فريد شوقي... لقاء مع الدلوعة

نشر في 11-08-2011 | 22:01
آخر تحديث 11-08-2011 | 22:01
عرف فريد شوقي أن المعلم زيدان، أكبر تجار سوق «روض الفرج» للفاكهة والخضار، أقام دعوى قضائية مستعجلة لإيقاف عرض فيلم «الفتوة»، لأنه يشوّه صورته في السوق وأمام أسرته.

لم يجد محامي فريد شوقي ما يقوله أمام القاضي، فاستأذن فريد هيئة المحكمة ليقول كلمتين فحسب:

- يا حضرات القضاة... أنا على استعداد تام لتقبّل إيقاف عرض الفيلم... ومصادرته، وعلى استعداد لدخول السجن... إذا اعترف المعلم زيدان أمام عدالتكم الآن أنه هو نفسه شخصية «أبو زيد» اللي في الفيلم... لو اعترف فأنا أطلب من عدالتكم محاكمة هذا الرجل لأنه تلاعب بقوت الشعب، استغله أسوأ استغلال... وجمع ثروته من الرشوة والفساد من العهد البائد.

حاكموني يا حضرات القضاة... ولكن حاكموه أيضاً.

* إنت شايف يا زيدان إن الشخصية اللي في الفيلم بتتكلم عنك؟

- هو بيلمح وبيحاول يقول إن...

* إنت ولاّ مش إنت؟

- مش أنا يا سيادة القاضي.

* حكمت المحكمة برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصاريف وأتعاب المحاماة... رفعت الجلسة.

لم يكن الشكر الذي تلقاه فريد شوقي من الزعيم جمال عبد الناصر كافياً، بل فوجئ بأن اسمه على رأس قائمة المكرّمين في عيد العلم عام 1961.

في القاعة الكبرى في جامعة القاهرة، ووسط ما يزيد على ستة آلاف من الطلاب وأساتذة الجامعات والوزراء والفنانين والمثقفين، وقف الزعيم جمال عبد الناصر على منصة التكريم، إلى جواره وزير الإرشاد الدكتور عبد القادر حاتم ونادى مقدّم الحفلة:

- وسام الفنون للفنان القدير فريد شوقي.

ما إن صعد فريد ليصافح جمال عبد الناصر، حتى ضجّت القاعة بالتصفيق وانطلق الهتاف:

يعيش فريد شوقي... يعيش فريد شوقي.

ابتسم جمال عبد الناصر وقال لفريد:

* بص لجمهورك يا فريد وحييه.

- ما يصحش يا فندم... ميصحش أدي ضهري لحضرتك.

* لأ... يصح... إنت فنان كبير ومحبوب وجمهورك بيحبك... حيي جمهورك يا فريد.

كانت هدى سلطان تجلس بين صفوف الحضور، تهتف وتصفّق للفنان الكبير الذي نال تقدير رأس الدولة، غير أن ثمة شخصاً واحداً كان فريد يتمنى أن يكون إلى جواره على منصة التكريم في هذه اللحظة، هو الوالد محمد عبده شوقي، ليقول له إن جهوده وتربيته له لم يضيعا هباء وحقق ما كان يتمناه له وأكثر ولم يخيب ظنه ولا رجاءه، تمنى لو كان إلى جواره في هذه اللحظة أستاذه وصديقه ووالده ومرشده في الحياة.

ثمن الفرح

لم يكن فريد يعلم أن والده جمع العائلة والأصدقاء في منزله لمشاهدة نجله وزعيم الأمة يكرّمه، عبر الاختراع الجديد: جهاز التلفزيون، وما إن نطق مقدّم الحفلة اسم الفنان الكبير فريد شوقي وصعد فريد وتسلّم الوسام وحيا الحضور، حتى هبّ الأب واقفاً يصفق بحرارة... يضحك... ويبكي... يصرخ في المحيطين به:

* الزعيم عبد الناصر بيكرم فريد ابني... ده ابني... ابني فريد بقى أكبر فنان في مصر... لا... في الوطن العربي كله... شايفين... فريد... أنا كنت عارف إن هييجي يوم وده يحصل... فريد شوقي أهه... الدنيا كلها بتكرمه.

