علماء تحت راية الإسلام: ابن النفيس... الفقيه مكتشف الدورة الدموية

نشر في 03-08-2011 | 22:01
آخر تحديث 03-08-2011 | 22:01
يعد ابن النفيس خاتمة سلسلة طويلة من عباقرة العلماء المسلمين الذين تركوا أثرا في تاريخ العلوم وأزاحوا الستار عن سر من أسرار الجسم البشري، فهو مكتشف الدورة الدموية الصغرى وطبيب عصره، الذي وصفه معاصروه بـ»فرد الدهر وأخو العلم ووالده»، صاحب كتاب «الشامل في الصناعة الطبية»، أضخم موسوعة طبية يكتبها شخص واحد في التاريخ الإنساني في ثمانين مجلداً.

ولد علاء الدين أبوالعلا علي بن أبي الحزم النفيس القرشي في بلاد الشام، في قرية قريبة من دمشق سنة 607هـ/1211م، حيث أمضى الفترة الأولى من حياته يتلقى العلم، وتلقى علمه على يد أهم وأشهر علماء الطب في زمنه، إلا أن نبوغه لم يتأكد إلا بعد هجرته إلى القاهرة في سنة 633هـ/1236م تقريبا، فقد أصبح أكبر أطباء سلاطين الأيوبيين في مصر، وترقى حتى أصبح مديرا للبيمارستان (المستشفى) الناصري، ما وفر له الوقت والمال لإنجاز أبحاثه الطبية.

لم يكن ابن النفيس طبيبا بارعا فحسب بل كان فقيها يدرس الفقه في مدارس القاهرة على المذهب الشافعي، كما كان نحويا بارعا انتهى إليه علم النحو في عصره، كما ألف ابن النفيس كتابه «فاضل بن ناطق» معارضا كتاب ابن سينا «حي بن يقظان»، انتصر فيه لرأي الشرع والدين على حساب الفلسفة والميتافيزيقا.

ويعد ابن النفيس أهم شراح كتاب «القانون» في الطب لابن سينا، حتى قيل إن «ابن النفيس جرأ الناس على ابن سينا»، بعد أن بسط آراء ابن سينا في كتبه وقدمها في صورة مبسطة لطلاب العلم، ولا يعني هذا أن كتاب «شرح تشريح القانون» مجرد شرح لما جاء به ابن سينا، بل هو أقرب للتأليف الخالص فقد رد ابن النفيس على ابن سينا وفند الكثير من آرائه بل وآراء جالينوس.

واقترن اسم ابن النفيس باكتشافه الدورة الدموية الصغرى التي سجلها في كتابه «شرح تشريح القانون»، غير أن هذه الحقيقة ظلت مختفية قرونا طويلة، ونسبت وهما إلى الطبيب الإنكليزي «هارفي» المتوفى سنة 1068هـ/1657م، الذي بحث في دورة الدم بعد ما يزيد على ثلاثة قرون ونصف من وفاة ابن النفيس.

وظل الناس يتداولون هذا الوهم حتى أظهر الحقيقة د. محيي الدين التطاوي في رسالته العلمية التي تقدم بها لجامعة فرايبورغ بألمانيا سنة 1924م، وقد أثار ما كتبه الطبيب التطاوي اهتمام الباحثين، وفي مقدمتهم «مايرهوف» المستشرق الألماني الذي كتب في أحد بحوثه عن ابن النفيس: «إن ما أذهلني هو مشابهة، لا بل مماثلة بعض الجمل الأساسية في كلمات سيرفيتوس لأقوال ابن النفيس التي تُرجمت ترجمة حرفية».

ولما اطلع «الدوميلي» على المتنين قال: «إن لابن النفيس وصفا للدوران الصغير تطابق كلماته كلمات سيرفيتوس تماما، وهكذا فمن الحق الصريح أن يعزى كشف الدوران الرئيسي إلى ابن النفيس لا إلى سيرفيتوس أو هارفي».

توفي ابن النفيس في القاهرة بعد أن ملأ سماءها علما عام 687هـ/1288م عن عمر ناهز الثمانين، ومما يؤثر في وفاته أنه مرض ستة أيام، فأشار عليه بعض أصحابه من الأطباء بتناول شيء من الخمر كدواء، فرفض ابن النفيس قائلا: «لا ألقى الله تعالى وفي بطني شيء من الخمر»، ومات ابن النفيس بعد ان اوقف كتبه ومكتبته على البيمارستان المنصوري بالقاهرة.

back to top