أنيس منصور وسمات المرحلة

نشر في 23-10-2011
آخر تحديث 23-10-2011 | 00:01
 آدم يوسف «ورقة الجنيه التي خرجت من المطبعة الآن تساوي بالضبط الورقة التي دارت على حلّ شعرها عشرات السنين».

* أنيس منصور

تنسب المقولة السابقة، ومعها عشرات الحكم والأمثال إلى الكاتب المصري الراحل أنيس منصور، ومع جزمنا بما تحمله هذه الحكم من اختزال محبب وأفق خيالي واسع إلا أنه يصعب تأكيد نسبتها إلى هذا الكاتب أو ذاك، بعد أن أصبحت تروى، وتنتقل بين وسائل الإعلام كيفما اتفق.

ينتمي الكاتب الراحل أنيس منصور إلى جيل أدبي يحوي من يوصفون بعمالقة الأدب، من بينهم: طه حسين، عباس محمود العقاد، مصطفى صادق الرافعي، الشاعر كامل الشناوي، إبراهيم المازني، وإن شئنا الدقة هو لم يكن مجايلا لهم، بقدر ما كان أحد تلاميذهم، فقد جاءت ولادته تالية لولادة هؤلاء بما يزيد على خمسة وعشرين عاما، وإن كان مجايلا لهم بشكل أو بآخر، فقد أصدر منصور كتابه «في صالون العقاد «كانت لنا أيام» ليصبح الأشهر على الإطلاق، بل إن هذا الكتاب كان أحد الكتب التي ذاعت أواسط الثمانينيات من القرن المنصرم، وشكل أحد أهم أسباب انتقال أنيس منصور إلى الأفق العربي الأرحب، وأذكر كيف كانت المكتبات، في مدينة الرياض تعرضه باهتمام بالغ، ومعه كتاب آخر بعنوان: «حول العالم في 200 يوم» الذي شكل أحد مرتكزات الكتابة العربية في أدب الرحلات، وكان الكتابان يلقيان رواجا كبيرا، ومازلت أحتفظ في مكتبتي بنسختين اقتنيتهما منذ تلك الفترة.

أهمية أنيس منصور برأيي ليست تكمن في كونه كاتبا صحافيا، أو فيلسوفا، بقدر ما كانت في مقدرته على التنقل من فن كتابي إلى آخر، فقد استفاد من دراسته الفلسفة واستطاع توظيفها في كتابات أخرى وصفت بـ»الماورائية» تجلت في أهم كتبه: «الذين هبطوا من السماء» و»الذين عادوا إلى السماء»، و»لعنة الفراعنة»، وكتاب نوعي آخر حمل عنوان «الوجودية»، فتحت له هذه الكاتب واسعا مجال الانتقاد والأخذ والرد، مما كانت أحد أسباب شهرته المضاعفة.

أنجبت أرض الكنانة إبان فترتي السبعينيات والثمانينيات أسماء لامعة في عالم الكتابة، هي أحد أسباب رواج القراءة آنذاك، وبرأيي أن سبب الانصراف عن القراءة بالنسبة إلى الأجيال الراهنة لا يتوقف على تطور التكنولوجيا وانشغال الناس بها، وإن كانت سببا لا يستهان به، وإنما بسبب غياب أقلام رشيقة وقصائد جاذبة كتلك التي يقدمها أدباء تلك المرحلة، فمعارك العقاد والرافعي وطه حسين بقيت حتى هذه اللحظة عالقة في الأذهان ممن كان يقرأ لهم، كما أنه بالنسبة إلى الكتابة الوجدانية الرقيقة، بما تحمله من بُعد حسي مثير للجدل في كثير من الأحوال لها كتابها ومريدوها، ومن هؤلاء إحسان عبدالقدوس، الذي كان مجايلا لأنيس منصور، وكذلك الشاعر المبدع «كامل الشناوي» الذي شغل قلوب الشباب بقصائده: «لا تكذبي»، «لست قلبي»، و»حبيبها». واشتهرت هذه القصائد كثيرا بعد أن قدمها العندليب الأسمر بصوته الشجي الحالم.

وأما إحسان عبدالقدوس فقد شغل الناس بكتاباته الوجدانية ذات الطابع الحسي، ووجدت كثيرا من الانتقاد، تظهر هذه الحسية الصارخة من عناوين كتبه «الوسادة الخالية»، «في بيتنا رجل» «أنا حرة»، و»لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص»، وبالطبع ترافق هذه الإصدارات صورة للغلاف غالبا ما تحوي فتاة جذابة، أو وضعية مثيرة لامرأة ما، وكانت هذه الأغلفة سمة عامة لإصدارات تلك المرحلة فترتي السبعينيات، والثمانينيات، ويمكن دراسة هذه الظاهرة (أغلفة الإصدارات) في سياق متصل مع المرحلة التي تصدر فيها.

كما أن ثمة سمات كتابية أخرى برزت كثيرا في صحافة تلك المرحلة، وهي الكتابة تحت عناوين «هو وهي»، في إشارة إلى ثنائية المرأة والرجل، والحوار العاطفي بينهما، يظهر ذلك في أعمدة الصحافيين، وبعض الإصدارات الأخرى، جميع تلك السمات ومعها ما أشرنا إليه من بروز وانتشار «الحكم المختزلة» كانت سمات لمرحلة ثقافية وإبداعية هامة أنتجت لنا أسماء كتابية كبيرة، من بينها الأديب الراحل أنيس منصور.

back to top