ظلّ الرجل يصفّق ويضحك ويبكي في مشاعر متناقضة ومتلاحقة حتى سقط من شدة الفرح مصاباً بالشلل الذي ترك أثراً رعاشاً على يديه، غير أنه لم يبال بما ألمّ به وشعر بأنه يحلّق في السماء عالياً، فخراً وزهواً بابنه، لدرجة أنه لم يعد يشعر بألم في جسمه بمجرد أن شاهد فريد يقف أمامه يقبّل يديه وقدميه، ويرتمي في أحضانه ويضع الوسام الذي تسلّمه على صدره... لأنه أحقّ به.

قفز اسم فريد شوقي، ليتقدّم أسماء جيله والأجيال السابقة عليه في أفيشات الأفلام، حتى لو لم يكن هو البطل الأول في الفيلم، إلا أن اسمه أصبح علامة تجارية رابحة يتصارع عليه المنتجون والموزعون، فعمل مع كبار المخرجين وقدم: «العملاق» إخراج محمود ذوالفقار، «نداء العشاق» إخراج يوسف شاهين، «بداية ونهاية» إخراج صلاح أبو سيف، «النصاب» و»دماء على النيل» مع نيازي مصطفى.

تهافت عليه كبار كتّاب السيناريو، لدرجة أنه لم يعد ثمة مكان في منزله يخلو من سيناريوهات أرسلها أصحابها طمعاً في أن يؤدي فريد بطولتها أو ينتجها، فقد أصبح اسمه كمنتج لا يقل أهمية عنه كممثل.

وقعت عينا هدى سلطان على سيناريو فيلم «امرأة في الطريق» فقرأته وطارت فرحاً به وألحّت على فريد أن ينتجه ويشاركها بطولته، غير أنه كان يفكر في فيلم آخر يتمنى تقديمه، وصرّح للصحف بأنه يستعد لأداء بطولة فيلم «صلاح الدين الأيوبي»، فكتب الكاتب الصحافي حلمي سلام مقالاً هاجم فيه فريد شوقي بعنف وقال:

«كيف لفريد شوقي الذي قدم بالأمس دور «الجلف» في فيلم «الفتوّة» أن يجسّد شخصية البطل العربي «صلاح الدين الأيوبي»؟!

أُحبط فريد شوقي من هذا النقد العنيف، وكان لهذا الكلام تأثير كبير عليه، فاستبعد بشكل موقت فيلم «صلاح الدين الأيوبي»، إلا أنه قرّر أن يردّ على انتقاد هذا الكاتب بعمل تاريخي، فوافق على أداء دور «بلطاي» في فيلم «وا إسلاماه» أمام أحمد مظهر، الذي أدى دور البطولة، وأخرجه أندرو مارتن.

زوج غيور

نجاح فريد شوقي في هذا الفيلم شجّعه على تقديم هذه النوعية من أفلام البطولات التاريخية، فتعاقد مع المخرج نيازي مصطفى على تقديم «عنترة بن شداد» وشاركته البطولة الفنانة «كوكا» زوجة المخرج، فحقق نجاحاً منقطع النظير، غير أن هدى سلطان ألحّت على تقديم «امرأة في الطريق»، وأمام إصرارها وافق فريد على إنتاجه ومنح الفرصة للفنان رشدي أباظة ليكون البطل أمامها.

ما إن عرض الفيلم حتى راحت الصحف تكتب عن المشاهد المثيرة التي جمعت بين هدى سلطان ورشدي أباظة ضمن أحداثه، فشعر فريد للمرة الأولى ـ على رغم كونه فناناً ويعرف طبيعة عمل الفنان ـ بالغيرة تدبّ في قلبه، ليس من نجاح رشدي أباظة في الدور، بل كزوج غيور على زوجته، في وقت كان بدأ التحضير لفيلم «جوز مراتي»، ولم يختر هدى سلطان لتشاركه البطولة:

* إنت بتقولي إيه؟ مش صحيح... أنا أنتجت لك «امرأة في الطريق» لأني مؤمن بيك كممثلة عندك موهبة كبيرة... لكن محدش هيصدقنا لو عملنا مع بعض «جوز مراتي».

- ليه... هو أنا مش مطربة زي صباح؟

* المسألة مش إنها مطربة أو لا... المسألة لها علاقة بالصدق الفني على الشاشة

- أنا معنديش صدق فني؟

* يا حبيبتي... الناس مش هتصدق حكاية الطلاق تلات مرات والمحلل لأن الناس عارفه إننا متجوزين وسعدا والحمد لله... الناس لازم تصدق الفنان متحسش إنه بيضحك عليها.

