"الجريدة" تنشر مذكرة الحكومة بطلب تفسير "المواد" الواردة باستجواب المحمد
تنشر الجريدة مذكرة الحكومة المقدمة للمحكمة الدستورية فيما يخص استجواب رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد المقدم من قبل النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري، والتي ترافع بها ممثلين عن الحكومة في ثاني جلسات المحكمة للنظر في الطلب، وعليه فإن المحكمة حجزت القضية لاصدار حكما بها في 16 اكتوبر المقبل وقبيل بدء دور الانعقاد.
وفيما يلي نص المذكرالمحكمة الدستوريةمذكرة بالرأيمقدمة من :السيد / وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء بصفتهفي طلب التفسير رقم 10 لسنة 2011 جلسة 19/6/2011وقائع الطلبنلتمس الرجوع لأصل صحيفة الطلب تجاوزاً للإطالة ودفعاً للتكرار.ونضيف إليها أن ممثلي مجلس الأمة النائب/ عبد الله يوسف الرومي والنائب/ حسين ناصر الحريتي ، قدما بجلسة 30/5/2011 مذكرة برأي مجلس الأمة في طلب التفسير المعروض وحاصله ما يلي :أولاً : الدفع بعدم اختصاص المحكمة بطلب التفسير:وذلك على سند بأن المحكمة الموقرة سبق وأن تصدت لطلبات التفسير وقررت باختصاصها بنظرها استناداً لنص المادة (173) من الدستور الذي يتعلق باختصاص المحكمة بالفصل في المنازعات الدستورية وذلك في طلب التفسير رقم (3) لسنة 1986 وطلب التفسير رقم (8) لسنة 2004 ، وأن ما قررته المحكمة في هذا الشأن لا يعد سابقة أو حكماً قضائياً استنفد طرق الطعن وإنما مجرد رأي يجوز العدول عنه ، وأن المقصود بالتفسير وفقاً للمادة (173) وما جاء بالمذكرة التفسيرية بشأن هذه المادة يتعلق بتفسير نصوص الدستور لدى نظرها للطعون بعدم دستورية القوانين واللوائح وأن القول بغير ذلك يعد توسعاً بغير نص مما يشكل تنقيحاً للدستور يأتي على خلاف ما نصت عليه المادة (174) من الدستور التي خولت هذا الاختصاص لسمو الأمير وثلث أعضاء مجلس الأمة ويخالف نص المادة (50) من الدستور التي أقرت مبدأ الفصل بين السلطات ويخالف نص المادة (51) منه التي تنص على أن السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة ، وأن اختصاص المحكمة بتفسير وتنقيح الدستور مؤداه سلب اختصاص سمو الأمير وأعضاء مجلس الأمة ، وخلص الرأي إلى عدم اختصاص المحكمة بالفصل في طلب التفسير .ثانياً : الدفع بعدم قبول طلب التفسير على أسباب حاصلها ما يلي:1 - بالنسبة للسؤال عن مدى جواز طرح استجواب لرئيس مجلس الوزراء عن أعمال سابقة على توليه رئاسة مجلس الوزراء في التشكيل الحالي للوزارة ، وأن هذا السؤال أجاب عنه قرار المحكمة الموقرة في طلب التفسير الصادر بجلسة 9/10/2006 رقم (8) لسنة 2004 " تفسير دستوري " بأن الاختصاص الزمني مقتضاه أن تكون الأعمال والتصرفات المراد استجواب الوزير عنها يجب أن تكون قد صدرت منه أو من أحد تابعيه خلال فترة ولايته للوزارة والتي تنتهي بانتهاء عمله بها وزوال صفته الوزارية وأن ما يسري على الوزير يسري أيضاً على رئيس مجلس الوزراء .2 - بالنسبة للسؤال الثاني بشأن تفسير المواد ( 100 ، 123 ، 127 ) من الدستور وما إذا كانت تعني توجيه السؤال أو الاستجواب ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل أو بعض الأعمال والتصرفات الداخلة في نطاق اختصاصات وزارات أخرى ، وقد أجاب عن هذا السؤال قرار المحكمة الموقرة في طلب التفسير رقم (8) لسنة 2004 سالف الذكر بأن مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء التضامنية تكون عن المسائل المتعلقة بالسياسة العامة للدولة وأن مسئولية الوزير تكون عن الأمور الداخلة في اختصاصاته وأعمال وزارته وتنفيذه للسياسة العامة منها واتجاهات الوزارة والإشراف على تنفيذها .واستطرد دفاع مجلس الأمة بنفي التفرقة بين "السياسة العامة للدولة " و"السياسة العامة للحكومة".3 - أن التفسير الذي تنتهي إليه المحكمة الموقرة يسري على مختلف الاستجوابات التي توجه إلى الوزراء وإلى رئيس مجلس الوزراء وأن الأسئلة التي طرحت على المحكمة في طلب التفسير رقم 8/2004 هي ذاتها المطروحة بموجب الطلب الماثل بحسبان أن المسئولية السياسية إنما تقع بصفة أساسية على عاتق الوزراء فرادى – كل عن أعمال وزارته – بخلاف مسئولية رئيس مجلس الوزراء عن السياسة العامة للحكومة والإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة ، وأن الغرض من طلب التفسير يهدف إلى بيان الحكم الدستوري للوقائع والموضوعات محل الاستجواب بالمخالفة لما استقرت عليه المحكمة بأنها لا تتطرق إلى تطبيق النصوص الدستورية على الوقائع محل البحث .4 - أن تفسير المحكمة الموقرة لنص دستوري سبق لها تفسيره مشروط بأن يكون الطلب الجديد على ضوء مواد لم يسبق للحكم السابق للمحكمة أن تعرض لها في قضائه وهو ما يفتقر إليه الطلب المعروض ويضحي غير مقبول.رأي مجلس الوزراءأولاً : اختصاص المحكمة الدستورية بتفسير نصوص الدستور والقوانين الأساسية المكملة للدستور :اختصاص المحكمة الدستورية بتفسير نصوص الدستور :وقد كشفت المحكمة الدستورية عن هذا المبدأ بقولها :إذ كان تفسير النص الدستوري قد أسند للمحكمة الدستورية بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 14 سنة 1973 بإنشائها وقد صدر ذلك القانون ، بما تضمنه من أحكام إعمالاً لنص المادة (173) من الدستور والواضح مما ساقته المذكرة التفسيرية للدستور ، عن تلك المادة أنها أرادت أن تكون المحكمة الدستورية هي الجهة التي يوكل إليها أمر تفسير نصوص الوثيقة الدستورية على نحو ملزم ، يقضى على كل خلاف في الرأي حول تفسير قاعدة دستورية معينة ، وإذ كان ذلك فيكون المشرع الدستوري هو الذي جعل المحكمة الدستورية المختصة وحدها بتفسير نصوص الدستور والقوانين الأساسية ، ولم يكن ذلك من صنع قانون إنشاء المحكمة .