من الازدحام المروري إلى الإضرابات... العلة في عقلية إدارة الأزمات

نشر في 12-10-2011 | 21:00
آخر تحديث 12-10-2011 | 21:00
No Image Caption
شعور عام لدى موظفي الدولة بأن الحكومة لن تستجيب إلا "بالعين الحمرا"

هل هناك حكومة في العالم تدرس إقرار زيادات للعاملين في القطاع الخاص؟

يبدو أن القياديين في الكويت يحتاجون هذه الأيام إلى دورات مكثفة في علم إدارة الأزمات، خصوصا بعد أن أثبت التعامل مع أكثر من قضية مستجدة على الساحة المحلية، أن آلية التعامل الحكومي أسهمت في رفع درجة الأزمة، إمّا عبر وضع الحلول غير المدروسة، أو بإهمال القضية حتى تصل إلى مرحلة الأزمة المستفحلة.

فمن الازدحام المروري الخانق يومياً، مروراً بأزمات متفرقة في القبول الجامعي، والتباطؤ غير المبرر في حسم ملفات مفوضي هيئة أسواق المال، وتشكيل لجان استشارية لمناقشة ما سبقت مناقشته من قضايا، إلى الإضرابات التي عمّت معظم مرافق الدولة, يمكن لأي راصد أن يلمس أن الخلل في معظم هذه الأزمات يتركز في طريقة التعامل معها.

فمثلاً, قضية الإضرابات وانتشارها السريع بين موظفي الدولة لم تكن لتتضخم لولا التعاطي الحكومي المرتبك مع الإضراب الذي لوح به الشهر الماضي اتحاد عمال البترول، فاتخذت الحكومة قراراً سريعاً بإلغاء الزيادات التي اعتمدها مجلس الخدمة المدنية، والتي أتت بعد دراسة مستفيضة، واستبدالها بالموافقة على مطالب اتحاد البترول, هنا ساد الشعور العام بين موظفي الدولة بأن الحكومة لن تستجيب لأي مطالب إلا "بالعين الحمراء".

ولعل إضراب موظفي الجمارك الأسبوع الجاري، الذي شل مرافق مهمة على مستوى الدولة كالمنافذ والجمارك، يأتي نتيجة طبيعية جداً بعد "خوف" الحكومة من إضراب عمال النفط, فمن يتراجع مرة لن يتوانى عن التراجع مرات أخرى، خصوصا أن شريحة مهمة من الوزراء وعدت موظفيها بالموافقة على مطالبهم دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، الذي يصر على عدم اعتماد أي كادر أو زيادة إلا عبر مجلس الخدمة المدنية (...) مما يعد اختلالا في مفهوم التضامن الوزاري من جهة، إضافة إلى إعطائه مزيداً من المحفزات للنقابات والاتحادات التي لم تضرب حتى الآن من جهة أخرى.

ومن علامات ضعف الإدارة الحكومية لأزمة الإضرابات تهديدها باستبدال المضربين بعناصر من الجيش والحرس الوطني، وهو ما اعتبره العديد من الموظفين تلويحاً غير مباشر باستخدام القوة، في حين تساءل آخرون: "كيف يمكن لعسكريين التعامل مع مسائل فنية دقيقة تتعلق بأعمال الجمارك أو المختبرات الطبية أو مهن أخرى كالقانونيين مثلاً؟!".

"كرة ثلج" البطالة

طبعاً، ضعف إدارة الأزمات في الدولة لا يمكن اختصاره فقط في التعاطي الحكومي مع الإضرابات, بل إنه يمتد إلى معظم القطاعات الحيوية، مما يشير إلى أننا سننكشف أمام أي أزمة حقيقية تواجهنا في المستقبل، لا سيما في "كرة ثلج" البطالة التي تنمو يوماً بعد آخر، أو عبر انخفاض أسعار النفط في أي أزمة عالمية دون سعر التعادل في الميزانية البالغ 60 دولاراً حسب ميزانية 2011 -2012، والتي بدون شك ستدفع الكوادر، لا سيما النفطي منها، إلى رفع سعر التعادل إلى مستويات أعلى.

المشكلة أن الحكومة كلما رضخت لمطالب الجهات والنقابات والنواب في إقرار كوادر وبدلات مالية جديدة ثبطت خططها الخاصة بتشجيع الشباب الكويتي في العمل بالقطاع الخاص، لأن الراتب الحكومي بات يقترب أكثر فأكثر من راتب القطاع الخاص مع جهد وساعات عمل أقل، مما حدا بمدير التخطيط في برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة إلى التصريح بأن البرنامج يسعى إلى إعداد دراسة متكاملة لزيادة بدلات الكويتيين في القطاع الخاص.