لم تقتنع هدى سلطان بما قاله فريد شوقي، لكنها تجاوزت الموقف ولم تتوقف عنده طويلاً، وراحت تقبل ما يعرض عليها بعيداً عنه، سواء كمنتج أو ممثل، فقدمت: «صائدة الرجال»، «نهاية الطريق»، «الغجرية»، «العاشقة»، «زوجة من الشارع»، «سر امرأة»...

الأمر نفسه فعله فريد، من دون أن يثير ذلك حساسية أي منهما، فقدم: «الحاقد» مع سميرة أحمد، «الرجل الثعلب» مع ريري، «أنا الهارب» مع زهرة العلا، «النشال» مع شويكار، «رابعة العدوية» مع نبيلة عبيد، «المصيدة» مع عايدة هلال، «بطل للنهاية» مع ليلى طاهر...

الوحش الرقيق

رافق فريد في هذه الأفلام وفي غيرها الفنان القدير محمود المليجي الذي أصبح يلازمه بأمر الجمهور وبحبّ كبير من فريد لهذا العملاق الذي كاد أن يقتله بطريق الخطأ، لولا عناية الله.

ففي أحد مشاهد فيلم «بطل للنهاية» كان يفترض أن يطلق فريد النار من مسدسه على رئيس العصابة محمود المليجي، وقد اعتاد فريد، منذ بدأ العمل في السينما وتطلب الدور إطلاق الرصاص، أن يفحص بنفسه المسدس والتأكد من خلوّه من الرصاص الحقيقي، منذ حادث زميله في المدرسة الذي تسبب في قتل زميل له أثناء اللعب، غير أنه في هذا اليوم، وبفعل العجلة، نسي أن يقوم بذلك ودارت الكاميرا، وأطلق فريد الرصاص على رئيس العصابة محمود المليجي، وشاءت الصدفة أن يكون محشواً برصاص حقيقي لم يتم إفراغه قبل بدء التصوير، وخرجت الرصاصة ومرّت قرب وجه المليجي فأخطأته وأصابت الحائط... تأكد فريد أن الرصاصة حقيقية... ولم يتمالك نفسه فسقط مغشياً عليه، بينما وقف محمود المليجي مبتسماً من الموقف، لم يهب الموت الذي كان على قاب قوسين أو أدنى منه، بل وقف صلباً شجاعاًَ.. وسارع إلى نجدة فريد قائلاً:

* مكنتش أعرف إن وحش الشاشة قلبه ضعيف قوي كده... قوم يا أخينا كسفتنا... يغمى عليك من حتة رصاصة ملهاش لازمة؟!

وسط هذه النجاحات المتتالية رنّ جرس الهاتف فجأة، كانت المتحدثة منى ابنة فريد من زوجته الأولى، تبكي بانهيار:

* الحقني يا بابا... ماما ماتت.

ماتت زينب عبد الهادي، أول حبّ وأول زوجة لفريد شوقي، التهمها المرض اللعين وهي لا تزال في ريعان الشباب، ماتت وهي محافظة على حبّ فريد في قلبها، فعلى رغم مرور 15 عاماً على فراقهما، إلا أنها أبت أن تتزوّج بعده وكرّست نفسها لتربية ابنتها وأغلقت قلبها على حبّ فريد.

حزن فريد كثيراً لموت زينب ولم يعد يستطيع الابتعاد عن ابنته منى لحظة واحدة، فطلب منها أن تعيش معه وانتقلت العائلة إلى الفيلا الجديدة التي بناها في منطقة العجوزة في الجيزة، وسط ترحيب هدى سلطان لتنضم إلى شقيقتيها ناهد ومها، ومعهن نبيلة ابنة هدى.

القرار الصعب

لاحظ فريد أن البنات يكبرن وأصبحن في مرحلة حساسة، ولم يعد مقبولاً أن يظل وهدى بعيدين عنهن، فقرر مفاتحة هدى في أمر مصيري وهو يخشى ردة فعلها كفنانة:

* هدى... كنت عاوز أكلمك في موضوع مهمّ هتتوقف عليه حاجات كتير مهمة في حياتنا.

- خير يا فريد قلقتني.

* لا خير... كنت عاوز أقولك يعني انت عارفه أنا بحبك قد إيه... وبقدرك كفنانة كبيرة لها اسمها.. لكن أنا شايف...

- شايف إيه؟... ما تتكلم دوغري يا فريد.

* شايف يعني انك تتفرغي شويه للبيت وللبنات... البنات دلوقت في سن حرجة... ومرحلة مهمة محتاجين فيها لأم مش لداده.