[ راجع قرارها في الطلب رقم 1/1985 تفسير بجلسة 29/6/1985 ]كما أكدت المحكمة على اختصاصها بتفسير القوانين الأساسية المكملة للدستور بقولها :تنص المادة (17) من الدستور على أن : يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت والسؤال والاستجواب وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ، واستناداً لهذا التفويض الدستوري وضع مجلس الأمة اللائحة الداخلية الصادرة بالقانون رقم 12/63 والتي تضمنت نظام سير العمل بالمجلس وأصول المناقشة والتصويت الذي يشمل في معناه ويندرج تحت مفهومه التصويت عامة – ما عدا ما هو منصوص عليه على وجه الخصوص – سواء كان تصويتاً لانتخاب رئيس المجلس أو تصويتاً على مشروع قانون أو قرار ، فضلاً عن تحديد أسلوب التصويت سواء كان اقتراعاً سرياً أو علنياً ، وإذ كانت تلك اللائحة صادرة استناداً إلى ذلك التفويض الدستوري فقد أضحت مكملة لأحكام الدستور في خصوص وظيفة المجلس التشريعية وسائر صلاحياته الدستورية وتغدو وثيقة ذات طبيعة دستورية تأخذ حكم القوانين الأساسية وذلك في حدود التفويض الدستوري .[ راجع قرارها في الطلب رقم 26/96 تفسير بجلسة 8/1/1997 ]وهذا النظام الذي سار عليه المشرع الكويتي لم يكن بدعة أو مستحدثاً إذ أن المشرع الدستوري الأردني بالمملكة الأردنية الهاشمية قد نص بالمادة (57) من الدستور على إنشاء هيئة خولها المشرع وحدها دون غيرها تفسير نصوص الدستور وهي المجلس العالي لتفسير الدستور حيث تنص المادة (122) منه على أن : " للمجلس العالي المنصوص عليه في المادة (57) حق تفسير أحكام الدستور إذا طلب إليه ذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء أو بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأكثرية المطلقة ، ويكون نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية "ويبين من النص المشار إليه أن التفسير الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور يتمتع بالإلزام بنص الدستور فور نشره بالجريدة الرسمية .والجدير بالذكر أن المجلس المذكور يختص أيضاً – طبقاً للمادة (55) من الدستور بمحاكمة الوزراء عما ينسب إليهم من جرائم ارتكبت أثناء أو بسبب تأدية وظائفهم ، ويتألف المجلس العالي من رئيس مجلس الأعيان رئيساً ومن ثمانية أعضاء ثلاثة منهم يعينهم مجلس الأعيان من أعضائه بالاقتراع وخمسة من قضاة أعلى محكمة نظامية بترتيب الأقدمية ، وعند الضرورة يستكمل العدد من رؤساء المحاكم التي تليها بترتيب الأقدمية أيضاً وتصدر الأحكام وقرارات التفســير من المجلس العالي بأغلبية ستة أصوات وذلك طبقاً لأحكام المادتين (57 ، 59 ) من الدستور .ولا ينال من ذلك القول بقصر اختصاص المحكمة الموقرة على التصدي لدستورية القوانين دون التصدي لتفسير نصوص الدستور في غير أحوال الطعن على دسـتورية القوانين يعد تنقيحاً للدستور بالمخالفة لنصوص المواد ( 173 و 174 و 50 ) من الدستور .هذا القول مردود عليه بأن المحكمة الموقرة سبق وأن تصدت بالحجج الدستورية الداحضة لهذا الرأي فإننا نود أن نضيف في هذا الشأن أن التفسير لنصوص الدستور لا يختلط بالتنقيح أو التعديل لأحكامه ، فالتفسير سواء طبقاً لمدرسة التزام النص ( مدرسة الشرح على المتون ) أو طبقاً للمدرسة الاجتماعية في التفسير ( مدرسة التطور التاريخي) أو طبقاً لمنهج مدرسة البحث العلمي الحر ( المدرسة العلمية ) فإن تعديل النص يخرج من إطار مفهوم التفسير الذي يقتصر على بيان المعنى الصحيح للقاعدة الدستورية أو القانونية وما تستهدفه أحكامها من مقاصد وبيان حدود تطبيق النص ، أي تحديد المعنى الحقيقي والصحيح الذي تتضمنه القاعدة الدستورية وتعيين نطاقها حتى يمكن الاستدلال على ما تتضمنه القاعدة وحتى يمكن للمخاطبين مطابقتها على الظروف الواقعية التي يثار بصددها تطبيق هذه القاعدة وذلك من خلال التعرف من ألفاظ النص أو فحواه على حقيقة الحكم الذي تتضمنه القاعدة الدستورية بحيث تتضح منه حدود الحالة الواقعية التي وضعت القاعدة من أجلها وذلك بتوضيح إبهام النص وتخريج الفروع على الأصول سواء بالقياس أو الرجوع للنص وإزالة شبهة التعارض مع غيره من النصوص الدستورية الأخرى والتوفيق فيما بينها سواء بتخصيص العام وتقييد للمطلق توصلاً لإزالة الخلاف حول معنى النص .فاختصاص المحكمة بالتفسير يقتصر على إيضاح مقصود الشارع وغايته من الحكم الوارد بالنص ، أما الاختصاص بدعاوي دستورية القوانين فإن الوقائع تسبق التصدي للنص الدستوري وذلك بالتصدي للتطبيق لأحكام الدستور من خلال التفسير الذي يعد مجرد وسيلة لبلوغ غاية وهي تطبيق النص الدستوري على واقعة معينة هو النص التشريعي المطعون على دستوريته ، بخلاف الحال في طلبات التفسير التي تقتصر على بيان مقصود الشارع الدستوري دون تطبيقه على الوقائع التي أثارت الخلاف حول تطبيقه .واشتراط وجود حالة واقعية حقيقية تبرز الخلاف أو الغموض للنص الدستوري هو أمر منطقي لتمييز التفسير الفقهي عن التفسير القضائي فالتفسير الفقهي المنوط بفقهاء القانون الدستوري هو التفسير العام المطلق بغير مناسبة وعن واقعة قد تكون موجودة أو غير موجودة وقد تكون متوقعة أو غير متوقعة ، وقد يوجد سائل يسأل عنها وقد لا يوجـد ، وهو ذات منهج ( مدرسة الآرائيتين ) التي كانت تفترض الوقائع لابتــداع حكم لها بالقول: ( أرأيت لو حدث كذا لكان حكمها كذا ... ) ، والحكم الذي يتوصل إليه الفقيه في هذه الأحوال مجرد رأي غير ملزم للسائل .