تحليل سياسي: ما بعد أربعاء الإرادة
تباينت آراء المتابعين للشأن السياسي المحلي في تقييمهم لتداعيات ما شهدته ساحة الإرادة مساء الأربعاء، بين من يرى أنها حققت نجاحاً تمثل في كثافة الحضور من جهة، وتوحد القوى والتيارات السياسية من جهة أخرى، وبين من يعتقد أن الحملة ضد الفساد يجب أن تتعدى شعار الراشي والمرتشي في ما يتعلق بالإيداعات المليونية إلى أبعد من ذلك وتشمل جميع أوجه الفساد وأشكاله؛ من تنفيع في مناقصات أو استثناءات أو محاصصة في التعينيات وتجاوز للقانون وغيره من تلك الأوجه.
إلا أن الفساد الذي أصاب المؤسسة التشريعية برأي كثيرين هو فساد يفوق كل أشكال الفساد وألوانه، فكيف لأعضاء هذه المؤسسة أن يشرعوا وكيف يؤتمنون على أنهم ضمير الشعب الذي يراقب؟ورغم هذه الاختلافات في وجهات النظر، يرى أغلب المراقبين أن ساحة الإرادة استطاعت إحياء نبض الشارع مساء الأربعاء، وأثبتت قدرته على التفاعل مع قضاياه الحيوية والمصيرية، وبرأي آخرين فإن هذه الصورة التي عكستها حشود الأربعاء الرافضة والغاضبة ليست بالضرورة أن تكون نفسها أمام صناديق الاقتراع في ما لو حُلّ المجلس وأجريت انتخابات خلال شهرين من الحل.تساؤلاتلكن التساؤل الذي يبقى قائماً هو ماذا بعد أربعاء الإرادة؟ وإلى أين تسير الأمور؟ وهل من الاحتمالات القائمة حل المجلس أو تغيير الحكومة والإبقاء على المجلس؟هناك من يعتقد بأن الأمور ستبقى على ما هي عليه ولن تتغير، وبرأيهم أن هناك من سيقول أن موضوع الإيداعات المليونية في أروقة القضاء وأي تصعيد في هذا الشأن هو تدخل في اختصاصات السلطة القضائية، ويغفل هؤلاء بهذا الرأي الشق السياسي من الموضوع وليس الجانب الجنائي وحده. وفي كل الأحوال فإن أصحاب هذا الرأي مصرون على بقاء الأوضاع على ما هي عليه، لكنهم يستدركون قائلين: إذا كانت حشود الإرادة ستستمر وستشهد تنامياً في أعدادها لافتا للنظر فربما يكون للمسألة شأن آخر". آخرون يرون أن المسألة ليست كسابقاتها هذه المرة، فحشود الأربعاء اتسمت بشعاراتها المكتوبة وخطابها السياسي بمناشدة واضحة وصريحة لحضرة صاحب السمو، بينما غلب على الحشود السابقة مطالبات مباشرة لسمو رئيس الوزراء بالرحيل.القضية غدت أكثر تعقيداً، وأي قرار سوف يتخذ سيكون قراراً مصيرياً، وينتظر كثيرون موقفاً واضحاً من السيد رئيس مجلس الأمة، الذي لام من آثار قضية الإيداعات وطلب التأكد من المعلومات قبل نشرها... الآن وبعد أن أصبح الأمر بيد النيابة، وبعد أن أعلن من النواب من أعلن مرافعاً بقوله إن هذه الأموال هي "قطيّه" من القبيلة أو أنه وجدها في "كبت" والدته بعد وفاتها، أصبح صمت الرئيس أكثر إحراجاً، فضلاً عن أن الأنظار تتجه لما يمكن أن يترتب على لقائه مع صاحب السمو في طريق عودته إلى البلاد من الولايات المتحدة، خصوصاً أن للسيد رئيس مجلس الأمة دوراً حيوياً في المشكلات الكبيرة التي تمر على البلاد، ومشهود له قدرته في التأثير وفي إيجاد الحلول. وفي كل الأحوال فإن لرأيه أهمية كبيرة في تداعيات الإيداعات المليونية وفي الخيارات المتاحة أمام القيادة السياسية.مفترق طرقويلخص البعض المشهد السياسي المحلي بالقول: نحن أمام مفترق طرق وأمام خيارات مصيرية صعبة، وتتلخص جميعها إمّا في الإبقاء على الوضع كما هو عليه في حال لم يحصل المعارضون على تأييد 25 نائباً لعدم التعاون ومحاولة العبور بالأوضاع إلى حين انتهاء هذا الفصل التشريعي، وهو أمر تشوبه كثير من المحاذير، لا سيما أن أعداد النواب الذين أصبحوا يؤيدون عدم التعاون مع سمو الرئيس في تزايد قد يصل إلى العدد المطلوب، فهم يتحدثون عن 23 نائباً مؤيداً لذلك حتى الآن... وتغيير موقف اثنين من النواب الآخرين ليس بالأمر المستحيل.أمّا الخيار الآخر فهو استقالة الحكومة، وهو مستبعد وفقاً للمعطيات وما هو متداول من معلومات، في حين أن الخيار الثالث هو حل المجلس والدعوة لانتخابات تأتي بمجلس جديد وحكومة جديدة، ويعتقد كثيرون أنه إذا ما اتخذ بهذا الرأي فإن المجلس الجديد لن يكون بيد الحكومة وسيكون مجلساً قوياً يصعب التعامل معه.أصبحت الورقة الحاسمة الآن بيد أصحاب القرار من جهة، وقدرة الشارع على المحافظة على زخمه من جهة أخرى، وهو ما سوف تحدده الأسابيع المقبلة.