- انت بتقول إيه يا فريد... عاوزني أسيب شغلي؟

* أنا مقلتش كده بالظبط... أنا كنت عاوزك بس تتفرغي شوية للبنات.

- بس أنا مش مقصّره... وبعدين أنا عندي ارتباطات.

* ملكيش دعوة... أنا هخلصلك كل حاجة... وبعدين هعوضك يا ستي... هديكي كل شهر خمسميت جنيه لك وحدك تحطيهم في حسابك بالبنك بعيداً عن مصاريف البيت.

- أيوه بس المسألة مش مجرد فلوس.

* وكمان أوعدك بشرف أمي... لما يكون فيه دور حلو ومرسوم عليك هنتجه علشانك فورا من غير كلام.

اقتنعت هدى بكلام فريد وبدأت بالفعل تفاضل وتفكّر طويلاً في كل دور يعرض عليها، وأصبح حضورها في البيت أكثر من السابق، حتى فريد نفسه بدأ يفكر كثيراً في كل دور يعرض عليه وأصبح يمضي غالبية أوقاته في البيت بين زوجته وبناته.

مسرح الريحاني

رنّ جرس الهاتف، ردّ فريد شوقي، كان الطرف الثاني بديع خيري، الشريك المتبقي بعد رحيل شريكه وبطل فرقته نجيب الريحاني، بل وبعد رحيل بطلها الثاني نجله عادل خيري، طلب من فريد أن يحضر في اليوم التالي لمقابلته في المسرح، وعلى رغم دهشة فريد، إلا أنه لم يكن أمامه سوى أن يلبي من دون مناقشة أو معرفة السبب، غير أن دهشته زادت وتضاعفت عندما ذهب في الموعد والتقى بديع خيري:

- أنا... انت بتقول إيه يا أستاذ بديع... انت بتكلم فريد شوقي... اللي الناس لما بتقرا اسمه بتتوقع إنها هتشوف ضرب ومعارك وعصابات... يعني ممكن يموتوا من الخوف... لكن مش ممكن يموتوا من الضحك!

- بس أنا واثق من نجاحك... والا انت معندكش ثقة في خبرة السنين دي كلها؟

- إزاي يا أستاذ بديع أنا ثقتي فيك ملهاش حدود... بس أنا خايف تكون دي نهاية الفرقة لأن الناس هتدخل علشان تشوف فريد شوقي اللي بيضرب مش اللي بيضحك.

- يا فريد إنت فنان كبير وممثل... مش مجرد نجم... إنت راجل دارس وخريج معهد التمثيل... يعني أي دور ممكن تعمله بسهولة.

- أنا صحيح خريج معهد المسرح بس بقالي سنين طويلة بعيد عن المسرح... وعايزني لما أرجع أرجع أقف مكان نجيب الريحاني وعلى مسرحه؟

- مش هتفرق.

- أيوه... بس ممكن تقولي أطلع خللي الناس تعيط... خليهم يصقفولك على ضرب في خناقة... مش اطلع ضحكهم...

- خللي عندك ثقة في كلامي... واتوكل على الله

سقطت مخاوف فريد شوقي، وصدق حدس بديع خيري، إذ حقّق «وحش الشاشة» نجاحاً غير عادي على خشبة مسرح الريحاني، فأعاد إلى الفرقة جمهورها بمساعدة نجمة مسرح الريحاني الأولى ماري منيب، وتوالى «ربرتوار» مسرحيات الريحاني بطولة فريد شوقي، وشجعه هذا النجاح على أن يقوم بجولة مع الفرقة ليقدم عروضها في دول عربية، حتى كانت المحطة الأخيرة في بيروت، وبينما كانت تستعدّ الفرقة لتقديم آخر عرض لها والعودة إلى مصر في 5 يونيو (حزيران) 1967، إذا بخبر ينزل كالصاعقة على رؤوس الجميع:

- إسرائيل تشنّ هجوماً برياً وجوياً على مصر وسوريا.

أسقط في يد الجميع، كارثة بكل المقاييس، لا أحد يعرف حقيقة الأمر وإلى أي مدى وصلت الحرب، وهل ما يسمعونه عبر الإذاعات العربية عن تقدّم مصر وسوريا هو الحقيقة، أم ما يبث في الإذاعات الغربية عن التفوق العسكري لإسرائيل وكسب الحرب؟!