أما التفسير القضائي للنص الدستوري من المحكمة الدستورية فهو يسمى (التفسير المخصوص ) أي بذل الوسع في استنباط حكم الدستور لنص معين بمناسبة واقعة مختلف على خضوعها أو عدم خضوعها للنص المراد تفسيره ، ومن ثم فهو ليس تفسيراً مجرداً أو مطلقاً ، ومن هنا تأتي الصفة الإلزامية للتفسير الدستوري للمخاطبين بالنص وهما الحكومة ومجلس الأمة في الواقعة المختلف عليها والتي يقتصر دور المحكمة على إيجاد الحكم الدستوري بشأنها دون أن يمتد عملها إلى تطبيقه عليها بحسبان ذلك يخرج عن اختصاصها ، إذ يقف دورها عند الكشف عن حكم الدستور فيما شجر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من نزاع أو خلف أو خلاف في تفسير النص الدستوري بحسبانه المرجع والفيصل الذي تخضع له كافة سلطات الدولة وتلتزم أحكامه بحسبانه المظلة التي يستظل بها الجميع ، وإذا كانت السلطة تحد السلطة كما يقول الفقيه ( مونتسكيو ) فإن وسيلة الحد بينهما هي الاحتكام لنص الدستور ، فإذا شاب النص الدستوري غموض أو إبهام أو خلاف فكان لازماً أن تقوم السلطة القضائية ممثلة في المحكمة الدستورية بدورها في تفسير نصوص الدستور بحسبان القضاة هم ضمير الأمة الذين أقسموا على الحكم بالعدل وتربوا عليه وشربوا ثقافة الحياد والموضوعية وتأهلوا علمياً بأدوات الفقيه المجتهد وأحاطوا بعلوم الكلام والتفسير فكانوا الأولى والأجدر والأعدل أن يوسد إليهم تفسير نصوص الدستور التي تحتاج إلى حدود ترسم سياجها أو تلك التي ثار الخلف على مقصدها أو حكمها وصولاً إلى تحقيق الدولة القانونية التي تخضع جميع سلطاتها نفسها للقانون ولا تضع نفسها فوق القانون وتكريس مبدأ المشروعية الدستورية في جوانبه العملية وتحقيق وحدة تطبيقه لدى المخاطبين به من سلطات الدولة بما يحقق مقاصد التنظيم الدستوري المتوخاة من الرقابة المتبادلة بين سلطات الدولة والتعاون فيما بينها ، ومن أسمى صور التعاون فيما بين سلطات الدولة هو التوافق على تفسير ملزم لها لنصوص الدستور لدى الخلاف عليها بإسناده مهمة التفسير إلى قضاة المحكمة الدستورية.ثانياً : الرد على الدفع بعدم قبول طلب التفسير طبقاً للأسس والأسانيد التالية :سبق وأن أكدت المحكمة الدستورية على أنه :ليس من شأن قيام المحكمة بتفسير نص دستوري على ضوء نصوص معينة وردت بالدستور ما يحول دون قيامها بتفسير ذات النص في إطار نصوص أخرى تتصل به في تطبيقات مختلفة ومتنوعة ، إذ لا يعدو ذلك تفسيراً مكملاً لتفسيرها السابق ، فيعتبر جزء منه لا ينفك عنه ، وفي اتصال مفاده ما يحمله النص من معان في إطار النصوص التي جرى تفسيره على ضوئها بمراعاة موضع النص من سياق تلك النصوص التي تتكامل معه محددة معانيه ومراميه "[ راجع قرارها في طلب التفسير رقم 3 لسنة 2004 تفسير دستوري الصادر بجلسة 11/4/2005 ]وقد بررت المحكمة ذلك بقولها :من المسلم به أن استخلاص الدلالات من النصوص التي احتواها الدستور يكون بالنظر إليها بوصفها متآلفة فيما بينها ، متجانسة معانيها ، متضافرة توجهاتها ، وبحسبانها تمثل وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً ، وأنه وإن كان لكل نص مضمون مستقل ، إلا أن ذلك لا يعزله عن باقي النصوص الأخرى ، بل يتعين أن يكون تفسيره متسانداً معها وذلك بفهم مدلوله على نحو يقيم بينها التوافق وينأى بها عن التعارض ، مما يستلزم وجوب إعمال قواعد التخصيص والتقييد المتبادل بين تلك النصوص بما يجعل بعضها يفسر بعضاً ، فالنصوص لا تفهم معزولاً بعضها عن البعض ، وإنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء ما تفيده دلالة النصوص الأخرى من معان شاملة .[ يراجع قرارها في طلب التفسير رقم 3 لسنة 2004 " تفسير دستوري " الصادر بجلسة 11/4/2005 ]ومؤدى ما تقدم أن تفسير النص الدستوري لا يقتصر فحسب على أدوات التفسير الداخلية الواردة بالنص المراد تفسيره أي ألفاظ النص ودلالة ألفاظه وتراكيبها ودلالة المعاني وهو ما يسمى بأدوات التفسير الداخلية للنص ، أي تفسيره مجرداً عن غيره من نصوص أخرى ، لأن التفسير المقصود - طبقاً لما قررته المحكمة الموقرة – هو تفسير النص الدستوري بالنظر إلى اعتباره جزء لا يتجزأ من الوثيقة الدستورية كلها بكل نصوصها باعتبارها متآلفة فيما بينها ومتجانسة معانيها ومتضافرة توجهاتها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً ، بحسبان أنه ولئن كان لكل نص دستوري مضمون مستقل إلا أن ذلك لا يعزله عن باقي النصوص الأخرى ، إذ يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بما يقيم بينها التوافق وينأى بها عن التعارض مما يستلزم وجوب إعمال قواعد التخصيص والتقييد المتبادل بين تلك النصوص بما يجعل بعضها يفسر بعضاً ، ومن ثم فإن اختلاف النصوص المرتبطة بالنص المراد تفسيره يستوجب حتماً اختــلاف المعنى والحكم ، لأنه إذا كان المطلوب هو تفسير نص المواد ( 100 ، 123 ، 127 ) من الدستور فإن عملية التفسير سوف تتناول تفسير هذه المواد في ضوء العلاقة التي تربط هذه النصوص ببعضها البعض وتناول التأثير المتبادل فيما بينها من حيث العموم أو التخصيص أو التقييد ودلالات الألفاظ والمعاني فيما بين هذه النصوص بما يثمر في النهاية عن معنى مترابط يتوافق فيما بين النصوص المذكورة ، ولا شك أن تفسير إحدى هذه المواد في طلبات تفسير سابقة مع مواد أخرى