وجهة نظر : ظاهرة الكوادر والبدلات

نشر في 09-10-2011
آخر تحديث 09-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. عباس المجرن يشكل التزايد السريع في مخصصات الإنفاق الجاري في الميزانية العامة الذي يستأثر بنصيب الأسد من إجمالي المصروفات ظاهرة مرضية، قد تتحول إلى قنبلة موقوتة ما لم تقف الجهات المسؤولة في الدولة وقفة جادة تعيد فيها حساباتها تجاه هذه الظاهرة التي قد تخرج عن نطاق السيطرة، بسبب دخول مخصصات الباب الأول، أي المرتبات، ضمن دائرة المساومات السياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

إن عدم القيام بضبط مستويات الإنفاق الجاري بما يضمن تحقيق التوازن بين التكلفة والعائد ينذر بدخول الكويت حلقة مفرغة من المطالبات المستمرة بزيادة الرواتب والأجور واستحداث الكوادر وتعديلها على نحو متكرر. إن أي تعديل في وضع قائم بغرض توفير مخصصات أكثر عدالة لفئة ما من فئات الموظفين في الدولة لابد أن يترتب عليه إلحاق ضرر نسبي متباين بأوضاع الفئات الأخرى في الدولة، وليس أدل على ذلك من الشرارة التي أشعلتها موافقة مجلس الخدمة المدنية، في مطلع سبتمبر الماضي، على منح العاملين في القطاع النفطي زيادات في الرواتب والبدلات.

إن الحكومة المركزية -أية حكومة- أو أي جهة مركزية ممثلة لها تتولى النظر في المخصصات المالية لموظفي الدولة -أي مجلس الخدمة المدنية في حالة الكويت- لا يمكن لها أن تضع نظاماً كفؤاً لتوزيع مخصصات الرواتب والمزايا بما يضمن تحقيق الاستقرار الاقتصادي، لأنها أي هذه الجهة المركزية لا يمكن لها أن تدرك خصوصيات وأعباء كل الوظائف العامة لكي تعدل في ما بينها في توزيع المخصصات، وأن النظام الأكفأ في إدارة الموارد الاقتصادية وتوزيع المخصصات المالية من رواتب وأجور وبدلات لا يمكن أن يكون إلا نظاماً لا مركزي، لأنه الأقدر من غيره من النظم على القيام بوظيفة تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة وعدالة.

ويجمع الاقتصاديون على أنه كلما كان تخصيص وتوزيع الرواتب والبدلات لا مركزياً كان ذلك أقرب إلى معرفة استحقاقات الأفراد ومن ثم إشباع رغباتهم.

إن أي جهة مركزية لا يمكن لها أن تملك أدوات فعلية لقياس الأداء في قطاع عام يتميز بضخامة حجمه، كما تتصف أنشطته بالتشعب ووظائفه بالتنوع، فضلاً عن اتسامه بوجود نسبة عالية من البطالة المقنعة وانخفاض متوسط إنتاجية العمل في بعض المواقع أو الوظائف الحكومية، مقابل زيادة أعباء وضغوط وجهد العمل في مواقع ووظائف حكومية أخرى، إضافة إلى عدم تفعيل أنظمة شفافة للرقابة والمحاسبة. ولاشك في أن من شأن كل ذلك أن يفقد مسطرة الخدمة المدنية قدرتها على التعامل العادل والمتوازن مع مسألة مطالبات الكوادر ومخصصات الرواتب والبدلات.

إن العدالة في توزيع المخصصات تتطلب وجود جهاز قادر على معرفة الأداء الحقيقي للعاملين في الجهات الحكومية والملحقة والمستقلة، وقادر على تفعيل المادة (24) من قانون الخدمة المدنية التي تنص على أن يقوم كل موظف بالعمل المنوط به، وأن يؤديه بأمانة وإتقان، وأن يعامل المواطنين معاملة لائقة، وأن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته، وأن ينفذ ما يصدر إليه من تعليمات بدقة وأمانة.

إن تفرغ مجلس الخدمة المدنية لوظيفته الرقابية العامة، وإناطة صلاحيات تخصيص الموارد في الأجهزة الحكومية المختلفة بسلطات لامركزية، تحكمها قواعد واضحة وصارمة تربط التعيين في الوظائف العامة بوجود شواغر حقيقية، مع الالتزام بأنظمة شفافة لتقييم الأداء، وربط الزيادات والبدلات بنتائج هذا التقييم، يشكل أحد المداخل الحقيقية للخروج من هذه الحلقة المفرغة.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت

back to top