تغيير النظام في إيران لن ينجح

نشر في 06-02-2012 | 00:01
آخر تحديث 06-02-2012 | 00:01
أشارت استطلاعات الرأي في عام 2009 إلى أن مناصري الحركة الخضراء يشكلون الأقلية في البلد، إذ يتفوق عليهم مناصرو أحمدي نجاد، بالتالي، حتى في حال إجراء انتخابات عادلة وإعادة تنظيم الديمقراطية الإيرانية كي يصبح الرئيس المُنتخَب القائد الأعلى الحقيقي للبلد، فإن ذلك لن يعني أن الحركة الخضراء هي التي ستستلم مقاليد الحكم.

أصبح تغيير النظام في إيران أحد أشهر البنود المطروحة في حملة المرشحين الجمهوريين في الولايات المتحدة، وهو على الأرجح أكثر شهرة من المرشحين أنفسهم، إذ يحظى هذا البند بتأييد ميت رومني وريك سانتوروم، حتى إن نيوت غينغريتش طرح خطة لتنفيذ ذلك: "يجب قطع إمدادات البنزين عن إيران ثم تخريب المصفاة الوحيدة التي يملكونها".

لا بد من الإشادة قليلاً بمواقف هؤلاء المرشحين: على الأقل هم لا يتوهمون مثل غيرهم بأن تنفيذ عمليات القصف خلال بضعة أيام سيكون كافياً لكبح برنامج إيران النووي، لكن لسوء الحظ، لا ترتكز الفكرة القائلة إن تغيير النظام سيحل المشكلة على أي وقائع ملموسة.

قد يظن البعض أن المغامرة التي دامت ثماني سنوات في العراق ستشكّك بمدى تأثير تغيير الأنظمة في المعايير السياسية الأميركية. فقد قام الأميركيون بإسقاط الحاكم الدكتاتوري وإنشاء حكومة في ذلك البلد، لكن سرعان ما طلب النظام الجديد من الأميركيين مغادرة العراق فوراً وعمد إلى التقرب من أحد أبرز خصوم الولايات المتحدة (إيران!).

ربما بدأ مؤيدو خيار تغيير النظام الإيراني يفكرون بأن هذه المرة ستكون مختلفة، فبحسب رأيهم، يرتفع عدد المثقفين في إيران وتبرز فئة من معارضي النظام الذين يميلون إلى تأييد الغرب (أي "الحركة الخضراء" الشهيرة التي تعرضت لحملة قمع وحشية وتنتظر استلام زمام الأمور على أن تحرص بعد ذلك على تنفيذ رغبات المجتمع الدولي).

هذا السيناريو مثير للاهتمام، لكن لا بد من التذكير ببعض الأحداث الماضية التي ستعقّد الوضع حتماً:

في أواخر عام 2009، توصل المفاوضون إلى اتفاق من شأنه تبديد التوتر السائد بسبب الملف النووي: كان يُفترض أن ترسل إيران اليورانيوم إلى الخارج لتعزيز تخصيبه ثم إعادته وهو بالشكل المناسب لاستعماله في القطاع الطبي وليس لتصنيع الأسلحة، إذ أبدى الرئيس أحمدي نجاد تأييده للاتفاق واعتبره "نصراً" لبلده، لكن سرعان ما رُفض الاتفاق من جانب بعض المحافظين الإيرانيين وحتى مير حسين موسوي، زعيم الحركة الخضراء "التقدمية"، فغيّر أحمدي نجاد لهجته سريعاً.

إن موقف موسوي الرافض ليس مفاجئاً بأي شكل، فوفق استطلاع رأي أُجري في تلك السنة، لا يختلف موقف أعضاء الحركة الخضراء عن توجه معظم الإيرانيين في الشأن النووي، وبعد أن بدأت العقوبات تلقي بثقلها على البلد ومع استعداد الغرب لفرض عقوبات إضافية، قال 78% من مناصري موسوي إن إيران "يجب ألا تتخلى عن نشاطاتها النووية بغض النظر عن الظروف القائمة".