مختلفة سوف يثمر عن معان مغايره وأحكام مختلفة مستنبطة من العلاقات المتبادلة بين كل نص دستوري مع غيره من النصوص الأخرى ، وهو ما يؤكد على صحة ما خلصت إليه المحكمة الموقرة بأن تفسيرها لأحد النصوص على ضوء نصوص معينة بالدستور لا يحول دون قيامها بتفسير ذات النص في إطار نصوص أخرى تتصل به في تطبيقات مختلفة ومتنوعة وهو ما يكشف عن عدم صحة الدفع بعدم قبول طلب التفسير المعروض بدعوى ســــبق تفسير نص المادة (100) من الدســــتور بطلـــــب التفسير رقم 8/2004 لأن الطلب الأخير كان محله تفسير نص المادتين ( 100 و 101 ) من الدستور في ضوء مواد الدستور المرتبطة بهما وهما المادتان ( 130 و 133 ) من الدستور بشأن الضوابط الدستورية للاستجواب الموجه لأحد الوزراء وهو ما لم يتم طرحه وتتناوله المحكمة الدستورية في قرار التفسير المشار إليه . أما بالنسبة للطلب المعروض فإن محله تفسير المواد ( 100 و 123 و 127 ) من الدستور في ضوء مواد الدستور المرتبطة بها بشأن الضوابط الدستورية للاستجواب الموجه لرئيس مجلس الوزراء .ويؤكد صحة ما تقدم أن غاية طلب التفسير رقم 8 لسنة 2004 هي البحث في معنى عبارة ( الداخلة في اختصاصاتهم ) الواردة بالمادة ( 100 ) من الدستور بشأن الوزراء مما أقتضى من المحكمة الموقرة التعرض لكافة نصوص ومواد الدستور والقوانين الأساسية المكملة للدستور توصلاً لتحديد الاختصاصات الدستورية للوزير ، أما بوصلة البحث في طلب التفسير المعروض فهي ذات اتجاه مغاير تماماً حيث يتطلب الأمر البحث في كافة النصوص المرتبطة بتحديد اختصاصات رئيس مجلس الوزراء التي يجوز مساءلته سياسياً عنها أمام البرلمان ، وذلك لأن محددات الاختصاص بالنسبة للوزير تختلف عن محددات الاختصاص لرئيس مجلس الوزراء سواء من حيث النصوص الدستورية أو المعاني أو الألفاظ أو الدلالات .وإذ لم يكن هناك خلاف بين الحكومة ومجلس الأمة في شأن وجوب توجيه الاستجواب سواء إلى الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم فإن الخلاف يغدو عميقاً وبيناً وشديداً بينهما في تفسير موضوع الاختصاصات الداخلة في اختصاص رئيس مجلس الوزراء الموجبة لاستجوابه برلمانياً عنها وتحديد ما يشمله اختصاصه بحسبان الاختصاص ولاية دستورية وتكليف يترتب على الإخلال به قيام المسئولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء أمام البرلمان ، فإذا كان التكليف قد ورد في لفظ مجمل أو مبهم أو خفياً غامضاً بما من شأنه عدم معرفة مقصد المشرع الدستوري منه بتحديد تعريف جامع مانع لما يشمله وما لا يندرج فيه فإنه يجب إيقاف حكمه – أي المسئولية الناجمة عنه – لحين بيان التكليف الحاصل به باللجوء إلى المحكمة الدستورية لاستفراغ الوسع وبذل الجهد لاستكناه حكم الشارع الدستوري ولبيان المعنى الصحيح للقاعدة الدستورية الحاكمة لاختصاص رئيس مجلس الوزراء وتعيين نطاق هذا الاختصاص للاستدلال على ما يتضمنه التكليف أو الولاية الدستورية لرئيس مجلس الوزراء ، لكي يتمكن المخاطبين بأحكام القاعدة المراد تفسيرها من أعمال مقتضاها على الوجه الصحيح الذي عناه الدستور بشأن الاستجواب المثار بشأنه طلب التفسير .ولا ينال من ذلك القول بقصر اختصاص المحكمة الموقرة على التصدي لدستورية القوانين دون التصدي لتفسير نصوص الدستور في غير أحوال الطعن على دسـتورية القوانين يعد تنقيحاً للدستور بالمخالفة لنصوص المواد ( 173 و 174 و 50 ) من الدستور .هذا القول مردود عليه بأن المحكمة الموقرة سبق وأن تصدت بالحجج الدستورية الداحضة لهذا الرأي فإننا نود أن نضيف في هذا الشأن أن التفسير لنصوص الدستور لا يختلط بالتنقيح أو التعديل لأحكامه ، فالتفسير سواء طبقاً لمدرسة التزام النص ( مدرسة الشرح على المتون ) أو طبقاً للمدرسة الاجتماعية في التفسير ( مدرسة التطور التاريخي) أو طبقاً لمنهج مدرسة البحث العلمي الحر (المدرسة العلمية ) فإن تعديل النص يخرج من إطار مفهوم التفسير الذي يقتصر على بيان المعنى الصحيح للقاعدة الدستورية أو القانونية وما تستهدفه أحكامها من مقاصد وبيان حدود تطبيق النص ، أي تحديد المعنى الحقيقي والصحيح الذي تتضمنه القاعدة الدستورية وتعيين نطاقها حتى يمكن الاستدلال على ما تتضمنه القاعدة وحتى يمكن للمخاطبين مطابقتها على الظروف الواقعية التي يثار بصددها تطبيق هذه القاعدة وذلك من خلال التعرف من ألفاظ النص أو فحواه على حقيقة الحكم الذي تتضمنه القاعدة الدستورية بحيث تتضح منه حدود الحالة الواقعية التي وضعت القاعدة من أجلها وذلك بتوضيح إبهام النص وتخريج الفروع على الأصول سواء بالقياس أو الرجوع للنص وإزالة شبهة التعارض مع غيره من النصوص الدستورية الأخرى والتوفيق فيما بينها سواء بتخصيص العام وتقييد للمطلق توصلاً لإزالة الخلاف حول معنى النص .فاختصاص المحكمة بالتفسير يقتصر على إيضاح مقصود الشارع وغايته من الحكم الوارد بالنص ، أما الاختصاص بدعاوي دستورية القوانين فإن الوقائع تسبق التصدي للنص الدستوري وذلك بالتصدي للتطبيق لأحكام الدستور من خلال التفسير الذي يعد مجرد وسيلة لبلوغ غاية وهي تطبيق النص الدستوري على واقعة معينة هو النص التشريعي المطعون على دستوريته ، بخلاف الحال في طلبات التفسير التي تقتصر على بيان مقصود الشارع الدستوري دون تطبيقه على الوقائع التي أثارت الخلاف حول تطبيقه .