وجهة نظر : مولانا.... بين براعة الاستهلال وذروة الافتعال

نشر في 28-10-2011
آخر تحديث 28-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 محمد بدر الدين يثير فيلم «مولانا» للمخرج عز الدين سعيد جدالا،ً ويلفت الانتباه بحكم تعرُّضه لقضايا جادة تقترب من الدين والفلسفة والحياة، بصرف النظر عن «كيف» كان التعرّض للقضايا (أي كيف درامياً، حرفياً وجمالياً في آن).

نقول قضايا «تقترب» من الدين والفلسفة والحياة لأنها تحوم حولها، من دون الدخول في عمقها على نحو كاف أو واضح. بدا ذلك من خلال تجسيد هذا الفيلم الروائي القصير لسيناريو وحوار كتبهما المخرج، موحياً أو مشيراً في الإهداء إلى أن «مولانا» يستلهم قصة الأديب الكبير يوسف إدريس «سره الباتع»، لكن ذلك الاستلهام، أو محاولته، لا تعفي الفيلم من قصور يرجع إلى صانعه لا الى مبدع القصة بطبيعة الحال.

يبدأ «مولانا» بداية مبشِّرة، بتصوير بطل الفيلم في مرحلة الطفولة أنه يريد أن يسابق الدنيا كلّها، وأن يغالبها...! في لقطات متتابعة، من خلال مونتاج سريع من دون تسرّع، رشيق وثاب، ذلك حين يشاهد الطفل انطلاق القطار، فيسابقه ويريد أن يلحق به، وفي آخر عربة يلحق به بالفعل... إنه الطفل الذي يملأ صدره بالحياة كلّها، ويطير في آفاقها ويحلّق، ويعتقد أن بإمكانه أن يطال الشمس والمراكب وكل الأشياء ويمسك بها ويحلّق!

بعد تلك اللقطات الجميلة، وبراعة الاستهلال، التي ساعدت عليها تعبيرات طفل موهوب ونظراته، يفاجئنا الفيلم بمشاهد رتيبة لبطله حين يغدو شاباً، فقد أصبح ذلك الإنسان الطيِّب ضمن بشر القرية المهمّشين الذين يفتقدون احتياجات الناس الأساسية، ويعانون أنواع الفقر والقهر والسأم كافة. فلا يجدون جميعاً من سلوى أو قلب كبير حنون يلجأون إليه بالشكوى، سوى صاحب الضريح في وسط القرية، والذي ينادونه بـ{مولانا».

وشيئاً فشيئاً يكتشف بطل الفيلم، وحده، حقيقة «مولانا» (كونه يذهب إلى الضريح كل ليلة ليسرق الشموع ويبيعها بمال قليل) وهي أن الصندوق الكبير داخل المقام، الذي يتبرّك الناس بالاقتراب منه ومن صاحبه، هو خال نظيف، خاوٍ تماماً، وأن المكان كلّه هو محض ادعاء وزيف كبيرين ومستمرّين، وأنه لا يوجد في الأصل صاحب مقام أو «مولانا»!

يكاد الشاب أن يصاب بالجنون، لكنه يصبّ غضبه ودهشته ومفاجأته بالحقيقة وإحساسه الجديد القاسي بالكفر بالمقام، في الذهاب إلى بيت عاهرة القرية، ويكرّر ذلك مرات على امتداد عمره وعمرها، هل ذلك للشعور بالحياة بعد افتقاد، أم للانتقام؟

إذا نظرنا الى «مولانا» كفيلم واقعي، فإننا لا نجده يقترب من الدين على أي نحو، فنحن لا نرى على امتداده أي أمر له علاقة بالدين كجامع أو آذان أو كنيسة أو حتى أي ذكر لله... وما هذا الضريح

لـ «مولانا» سوى خزعبلات أو أوهام، لا علاقة لها برب أو أديان!

بالنظر إلى «مولانا» كفيلم واقعي، نجده سطحياً يتّسم بأحادية النظرة وبسذاجة واضحة، ولم نجد ما يكسو به الدراما، سيناريو الفيلم وإخراجه، من تفاصيل مقنعة مشبعة، كذلك لم نجد ما يُكسبه حياة دافقة وروحاً وبشراً من لحم ودم!

أما إذا جرّبنا النظر إلى الفيلم كعمل سينمائي رمزي أو متجاوز للواقعية، محلّق في آفاق أو إشارات وتنبيهات، فإننا نجد عملاً غير مقنع أو مشبع درامياً وفكرياً بالقدر نفسه.

فمن الناحية الرمزية، يبدو الفيلم معبّراً عن فكرة عدم وجود الدين، بعدم وجود صاحب المقام، وأن بيت العاهرة هو معادل للحياة الحقّة والحرة، التي كان يجد فيها البطل مشاعر السعادة أو لذّة الانتقام... وقد بدا ذلك كلّه شديد الافتعال، مع الافتقار إلى التعبير بموهبة تتمتّع بالأصالة والمقدرة على التعمّق بصرف النظر عن مناقشة الفكرة ذاتها.

نأخذ على «مولانا» أيضاً الارتباك والتعثّر أو التلعثم فنياً ودرامياً، منذ رأينا مشاهده الأولى: ضرب الأب العنيف وغير المبرّر لطفله، تارة لأنه يريد أن يصوم، وطوراً لأنه يريد أن يفطر (!!)... وحتى نهايته حيث يهرع أهالي القرية خلف البطل للفتك به، بعدما اكتشفوا أنه سارق المقام... في تلك الحالات كافة وغيرها، وجدنا أنفسنا أمام فيلم يتضمّن الكثير من الادعاء والاجتراء... أو موهبةً قليلة وحذلقة بلا حدود.

back to top