لا شك أنهم لم يقصدوا بكلامهم تصنيع قنبلة نووية بل كانوا يعنون الحصول على برنامج للطاقة النووية، لكن فرض مجلس الأمن شرطاً مسبقاً لتعليق العقوبات وهو يقضي بأن تعلّق إيران جميع نشاطاتها المتعلقة بعمليات تخصيب ومعالجة اليورانيوم، لكن يبدو أنه الشرط الذي يرفضه الإيرانيون عموماً (من المنتمين إلى الحركة الخضراء وغيرهم). يسود إصرار وطني قوي في إيران على حق البلد بتخصيب اليورانيوم كجزء من برنامج خاص لتوليد الطاقة النووية، وفي المقابل، تبرز مقاومة مشابهة في أوساط مؤيدي خيار استعمال القوة لمنع إيران من تحقيق تلك الطموحات. بالتالي يمكن اعتبار أن أحد أسس تغيير النظام (أي أن يتماشى موقف أي حكومة ديمقراطية جديدة مع إرادة داعمي تغيير النظام) ليس مؤكداً حتى لو افترضنا أن الحركة الخضراء هي التي ستسيطر على هذه الحكومة الجديدة، كذلك، يترافق ذلك الافتراض مع مشكلتين شائكتين: (1) أشارت استطلاعات الرأي في عام 2009 إلى أن مناصري الحركة الخضراء يشكلون الأقلية في البلد، إذ يتفوق عليهم مناصرو أحمدي نجاد، بالتالي، حتى في حال إجراء انتخابات عادلة وإعادة تنظيم الديمقراطية الإيرانية كي يصبح الرئيس المُنتخَب القائد الأعلى الحقيقي للبلد، لن يعني ذلك أن الحركة الخضراء هي التي ستستلم مقاليد الحكم. (2) كيف يمكن ضمان انتخابات عادلة وإعادة تنظيم الديمقراطية الإيرانية في المقام الأول؟

في نهاية المطاف، عندما يحث البعض على تغيير النظام من خلال تشديد العقوبات إلى أقصى الحدود، لا يعني ذلك أنهم يستطيعون التحكم بمسار المرحلة الانتقالية. كتب رويل مارك جيريشت ومارك دوبوفيتس (هما من مؤيدي تغيير الأنظمة) عن احتمال تجدد ثورة ديمقراطية مضادة في بلاد الفرس بفضل العقوبات، فقد يحصل ذلك فعلاً، لكن يبدو أن الفرص متساوية بأن تحدث عملية انتقالية سلسة تمهيداً لإرساء ديمقراطية أفضل أو أن تندلع حرب أهلية تؤدي إلى مقتل الكثيرين.

(متى سيتعلم المحافظون الجدد- وحتى الليبراليون المؤيدون لاستعمال القوة- أن القادة الاستبداديين يملكون قواعد دعم واسعة تستفيد من حكمهم وستكون مستعدة للقتال نيابةً عنهم؟). بعد وقوع الحرب الأهلية، قد ينشأ حكم استبدادي أسوأ من الذي سبقه، وقد يشتعل الوضع في المنطقة كلها، فطالما نتكلم عن المعاناة الإنسانية، لا بد من التساؤل: ما حجم المآسي التي سيواجهها الأبرياء قبل أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى تغيير النظام؟

حتى في العراق، حيث كان مئات الآلاف من الجنود الميدانيين يستطيعون نظرياً التحكم بمسار الأمور، واجه الأميركيون في نهاية المطاف نظاماً يتحدى إرادتهم ويعتمد أسلوب "البلطجة"، ومع ذلك، هل يظن الأميركيون الآن أنهم يستطيعون تغيير النظام عن بُعد والتوصل إلى نهاية سعيدة؟ من الأفضل أن ندع الأمور تأخذ مجراها الطبيعي: إذا تركنا إيران تواجه مشاكلها الخاصة، فلن يتمكن النظام من التهرب إلى ما لا نهاية من قوة التكنولوجيا وغيرها من العوامل المؤثرة التي أدت إلى تأجيج أحداث الربيع العربي.

يقوم دعم سياسات تغيير الأنظمة على عاملين أساسيين يطبعان الحالة النفسية الوطنية العامة في الولايات المتحدة: التفاؤل الذي ينعكس في الافتراض القائل إن الديمقراطية ستترسخ بشكل سحري؛ والثقة العالية بالنفس التي تنعكس في الافتراض القائل إن الإرادة الأميركية هي أفضل ما يمكن أن يحصل للعالم، وإن الأشخاص المنطقيين في كل مكان سيدركون هذا الأمر لو سنحت لهم الفرصة.

لكن يبدو أن الإيرانيين على مختلف انتماءاتهم لا يدركون هذا الأمر بعد. لكن من يدري؟ قد يتقرب الإيرانيون من الأميركيين إذا قطعت الولايات المتحدة عنهم واردات البنزين وفجرّت مصفاتهم الوحيدة!

back to top