واشتراط وجود حالة واقعية حقيقية تبرز الخلاف أو الغموض للنص الدستوري هو أمر منطقي لتمييز التفسير الفقهي عن التفسير القضائي فالتفسير الفقهي المنوط بفقهاء القانون الدستوري هو التفسير العام المطلق بغير مناسبة وعن واقعة قد تكون موجودة أو غير موجودة وقد تكون متوقعة أو غير متوقعة ، وقد يوجد سائل يسأل عنها وقد لا يوجـد ، وهو ذات منهج ( مدرسة الآرائيتين ) التي كانت تفترض الوقائع لابتــداع حكم لها بالقول: ( أرأيت لو حدث كذا لكان حكمها كذا ... ) ، والحكم الذي يتوصل إليه الفقيه في هذه الأحوال مجرد رأي غير ملزم للسائل .أما التفسير القضائي للنص الدستوري من المحكمة الدستورية فهو يسمى (التفسير المخصوص ) أي بذل الوسع في استنباط حكم الدستور لنص معين بمناسبة واقعة مختلف على خضوعها أو عدم خضوعها للنص المراد تفسيره ، ومن ثم فهو ليس تفسيراً مجرداً أو مطلقاً ، ومن هنا تأتي الصفة الإلزامية للتفسير الدستوري للمخاطبين بالنص وهما الحكومة ومجلس الأمة في الواقعة المختلف عليها والتي يقتصر دور المحكمة على إيجاد الحكم الدستوري بشأنها دون أن يمتد عملها إلى تطبيقه عليها بحسبان ذلك يخرج عن اختصاصها ، إذ يقف دورها عند الكشف عن حكم الدستور فيما شجر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من نزاع أو خلف أو خلاف في تفسير النص الدستوري بحسبانه المرجع والفيصل الذي تخضع له كافة سلطات الدولة وتلتزم أحكامه بحسبانه المظلة التي يستظل بها الجميع ، وإذا كانت السلطة تحد السلطة كما يقول الفقيه ( مونتسكيو ) فإن وسيلة الحد بينهما هي الاحتكام لنص الدستور ، فإذا شاب النص الدستوري غموض أو إبهام أو خلاف فكان لازماً أن تقوم السلطة القضائية ممثلة في المحكمة الدستورية بدورها في تفسير نصوص الدستور بحسبان القضاة هم ضمير الأمة الذين أقسموا على الحكم بالعدل وتربوا عليه وشربوا ثقافة الحياد والموضوعية وتأهلوا علمياً بأدوات الفقيه المجتهد وأحاطوا بعلوم الكلام والتفسير فكانوا الأولى والأجدر والأعدل أن يوسد إليهم تفسير نصوص الدستور التي تحتاج إلى حدود ترسم سياجها أو تلك التي ثار الخلف على مقصدها أو حكمها وصولاً إلى تحقيق الدولة القانونية التي تخضع جميع سلطاتها نفسها للقانون ولا تضع نفسها فوق القانون وتكريس مبدأ المشروعية الدستورية في جوانبه العملية وتحقيق وحدة تطبيقه لدى المخاطبين به من سلطات الدولة بما يحقق مقاصد التنظيم الدستوري المتوخاة من الرقابة المتبادلة بين سلطات الدولة والتعاون فيما بينها ، ومن أسمى صور التعاون فيما بين سلطات الدولة هو التوافق على تفسير ملزم لها لنصوص الدستور لدى الخلاف عليها بإسناده مهمة التفسير إلى قضاة المحكمة الدستورية.ثالثاً: بيان مواضع الخلاف والغموض محل طلب التفسير :سبق وأن أوضحنا بصحيفة طلب التفسير محاور الاستجواب المقدم من السيدين المستجوبين ، أنه قد آثار عدداً كبيراً من نقاط الخلاف حول تفسير مواد الدستور التي طلبت الحكومة تفسيرها ، ومن أهم المواضع وعلاقات الاستفهام والغموض محل طلب التفسير ما يلي :1 - تفسير عبارة ( الأمــور الداخلة في اختصاصاتهم ) الــواردة في صلب المادة (100) من الدستور .بيان قصد المشرع الدستوري بالعبارات التالية الواردة في المادة ( 123 ) من الدستور :( هيمنة مجلس الوزراء على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية ) .تفسير العبارات التالية الواردة في المادة ( 127 ) من الدستور .( يتولى رئيس مجلس الوزراء رياسة جلسات المجلس ، والإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة ) .والسؤال محل الخلاف هو ، هل تعني العبارات السالف بيانها جواز تحريك وسائل الرقابة البرلمانية ، بما فيها توجيه الأسئلة البرلمانية وطرح الاستجوابات ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل أو بعض الأعمال والتصرفات الداخلة في نطاق الاختصاصات المحـددة لكل من وزارات الدولة المبينة في الدستور والقوانين واللوائح وفي مرسوم إنشاء كل منها ، حتى لو تعلق السؤال البرلماني أو الاســتجواب في شــأنها بمحــور واحد أو عدة محاور تدخل في نطاق اختصاص وزارة واحدة أو عدة وزارات لا يتصل أي منها أو جميعها بالسياسة العامة للحكومة أينما ورد هذا العمل ، فالعبرة بطبيعة العمل في ذاته دون النظر إلى مسماه أو مسمى الوثيقة أو القرار الذي ورد فيه أو تدخل في نطاق الإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة ؟أم انه طالما أن المشرع الدستوري قد حمُّـل كل وزير المسئولية أمام مجلس الأمة عن أعمال وزارته كصريح نص المادة ( 101/1 ) من الدستور ، وناط به الإشراف على شـئون وزارته والقيام بتنفيــذ السياسة العامة للحكومة فيها بناء على نص المادة ( 102 ) من الدستور ، فإن العبارات المشار إليها بالمادتين ( 123 و 127) من الدستور تعنيان قصر مسئولية رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الأمة على السياسة العامة للحكومة ، والإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة، نزولاً على صراحة النصوص الدستورية السابقة المتعلقة بالنظام العام وتطبيقاً للقاعدة الأصولية بألا مسئولية بدون سلطة أو اختصاص ، ومن ثم تنحصر المســئولية عن أعمال كل وزارة أمام المجلس التشريعي في الوزير الذي يحمل حقيبتها ، دون رئيس مجلس الوزراء ، باعتبار أن الدستور قد أعتبر أن المسئولية الفردية للوزراء كل عن أعمال وزارته أمام مجلس الأمة هو الأصل العام ، وأن مساءلة رئيس مجلس الوزراء أمام هذا المجلس استثناء لا يجوز التوسع فيه ، وبالتالي لا يجوز تحريك كافة وسائل الرقابة البرلمانية المنوه عنها ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل أو بعض الأعمال