الأحرار الملثمون لمصطفى الأنصاري... الطوارق بين الإرهاب والثورة والحب

نشر في 30-11-2011 | 00:01
آخر تحديث 30-11-2011 | 00:01
No Image Caption
صدر أخيراً عن «دار مدارك للنشر» كتاب «الأحرار الملثمون، الطوارق بين الإرهاب والثورة والحب»، للصحافي والكاتب مصطفى الأنصاري.

انطلق الكاتب من رحلات صحافيَّة عدة قام بها إلى دول الطوق المحيطة بالطوارق، ثم تعمَّق في الصحراء واقترب من أهلها وسكانها، فروى حكاية الثورة التي انطلقت مبكراً عند عرب صحراء أزواد وطوارقها، ووقف عند الإرهاب وخطف الرهائن والتقى المهندس الأكبر لإطلاق أولئك الرهائن إياد أق غالي.

لم ينسَ المؤلف أن يعرج على قاعدة الفكر العربي في تمبكتو في مالي وجارتها السلفية، قبل أن يختم بإحدى أكثر عادات الطوارق إثارة، وهي تقاليدهم وطقوسهم في الحب التي ساروا عليها حيناً من الدهر على طريقة عرب الجاهلية الأوائل.

يرى الأنصاري أن الطوارق ظلّوا مئات السنين، مفردة غامضة ترمز إلى الغموض والشراسة والفتك، ومبعثاً ثرياً يدهش الباحثين الأجانب ممن حاولوا سبر تاريخ الطوارق وعاداتهم وتقاليدهم في مضاربهم المتناصرة على تلال الرمال الصحراوية في ما يعرف تاريخياً بالصحراء الكبرى أو «أزواد»، التي قسمها الاستعمار الفرنسي بين دول الجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر. إلا أن هذه الصورة الأسطورية للطوارق سريعاً ما وجدت نفسها مهددة بالاندثار أمام العوامل الطبيعية الصعبة كالجفاف وحروب الإبادة الجماعية والعنصرية والتهميش التي تواطأت عليها الحكومات المسيطرة على مناطقهم، وباتوا أكراداً آخرين في غرب أفريقيا. كذلك يقول أحد قادة الثورة العسكريين في التسعينيات من القرن الماضي هباي بن محمد علي إن الشبان الطوارق الذين نشأوا على أساطير البطولة وغزوات أجدادهم ومقاومتهم للمستعمر نهضوا مجدداً لحماية مجدهم الغابر الذي يراهنون على بقائه مثالاً لتاريخ وأسطورة لا يفنيان، وأعلنوا ثورتهم.

يفيد الأنصاري بأن مشكلة الطوارق بدأت في التعقيد منذ التوجه إلى الاستقلال في منطقتهم عام 1958، حيث صعدت احتجاجات قوية لدى معظم سكان أزواد ترفض مشروع تقسيم الصحراء، وكان على سكان الشمال التصويت إما للبقاء تحت السيادة الفرنسية، أو لتقسيمهم إلى شتات بين دول الجوار، فصوَّت الطوارق للانضمام إلى مالي والنيجر، مفضلين السيادة المسلمة مهما كان لونها أو جنسها على السيادة الاستعمارية، أملاً في أن يتفاهموا مع الأفارقة بعد رحيل الاستعمار.

تيارات دينية

حسب المؤلف، بزغ فجر الإسلام في غرب أفريقيا، وتوغَّل في صحراء الطوارق عبر بوابتها الغربية «تمبكتو»، آتياً من المغرب العربي في مرحلة مبكرة من القرن الرابع الهجري، إلا أن عدداً من الباحثين العرب والطوارق لا يجزم بأن المنطقة بدأت في اعتناق «المذهب المالكي» الذي ظلَّ سائداً في ما بعد. ومع أن الاعتزاز بالمذهب المالكي لم يتحوَّل في أكثر مناطق شمال أفريقيا، إلا أن أبناء العرب والطوارق الذين درسوا في الجامعات الخليجية، قادوا حملة دعوية خلال العقدين الماضيين ضد التوجه الصوفي والأشعري السائد في بعض مناطق المغرب العربي وغرب أفريقيا، صاحبه انصراف كبير بين الطلبة الجدد وأتباعهم عن المذهب المالكي إلى الحنبلي في الفروع، وتحوّل من العقيدة الأشعرية السلفية التي درسوها، وأرادوا الترويج لها بإخلاص بين القبائل العربية والطارقية في تلك المناطق.