تأكد فريد شوقي من حقيقة الموقف عندما عاد إلى مصر مع الفرقة، وسمع خطاب التنحي للزعيم جمال عبد الناصر. بكى طويلاً وخرج إلى الشارع يهتف مع جموع الشعب مطالباً جمال عبد الناصر بالبقاء.

أصيبت أشكال الحياة في مصر بالشلل، غير أن الانفراج بدأ يأتي مع أخبار بطولات الجيش المصري في حرب الاستنزاف، إلا أن الحياة الفنية بقيت متوقفة. قرر فريد العودة ثانية إلى المسرح، وبدأ الاستعداد لتقديم مسرحية «الدلوعة» تأليف نجيب الريحاني وبديع خيري، مع المخرج حافظ أمين الذي اختار الفنانة الشابة نيللي لتشارك فريد شوقي البطولة، ومعهما ماري منيب وأبو بكر عزت وبقية أفراد فرقة الريحاني.

الزائرة البيضاء

حقّقت المسرحية نجاحاً كبيراً، لدرجة أن الجمهور كان ينتظر خروج فريد بعد انتهاء المسرحية ليهتف له ويحييه وهو يغادر المسرح، لكن في تلك الليلة تحديداً، دخل «عم مجانس» (ما زال موجوداً منذ عهد الريحاني) ليخبر فريد أن إحدى المعجبات تريد أن تلتقي به وتصافحه، فوافق فريد وسمح لها بالدخول إلى غرفته.

فتاة فارعة الطول، ممشوقة القوام، شديدة البياض، وزادت على بياضها تلك الملابس السوداء التي ترتديها:

* مساء الخير أستاذ فريد.

- أهلا أهلا... اتفضلي يا فندم... أهلا وسهلا.

* أستاذ فريد أنا من أشد المعجبين بحضرتك... متعرفش إنت إيه بالنسبة لي.

- يا فندم أخجلتم تواضعنا والله.

* دي حقيقة مش مجاملة... مفيش فيلم لحضرتك نزل السينما مشفتهوش... بس الحقيقة أول مرة أعرف إن حضرتك بتعمل مسرح... أول ماشفت إعلانات المسرحية في الشوارع جيت على طول أنا وأخواتي نشوفها.

- ده شرف عظيم يا فندم.

* بس أنا عندي رأي في الكام فيلم اللي حضرتك قدمتهم في الفترة الأخيرة.

- أوي أوي.. ياريت اسمع ده هيسعدني جداً.

* ماظنش إن رأيي في الأفلام دي هيسعدك... ده ممكن يخليك تطردني من الأوضة.

- استغفر الله مش ممكن... بالعكس... أنا أحب أسمع النقد قبل المدح ده مفيد جداً للفنان.

* أيوه بس ليه بتتنازل وبتقدم حاجات كده يعني... بحس إنك إنت نفسك مش راضي عنها.

- طبعا هو الجمهور دايما على حق... بس اللي ميعرفوش الجمهور إن فيه حاجات كتير بتحكم شغل الفنان... وأحيانا بتدفعه إنه يعمل حاجات هو مش راضي عنها وبيكون مضطر يعملها.

* على كل... أنا بحب حضرتك... أقصد بحب كل أدوارك مهما كانت.. ويا ريت لو تسمحلي بصورة عليها توقيعك.

- أرجوك تقبليها... بس أنا بديهاليك وقلبي بيتقطع.

* لا خلاص أنا آسفه... لو مفيش غيرها خليها

- لا أنا قلبي بيتقطع لأني بحسد الصورة إنها هتفضل معاكي.

خرجت الفتاة البيضاء، غير أنها تركت طيفها إلى جوار فريد شوقي، وتركت الكثير من التساؤلات، لدرجة أنه نسي أن يسألها عن اسمها، ومن هي؟ وهل هي مجرد معجبة من آلاف، بل ملايين المعجبات أم وراءها حكاية؟

لم يقف فريد طويلاً أمام هذه التساؤلات، وترك الأيام تجيب عنها... إذا ما توافرت ضرورة للإجابة، وعاد لتقديم الفصل الثاني، غير أنه هذه المرة بدأ يركز على مكان المعجبة البيضاء، ويلاحظ ما إذا كانت تضحك أم لا، وإذا كان أداؤه يسعدها أم لا؟

شعر فريد بأنه مرتبك... كأنه يمثل للمرة الأولى... ماذا حدث؟ ما هذا الإحساس الغريب الذي ينتابني؟!

البقية في الحلقة المقبلة

back to top