والتصرفات التي تدخل في نطاق الاختصاصات المحددة للوزارات المختلفة ، سواء تعددت تلك الأعمال والتصرفات أو لم تتعدد ، ما دامت الوسيلة الرقابية الموجهة ضد رئيس مجلس الوزراء قد اقتصــــرت على إدراج محور واحد أو جمعـــت عدة محاور تعلـــق كل منها بأمر يدخل في نطاق اختصاص محدد لوزارة معينة طبقاً لأحكام الدستور أو القوانين أو مرسوم إنشائها ، ولا يتصل بالسياسة العامة للحكومة أو بالإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة ، ولم يكن محلاً لقرار إداري نهائي صادر عن مجلس الوزراء يتعلق بالسياسة العامة للحكومة أو بالتنسيق بين الوزارات المختلفة ولم يكن القرار داخلاً في اختصاص أي وزارة ، وأقتصر الحال على مجرد عرضه على هذا المجلس حتى يحاط بكل ما يجري في الدولة من جانب الوزير أو الوزراء المختصين بالأمر المعروض ، وقد أسفر الخلاف حول تفسير المعاني والألفاظ الواردة بالنصوص محل الطلب عن وجود وجهتي نظر ورأيان متعارضان لكل من الحكومة ومجلس الأمة بمناسبة محاور الاستجواب المقدم لرئيس مجلس الوزراء ، حيث ترى الحكومة اعتبار تلك المحاور بأوصافها السابقة خارجة جميعاً عن نطاق الاختصاص الدستوري لرئيس مجلس الوزراء ، وداخلة في نطاق الاختصاص الدستوري للوزير ذي الشأن بها 0 بما لا يجوز مساءلة رئيس مجلس الوزراء عنها أمام المجلس النيابي ، ويضحى تحريك الوسائل الرقابية المطروحة ، وخصوصاً الاستجواب ، بشأن أي من هذه المحاور أو جميعها تصرفاً مخالفاً لأحكـام الدسـتور ، لتعارضـه مع قواعـد الاختصاص الدسـتورية المتعلقـة بالنظـام العـام وخروجاً على أحكام الدســتور وتنقيحاً له بغير الإجراءات والقواعد والضوابط المحددة في المادة ( 174 ) من الدستور ، الأمر الذي يجعل تحريك الوسيلة الرقابية في تلك الأحوال تصرفاً باطلاً ومعدوم الآثار والنتائج من الناحية الواقعية والقانونية ، بما يستلزم تمسك الوزارة ( الحكومة ) بهذا البطلان والانعدام لدى طرح مثل هذه الاستجوابات من أعضاء مجلس الأمة .2 - كما ترى الحكومة – خلافاً لرأي مجلس الأمة - أنه طالما أن المشرع الدستوري قد حمُّـل كل وزير المسئولية أمام مجلس الأمة عن أعمال وزارته كصريح نص المادة (101/1 ) من الدستور ، وناط به الإشراف على شئون وزارته والقيام بتنفيـذ السياسة العامة للحكومة فيها بناء على نص المادة ( 130 ) من الدستور ، وحظـر على رئيس مجلس الـوزراء تولي أية وزارة طبقاـً لحكم المادة ( 102 ) من الدستور ، فإن العبارتين المشار إليهما في المادتين ( 123 و 127 ) من الدستور تعنيان قصر مسئولية رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الأمة على رسم السياسة العامة للحكومة ، والإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة ، نزولاً على صراحة النصوص الدستورية السابقة المتعلقة بالنظام العام ، وتطبيقاً للقاعدة الأصولية بألا مسئولية بدون سلطة أو اختصاص .ومن ثم تنحصر المسئولية عن أعمال كل وزارة أمام المجلس التشريعي في الوزير الذي يحمل حقيبتها ، دون رئيس مجلس الوزراء بحسبان أن الدستور قد أعتبر المسئولية الفردية للوزراء كل عن أعمال وزارته أمام مجلس الأمة هو الأصل العام وأن مساءلة رئيس مجلس الوزراء أمام هذا المجلس هو استثناء لا يجوز التوسع فيه ، وبالتالي لا يجوز تحريك كافة وسائل الرقابة البرلمانية بما فيها الأسئلة البرلمانية والاستجوابات ضده عن كل أو بعض الأعمال والتصرفات التي تدخل في نطاق الاختصاصات المحددة للوزارات المختلفة ، سواء تعددت تلك الأعمال والتصرفات أو لم تتعدد ، ما دامت الوسيلة الرقابية الموجهة ضد رئيس مجلس الوزراء قد اقتصرت على إدراج محور واحد أو جمعت عدة محاور تعلق كل منها بأمر يدخل في نطاق اختصاص محدد لوزارة معينة طبقاً لأحكام الدستور والقوانين ومرسوم إنشائها ولا يتصل بالسياسة العامة للحكومة أو بالإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة ، ولم يكن محلاً لقرار نهائي من مجلس الوزراء متعلق بالسياسة العامة للحكومة أو التنسيق بين الوزارات المختلفة ولم يكن القرار داخلاً في اختصاصات أي وزارة ، وأقتصر الحــال فيه على مجــرد عرضه على هذا المجلس حتى يحاط بكل ما يجري في الدولة من جانب الوزير أو الوزراء المختصين بالأمر المعروض 0 إذ تعتبر تلك المحاور بأوصافها السابقة – طبقاً لرأي مجلس الوزراء وخلافاً لرأي مجلس الأمة - خارجة جميعاً عن نطاق الاختصاص الدستوري لرئيس مجلس الوزراء ، وداخلة في نطاق الاختصاص الدستوري للوزير ذي الشأن بها ، بما لا يجوز معه مساءلة رئيس مجلس الوزراء عنها أمام المجلس التشريعي ، ويضحى تحريك الوسائل الرقابية المطروحة ، وخصوصاً الاستجواب ، بشأن أي من هذه المحاور أو جميعها تصرفاً مخالفاً لأحكام الدستور ، لتعارضه مع قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام ، وخروجاً على أحكام الدستور وتنقيحاً له بغير الإجراءات والقواعد والضوابط المحددة في المـــــادة ( 174 ) من الدستور ، الأمر الذي يجعل تحريك الوسيلة الرقابية في تلك الأحوال تصرفاً باطلاً ومعدوم الآثار والنتــــائج من الناحية الواقعية والقانونية ، بما يستلزم تمسك الــوزارة ( الحكومة ) بهذا البطلان والانعدام لدى طرح مثل هذه الاستجوابات من أعضاء مجلس الأمة .3 - ومن جهة أخرى فإنه ولئن كان لا خلاف لدى الفقه والقضاء الدستوري ولدى الحكومة ومجلس الأمة على أن رئيس مجلس الوزراء لا يسأل أمام المجلس النيابي إلا عن السياسة العامة للحكومة المشار إليها في المادتين ( 127 و 130 من الدستور ) فقد ثار خلاف مستحكم بين الحكومة ومجلس الأمة مع عدم وجود ثمة رأي مرجح لدى الفقه أو القضاء الدستوري في شأن تحديد المقصود باصطلاح ( السياسة العامة للحكومة ) التي ورد النص على مسئولية رئيس الوزراء عنها .