الذي رحل بعيداً
لقد تذكرت أولئك الذين تم نسيانهم وأهملتهم أرضهم، الشاعر الإماراتي علي العندل أحد هؤلاء، فعندما رحل هل أقول إنني نسيته في زحمة الاشتراطات الحياتية هذه؟ رغم ذلك، كنت غالباً ما أسأل عنه عندما أذهب إلى الإمارات.يبدو لي أن الكتابة عن الموتى، رثاء للذات أكثر مما للميت. الإحساس بفقدان ما، إنه دوران عبثي في حلقة خرساء.
لكن علي العندل، تركنا ورحل، ذلك الفتى عبر النهر الذي لن يعود منه أحد أبدا. رحل دون أن تكون لدي أي تفاصيل عما حدث له وكيف ومتى؟ مع انني قد أتخيل أنه ذهب في رحلة قصيرة وسرعان ما سيعود الى بيته.على الأرجح أن علي العندل، لم يكن يطيق نفسه ولا العالم، كأنه جاء مصادفة، ورحل مصادفة، ما كان يعنيه ويبحث عنه لم يجده، لا في العائلة ولا في محيط أصدقائه، أعزل؟ نعم، ولم يكن يملك قوة العيش، أو ربما امتلك قوة الحياة حتى فاضت هذه الأخيرة من روحه، قرفاً.كلما كنت ألتقيه كانت ابتسامته الغامضة، المحيرة قليلاً، المنتشية والخجولة على وجهه. فلنقل إنها ابتسامة ضبابية. كان علي العندل شاعراً، هادئاً، من الخارج على الأقل، من معرفتي به، وكان في لحظات التجلي الخاصة به، يحب الحديث، لكن بلطافة.أحياناً كان يسعى للقائي عندما يسمع أنني في الإمارات، كان يأتي وكان يقرأ لي من نصوصه وشذراته، لم يكن يطلب رأياً، كان فقط يريد أن أقرأه. على الأرجح لم يكن يهتم لا برأي ولا بآراء الآخرين، كان يكفيه أن تقرأ قصائده فحسب. قال لي مرة إنه مهتم بالفلسفة، لكن هذه الأخيرة لم تنقذه أيضاً.كان علي العندل عبر الانطباع العام الذي أتذكره في شعره، مطيّر صور دون نسق كبير، كما لو كنا نقول مطيّر حمام الذي يعود في الأخير الى سكينة المنزل.أنتحدث عن القسوة في مجتمعات توصف دائماً في حقل الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، بمجتمعات الطفرة النفطية.كل ما أعرفه أن علي العندل كان يسكن ويرتاد أمكنة شعبية، مظلمة ربما، هل يمكن أن يحدث هذا؟ نعم! وقد كان أحد خريجي جامعة العين.على كل حال عندما رأيت علي العندل في سنواته الأخيرة، كان حزيناً، وذات ليلة عرفني (على ما أذكر) على ابنه والمنزل الذي كان يقيم فيه، وأذكر أنني كنت أشجعه للخروج من مأزق كان يراه وجودياً، بينما كنت أراه تدميراً للذات.في ظني أن تجربة علي العندل تندرج في سياق تجارب شديدة الهامشية، كتجربة الشاعر العراقي حيدر صالح مثلاً أو آدم حاتم الذي لم يصدر سوى مجموعة شعرية واحدة.