تصريح كهذا يكشف أن الدولة، عبر زياداتها المتكررة وغير المدروسة، قتلت تنافسية القطاع الخاص، وقللت قدرته على استقطاب العمالة الوطنية إلى أدنى مستوى، لدرجة أنها تنوي رفع سقف بدل دعم العمالة الوطنية، لتزيد من رغبة الشباب في العمل لدى القطاع الخاص، في وقت كان من الأفضل للجميع أن تطرح مشاريع تنموية حقيقية توفر فرص عمل مستمرة وطويلة الأمد.

بشكل هستيري

في الحقيقة, لقد خلقت الحكومة، ومعها البرلمان من خلال التعاون مع الكوادر والرواتب خلال 10 سنوات ماضية، فروقات غير مهنية في الرواتب بين موظفي الدولة، فبات راتب حامل الشهادة الثانوية في القطاع النفطي أو العسكري يبلغ ضعف راتب الجامعي العامل في القطاع الحكومي, وهذا خلل لا يرتبط فقط بمفاهيم العدالة وتكافؤ الفرص، بل قتل حتى من جدوى التعليم وتنافسيته في اكتساب فرصة العمل الأفضل.

ولعل الخوف ليس فقط من تراجع أسعار النفط، بل من كيفية تعامل الدولة، حكومةً وبرلماناً، مع هذا الانخفاض، في وقت تتزايد فيه عمليات الإنفاق بشكل هستيري، خصوصاً إذا علمنا أن ديوان الخدمة المدنية مكلف بدراسة نحو 32 كادراً وظيفياً لموظفي الدولة، بكلفة إجمالية لن تقل (حسب إحصائية الحكومة) عن 828 مليون دينار، وبالطبع كلما زادت الإضرابات زاد المبلغ والكلفة في الميزانية.

ورغم أن الحكومة تشكو في كل موازنة تصدرها من وجود خلل واضح في تركيبة الإنفاق على أبواب الميزانية، لا سيما الباب الأول الخاص بالرواتب والأجور، الذي يلتهم وحده 7.5 مليارات دينار من أصل 19.5 مليار دينار، فضلاً عن نحو 4 مليارات لدعم الخدمات والسلع الأساسية، فإنها (أي الحكومة) لا تمارس أي جهد لتعديل هذا الاختلال، بل بالعكس تسابق النواب أحياناً في كسب ولاء الموظفين والنقابات عبر تمرير زياداتهم كاملة وبلا نقاش.

ويجب أن نستذكر، عند الحديث عن الإضرابات والكوادر والأزمات، ما قيل عن اللجنة الاستشارية الاقتصادية التي تشكلت قبل نحو شهرين، وكان من ضمن مهامها دراسات الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكويتي والميزانية العامة للدولة التي تشكو الحكومة من تضخمها، إلا أن التعاطي الحكومي مع الكادر الخاص بالقطاع النفطي أصاب الأعضاء والمتابعين لأعمال اللجنة بالإحباط، خصوصا أن الشكوك ثارت منذ بداية تأسيس هذه اللجنة بأنها لن تكون أفضل حالاً من لجان كثيرة سبقتها وضعت توصياتها الإصلاحية في أدراج الحكومة بلا تنفيذ.

فوضى عارمة

المشكلة أن معظم الأزمات التي تواجه الحكومة معروفة البيانات سلفاً, فلو قرأت الحكومة أرقام التعليم العام ما وقعت أزمة القبول الجامعي، وإذا درست أرقام طلبة الجامعات والمعاهد فلن تقع أزمة كبرى غداً في سوق العمل أو السكن، ولو تعاملت من البداية بحزم مع الكوادر والإضرابات ما حصلت هذه الفوضى العارمة في قطاعات الدولة.

لو خرج مسؤول حكومي في ذروة الزحام الصباحي ـ المسائي ليعاين حالات الاختناق المروري لربما وجد حلاً، يبدأ من الاستفادة من عناصر الجيش والحرس الوطني في تنظيم الحركة المرورية، بدلاً من التلويح باستخدامهم كبدائل لمضربين، فضلاً عن إيجاد حلول عملية بعيدة المدى، كبناء طرق جديدة وجسور وتخفيف ضغط المراجعين لمؤسسات الدولة في العاصمة.

 

ـ كيف يمكن لعسكريين التعامل مع مسائل فنية دقيقة تتعلق بأعمال الجمارك أو المختبرات الطبية أو مهن أخرى كالقانونيين مثلا؟!

ـ ليس الخوف فقط من تراجع أسعار النفط بل من كيفية التعامل مع هذا الانخفاض في وقت يتزايد فيه الإنفاق بشكل هستيري

ـ إضراب موظفي الجمارك يأتي نتيجة طبيعية جداً بعد "خوف" الحكومة من إضراب عمال النفط

ـ يظل السؤال قائماً: ما رأي اللجنة الاستشارية الاقتصادية في آلية التعامل الحكومي مع الأزمات الاقتصادية ولا سيما المتعلقة بالكوادر والإضرابات؟

back to top