وهذا الخلاف المستحكم تبدت موارده من عدة وجوه حيث أورد المشرع الدسـتوري عبارات متقاربة مع المصطلح السابق في المادة ( 58 ) من الدستور حين نص على أن : (رئيس مجلس الوزراء والــوزراء مسئولون بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة ، كما يُسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته ).وهذا الاصطلاح الوارد بالمادة (58) – السياسة العامة للدولة - يثير اللبس والغموض أو التداخل في المعنى سواء في ذاته أو مع مصطلح الســياسة العامـة للحكومــة الــوارد في المادتين ( 127 و 130 ) من الدستور المشار إليهما ، وكذلك اصطلاح الاتجاهات العامة للوزارة المشار إليه في المادة ( 130 ) من الدستور .وهكذا فإن مواضع الالتباس والغموض والخلاف فيما بين الحكومــة ومجلس الأمة لم تعد قاصرة على تحديد مدلول عبارة واحدة ، وإنما توجد عبارات وألفاظ واصطلاحات متقاربة غير محددة المعنى وليس لها مدلول محدد يكون فاصلاً بينها ومميزاً لها عن غيرها من الألفاظ والعبارات التي جاءت في لفظ مجمل غير مفسر يشوبه الغموض ويتوقف على تحديد مقصود الشارع الدستوري منها تحديد نطاق وحدود مسئولية رئيس مجلس الوزراء السياسية أمام مجلس الأمة .وقد جاءت مذكرة دفاع ورأي مجلس الأمة لكي تؤكد على هذا الخلاف برفض مجلس الأمـــــة التفرقـــــة بين اصطلاحي ( السياسة العامة للدولة ) و ( السياسة العامة للحكومة ) ودون ثمة بيان أو إيضاح يبرر رفضه رغم أن التباين بينهما لا تخطئه العين وبصر وبصيرة المحكمة الموقرة .وترى الحكومة أن ثمة مغايرة بين الاصطلاحات الثلاثة بيانها على النحو التالي :أ - المقصود باصطلاح " السياسة العامة للدولة " : فهي تلك البرامج والخطط والاتجاهات والأهداف والغايات التي ينبغي على كافة سلطات الدولة العمل على تحقيقها والتي يتضمنها ويكشف عنها ويضعها الخطاب الأميري لحضرة صاحب السمو أمير البلاد في خطابه الأميري المشار إليه في المادة ( 104 ) من الدستور والذي يكشف فيه سموه للشعب وكافـة سلطات الدولة أحوال البلاد واهم الشئون العامة التي جرت خلال العام المنقضي ، وما تعتزم الحكومة إجراؤه من مشروعات وإصلاحات خلال العام الجديد ، أما مشروع الجواب على الخطاب الأميري ، فهو يتضمن تطلعات مجلس الأمة وأمانيه التي يرغب في رفعها لحضرة صاحب السمو لأخذها في الاعتبار – طبقاً للسلطة التقديرية لسمو الأمير – عند إعداد السياسة العامة الجديدة للدولة .ويعتبر الخطاب الأميري وجواب الرد من مجلس الأمة بمثابة عمل متكامل يعبر بصدق عن تلاحم الحاكم متجسداً في سمو الأمير والمحكوم الذي يمثله مجلس الأمة في التعـبير عن السـياسة العامـة للدولـة والتي تشـكل تطلعـات الأمــة ورأيهــا في كافة القضايا الداخلية والخارجية والتي تلتزم بها كافة سلطات الدولة وتعمل على تنفيذها ، ومن ثم فهي ملزمة لكافة سلطات الدولة .ب - أما المقصود باصطلاح " السياسة العامة للحكومة " : فهي في حقيقة الواقع تمثل السياسة العامة أي الاستراتيجيات والبرامج والخطط والاتجاهات والأهداف العامة والغايات التي تسعى إلى تحقيقها من خلال كل الوزارات التي يتشكل منها مجلس الوزراء وباستخدام الصلاحيات والسلطات العامة الممنوحة للحكومة ، ومع ذلك فإنه ليس كل ما يصدر عن مجلس الوزراء من تصرفات أو توجيهات أو توصيات أو قرارات عرضت على مجلس الوزراء وأصدر فيها توجيهاته فإنها لا تعد من قبيل السياسة العامة للحكومة طالما تدخل في اختصاص أية وزارة ويســتلزم لنفاذ هذه التوجيهات صدور قرار من الوزير المختص .ويؤكد ذلك صراحة ما أستقر عليه قضاء محكمة التمييز لدى تفسيرها لنص المادة (123 ) من الدستور بقولها : [ من المقرر أن مفاد نص المادة 123 من الدستور أن السلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء هي الجهة المهيمنة الأولى على مصالح الدولة والمجلس هو الذي يرسم سياسة الحكومة ويتابع تنفيذها وله الإشراف على وزارات الدولة وسير العمل في الإدارات الحكومية ويرسي بقراراته وتوجيهاته الأسس والركائز التي ترتأيها السلطة التنفيذية اللازمة لإدارة شئون الدولة وأملاكها ومرافقها العامة سيما تلك التي تقتضيها دواعي النظام العام والأمن العام والسكينة والصحة العامة وهذه التوجيهات هي في حقيقة الأمر إنما تخاطب الوزراء المختصين كل في حدود اختصاصه لإصدار ما يلزم من قرارات لتنفيذها والعمل بمقتضاها ومن ثم لا ترتب هذه التوجيهات تلقائياً أثاراً قانونية مباشرة في مراكز الأفراد كي يسوق اعتبارها قرارات إدارية بالمعنى الصحيح للقرار الإداري وإنما يلزم لتطبيقها صدور قرارات إدارية أو تصرفات قانونية أخرى من الوزراء المختصين ترتب الآثار القانونية المباشرة في حق الأفراد ومراكزهم القانونية ][ الطعن رقم 517 لسنة 1998 تجاري – جلسة 31/5/1999 . وحكمها في الطعن 282 لسنة 19989 تجاري جلسة 24/5/1999 ، وكلاهما منشور في موسوعة القضاء الإداري الكويتي – للمستشارين/ ناصر معلا ، وجمال الجلاوي – الجزء الثاني – قاعدة 213 صفحة 676 ، وكذلك الجزء الثالث – القاعدة 267 صفحة 225 ]وترتيبا على ما تقدم فإنه إذا كان الخلل أو الإخلال قد شاب عملاً تنفيذياً من أعمال وزارة معينة فإن المسئولية عنه تكون مسئولية فردية للوزير المختص وحده دون غيره .