الدعوة السلفية التي اشتهرت باسم «الوهابية» بين الصحراويين، اكتسحت المنطقة الصحراوية ومعظم المدن الزنجية، حتى اشتهرت مدن مثل سيكساكو (وسط مالي) بسلفيتها، وتعرَّض نشاطها لانتكاسة شديدة بعد أحداث 11 سبتمبر في أميركا، بسبب قلة البعثات الدعوية والتمويل الآتي من الخليج، الأمر الذي انتهزته «جماعة الدعوة والتبليغ»، فوظَّفت الركود الذي تبع ذلك، واستطاعت بإمكاناتها المالية والبشرية، أن تقود التوجه الإسلامي في مناطق العرب والطوارق في مالي والنيجر.

ظواهر

يلفت الأنصاري إلى أن ظاهرة التبرك بقبور الأولياء وأضرحتهم من الظواهر المنتشرة لدى بعض الفرق الإسلامية مثل الصوفية والشيعة، وهي تعدّ بدعة محدثة لم تعرف عند المسلمين في القرون المفضلة.

نالت الصحراء الكبرى دورها من هذه الظاهرة، وبما أن تمبكتو هي عاصمتها الروحية، فهي تشغل مكاناً مهماً في خارطة التصوّف في شمال أفريقيا، لذا اشتهرت المدينة بأضرحتها الكثيرة، ولا تكاد تمرّ في أي جزء من أجزاء المدينة من دون أن ترى قبر ولي هنا أو ضريح عالم كبير هناك، وتضمّ المدينة نحو 360 ولياً يتبرك بهم أهل تنبكتو وغيرهم.

دولة الحب والنساء

يشير المؤلف إلى أن من يقرأ كتابات المبدعين الطوارق، ويسمع ويرى على أرض الواقع طقوساً وتقاليد يحاول بها الطوارق ترجمة مكانة النساء في أقاليمهم المختفلة، ينتهي إلى أن أول دولة لـ{النساء» إن كانت ستقام يوماً في الأرض، فستكون طارقية لا محالة. هذا التصوّر، وإن كان لا يخلو ميدانياً من مبالغة، إلا أن لا شك في أن أي مجتمع بدائي حتى الآن، لم يعط النساء مكانة كالتي يزعم الطوارق أن المرأة بصفاتها كافة تحظى بها. حتى إن باحثين انتهوا إلى أن مجتمع الطوارق «أموي»، وليس أبوياً، ويعلي من شأن قرابة الأم أكثر من اعتنائه بنظيرتها الأبوية.

بالنسبة إلى الحب، فطقوسه في المجتمع الطارقي، وإن اختلفت بين عربه وعجمه وقبائله وعشائره، تبقى مشابهة في مجموعها الكلي لما كنَّا نقرأه في طقوس الحب لدى شعراء الجاهلية الأولى، مثل امرئ القيس والأعشى وعنتر. ربما ساعد على هذا التلاقي تشابه الطرفين في الظروف والبيئة، ناهيك بأن ثقافة عرب الجاهلية لها حضور قوي في المنطقة عبر تقاليد أهلها العريقة في الدرس والتعليم. فالمدرسة التقليدية هناك قائمة على التسلسل. بعد أن ينهي الطالب القرآن، ينتقل مباشرة إلى دراسة النحو، مصحوباً بالمعلقات العشر ومقامات الحريري، ثم من بعد ذلك إلى مزيد من العلم إن كان مهتماً. وقلما يكون الشاب فارساً في المغامرات العاطفية من دون أن يكون له من ذاك الشعر الجاهلي هزيج أو هتاف.

عند سؤال الطوارق عن الأبيات صاحبة الحضور الأقوى، يقولون فوراً إنها أبيات للملهم الأكبر امرئ القيس، فهو إلى جانب فتوته وبراعته في الإيقاع بالحسان، كان فارساً يُلهب حماسة شبان «أزوا» الذين ما زالوا حتى اليوم يفاخرون غيرهم بشجاعتهم وإقبالهم على الموت ساعة اللزوم، حتى قيل إن «الثورة مادة أصيلة في دماء الطوارق»، وإذا بدأ طقس البحث عن ديار المحبوب ليلاً لا بد من التغني بقول بن حجر:

إذا ما الثريا في السما تعرضت تعرض أثناء الوشاح المفصل

فجئت وقد نضّت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل

back to top