر.وفي مجال الرياضيات يعد البتاني من أوائل العرب الذين استعملوا الجيب بدل الوتر، كما أنه استعمل الظل وظل التمام في المثلث الكروي، واستطاع البتاني أن يحل بعض العمليات الحسابية وبعض النظريات بطرق جبرية وليس بطرق هندسية، كما كان يحلها من سبقه من العلماء العرب واليونانيين، مثل تعيين قيم الزوايا بطرق جبرية، وكان هذا ابتكارا أضيف إلى الكثير من الإضافات التي أدخلها العرب في علم المثلثات، وإليهم يعود تأسيس هذا العلم المهم.ترك البتاني بعد وفاته في سنة 317هـ /929م، عددا من المؤلفات المهمة معظمها في علم الفلك منها رسالة في عمليات التنجيم الدقيقة، وكتاب عن دائرة البروج والقبة الشمسية، ومختصر لكتب بطليموس الفلكية، وشرح المقالات الأربع لبطليموس، ورسالة في مقدار الاتصالات الفلكية، ورسالة في تحقيق أقدار الاتصالات، وكتاب في معرفة مطالع البروج في ما بين أرباع الفلك، وكتاب تعديل الكواكب، وكتاب في علم الفلك، ومخطوطة عن علم الزودياك. التي نهل منها علماء أوروبا، الذين وقفوا مندهشين من مقدرة البتاني على أعماله رصد الكواكب بهذه الدقة العالية على الرغم من عدم وجود آلات دقيقة في عصره.