أما إذا كان العوار يتمثل في الاستراتيجية والمبادئ والأهداف أو القواعد التي وضعها مجلس الـوزراء لكل الوزارات ، ففي هذه الحالة تقع المسئولية على جميع أعضاء ورئيس مجلس الوزراء لأنهم جميعاً قد شاركوا في صنعها أو الموافقة عليها .ولما كان يستحيل عقلاً – وعلى ما ورد بالمذكرة التفسيرية للدستور - مساءلة كل وزير على حده عن ذلك فقد أستقر رأي لجنة الدستور على قصر المسئولية في مثل هذه الحالة على رئيس مجلس الوزراء لاستحالة تصور استجواب والاقتراع بالثقة على كل وزير على حده لإمكان إسقاط الحكومة ، فتمت الموافقة على الأخذ بالنظام البرلماني في هذه الحالة ودون الأخذ بنظام الاقتراع بالثقة والاستعاضة عنه بنظام عدم التعاون طبقاً للآلية المنصوص عليها بالمادة ( 102 ) من الدستور .وتوكيداً لما تقدم واتساقاً مع الأحكام سالفة البيان ، فقد نص الدستور صراحة بالمادة ( 102 ) منه على عدم تولي رئيس مجلس الوزراء حقيبة أي وزارة ، ومن ثم فلا يجوز – دستورياً – مساءلته عن أي عمل تنفيذي يدخل في اختصاص أي وزير من وزراء الحكومة ، وهو ما أكدته المذكرة التفسيرية للدستور تعليقا على نص المادة (99) من الدستور بقولها أن : ( الأسئلة المنصوص عليها في هذه المادة إنما توجه إلى رئيس مجلس الوزراء عن السياسة العامة للحكومة ، أما الهيئات التابعة لرياسة مجلس الوزراء أو الملحقة بها فيسأل عنها وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء ، أما الوزراء فيسأل كل منهم عن أعمال وزارته . ومعلوم أن السؤال لا يجاوز معنى الاستفهام إلى معنى التجريم أو النقد وإلا أصبح استجواباً مما نصت عليه المادة (100) من الدستور .وقد أكدت المحكمة الدستورية على ذات الحقائق الدستورية السالف بيانهـــا في قرارها الصادر في طلب التفسير رقم 8 لسنة 2004 " تفسير دستوري ، بجلسة 9/10/2006 .ج – ويبقي تحديد المقصود باصطلاح " اتجاهات الوزارة " الوارد النص عليه بالمادة (130) من الدستور ، وترى الحكومة أن المقصود بهذا الاصطلاح هو المنهج الذي يضعه كل وزير لوزارته لتنفيذ السياسة العامة للحكومة والتنظيم الإداري للوزارة وما يضعه من خطط وبرامج لتنفيذ السياسة العامة للحكومة وأعمال الإشراف والرقابة والمتابعة وما يبرمه من عقود أو تصرفات تلبي السياسة العامة للحكومة وتنفيذ برامجها وأهدافها ، إذ أنه ولئن كان الوزير ملزماً بالسياسة العامة للدولة أمام سمو الأمير وملزم بالسياسة العامة للحكومة أمام رئيس مجلس الوزراء وأمام مجلس الأمة ، فهو يملك حرية الرؤية والمنهج اللازم لتنفيذ هذه السياسات العامة داخل وزارته ومن ثم فهو مسئول مسئولية فردية عن تنفيذ السياسة العامة للدولة والسياسة العامة للحكومة داخل وزارته وهو مسئول أيضاً عن اتجاهات الوزارة التي يضعها بنفسه داخل وزارته سواء تم إقرارها من قبل مجلس الوزراء أو لم يسبق عرضها على مجلس الوزراء بحسبان هذا العرض ليس من شأنه أن يغير من طبيعة مسئوليته الفردية عن تنفيذ السياسة العامة سواء للدولة أو للحكومة وذلك اتساقاً مع الأصل الدستوري المقرر بشأن المسئولية الفردية للوزراء وهو الأصل الذي سعى إليه واضعوا الدستور لتحديد مسئولية رئيس الوزراء في أضيق نطاق واعتبار الأصل هو المسئولية الفردية للوزراء .4 - كما يثير الاستجواب المقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء التساؤل عن مدى جواز تقديم الاستجواب – دستورياً – لرئيس الوزراء في ذات يوم حلف اليمين لتشكيل الحكومة أو في اليوم التالي أو حتى خلال الأسبوع الأول في عهد تشكيل الحكومة الجديدة الموجه إلى رئيسها الاستجواب حيث صدر المرسوم الأميري رقم 143 لسنة 2011 بتشكيل الحكومة بتاريخ 8/5/2011 ، وفى أول يوم تؤدي فيه الحكومة الجديدة القسم الدستوري بتاريخ 10/5/2011 قام المستجوبان بتقديم استجوابهما لرئيس الحكومة ، " نلتمس مراجعة مضبطة مجلس الأمة المقدمة رفق حافظة مستنداتنا بجلسة اليوم – الصفحة رقم 58 – السطور 18 و19 و20 " .وترى الحكومة أن تفسير عبارة " الداخلة في اختصاصهم " الواردة بالمادة (100) من الدستور مؤداها وجوب انقضاء فترة زمنية معقولة تستطيع خلالها الحكومة ورئيسها أن يكون لها أعمال تصلح محلاً لمساءلتها أمام مجلس الأمة أي وجوب انقضاء فترة زمنية كافية على تولي الحكومة لمسئولياتها الدستورية تثمر فيها عن إتيان أعمال يمكن نسبتها إليها ، بمعني أن تكون هناك أمور قد قامت بها الحكومة الجديدة تصلح محلاً لمساءلتها عنها ، لأن شرط المساءلة أن تكون هناك " أمور " أي أفعال وأعمال سواء إيجابية أو سلبية سواء قامت بها أو نكلت عن القيام بها واستقرت في اختصاصها أو دخلت في اختصاصها أي صارت منسوبة إليها سواء في اختصاص رئيس مجلس الوزراء أو في اختصاص أحد الوزراء وذلك بحسبان الاختصاص ولاية وسلطة ، ويقتضي لممارستها مضى الوقت الكافي لممارسة هذه الولاية أو السلطة ، لأنه بدون ذلك ينتفي القول بوجود " أمور داخلة في اختصاصهم " إذ يجب أن تحدث هذه الأمور في الواقع لكي تدخل في اختصاصهم وتستقر ويصح مساءلتهم برلمانياً عنها ، ولكي يحدث ذلك فإنه لابد وان يستغرق ردحاً من الزمن يكفي لإسناد هذه الأمور إلى الحكومة الجديدة سواء في شخص رئيسها أو وزرائها وبما يكفي لحدوثها لأن الزمن هو " وعاء الأفعال " لأن الأعمال لا تحدث في فراغ من الزمن وإنما تستغرق حيزاً من الزمن سواء قصر أم طالت مدته فيجب أن تكون هناك فترة كافية تستطيع خلالها الحكومة أن تمارسه وتؤدي واجباتها فإن فعلت كانت هذه الأفعال محلاً للمساءلة