خطوات عمليَّة للوقاية من الحساسيَّة

نشر في 07-01-2012 | 00:01
آخر تحديث 07-01-2012 | 00:01
صحيح أن أنواع الحساسية كثيرة، لكنها بدأت تتخذ أشكالاً غير مألوفة. مع ذلك، أصبحت طريقة محاربة الحساسية أكثر فاعلية بفضل المتابعة الطبية التي تحسنت بدورها. في ما يلي، لمحة عن هذه الحالة المزمنة التي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مجال عالم الطب.

يكثر الحديث عن الحساسية في موسم غبار الطلع، عندما يعود التهاب مخاطية الأنف للظهور مع ما يرافقه من عطس وسيلان الأنف وعيون دامعة. لكن بالنسبة إلى عدد كبير من الأطفال والراشدين، تشكل هذه الحالة مشكلة شبه دائمة.

في حال الإصابة بالحساسية تجاه بعض أنواع الطعام أو وبر الحيوانات أو المركّبات الكيماوية، لا يوجد موسم معين لاشتداد الحالة. يُصاب حوالى 30% من الناس حول العالم بحساسية معينة وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية التي تطرح أرقاماً لا تبشّر بالخير. فمن المتوقع أن يُصاب شخص من أصل اثنين بالحساسية بحلول عام 2018.

وفق الخبراء، تغيّرت أشكال الحساسية. بعد إحراز تقدم هائل خلال السنوات الثلاثين الماضية، تميل أشكال الحساسية التنفسية إلى الركود وتسجيل معدلات ثابتة بينما تتطور أنواع الحساسية الغذائية في الفترة الراهنة. يبدي حوالى 8% من الأطفال حول العالم رد فعل تجاه الأغذية عموماً.

يلحظ الأطباء أيضاً ظاهرة جديدة تتمثل في ظهور عوامل متعددة تسبب الحساسية وتعقّد الحالة. الأصعب من ذلك، هو ظهور «حساسيات متداخلة» تنجم عن عوامل لها تركيبات متشابهة، وتستمر مدى الحياة.

عوامل مسبِّبة

- التنفس: حشرات العثّ (في فصل الشتاء وحتى شهر أبريل)، وبر الحيوانات الأليفة، العفونة، غبار الطلع في الأشجار والنباتات، الرواسب الجوية (نتيجة رطوبة الجو وهطول الأمطار الغزيرة في موسم غبار الطلع).

- اللمس: معدن النيكل، مركبات موجودة في بعض مستحضرات التنظيف، مادة اللاتكس.

- عن طريق الأكل:

عند الأطفال: البيض، الفول السوداني، حليب البقر، البقوليات (صويا، حمص، فاصوليا، عدس...)، السمك، الجوز، اللوز، البندق، الكاجو، الفستق، حبوب الفطور، المنتجات من فئة «اللاتكس» (أفوكادو، كيوي، موز، كستناء)، الشمار، الجزر، الكرفس، البقدونس، الكزبرة.

عند الراشدين: التفاح، الكرز، الفراولة، الإجاص، الخوخ.

- في الأدوية: تحديداً في المضادات الحيوية مثل البنسلين.

ليست حكراً على عمر معين:

يظهر 90% من أنواع الحساسية في مرحلة الطفولة، ومن المنطقي أن يرتفع عدد الحالات نظراً إلى تزايد أنواع الحساسية.

لكن يجب ألا يخفي هذا الواقع جانباً مقلقاً آخر من هذه الظاهرة. بعدما كانت عوارض الربو في الماضي تميل إلى الاختفاء بعد مرحلة الطفولة مثلاً، تُسجَّل اليوم أعداد إضافية من حالات الربو التي تستمر على رغم التقدم في السن. صحيح أن العدد الأكبر من حالات الحساسية الغذائية يتراجع مع مرور الوقت، لكن يُصاب المراهقون تحديداً بالأزمات الأكثر خطورة. كذلك، تظهر حالات حساسية متزايدة في مرحلة متأخرة، بين سن الأربعين والخمسين، أو حتى في خريف العمر أيضاً. لكن بما أن هؤلاء الأشخاص لم يعانوا يوماً من هذه الحالات، فغالباً ما يتأخرون في استشارة الطبيب.

التلوث يزيد الحالة سوءاً

لا شك أن المبالغة في النظافة الشخصية وتناول المضادات الحيوية تولّد بيئة تناسب انتشار مختلف أنواع الحساسية. كذلك يعزز التلوث انتشار العوامل المسبِّبة للحساسية. لكن لا يجب تجاهل العوامل الوراثية في هذا المجال. يبلغ خطر إصابة الطفل بالحساسية 40% إذا كانت والدته مصابة بالحساسية أيضاً، بينما تبلغ هذه النسبة 30% إذا كان الوالد مصاباً بها، و80% إذا كان الوالدان معاً مصابين بالحساسية. تنجم الحساسية عموماً عن التقاء العامل الوراثي والبيئة التي تسهّل انتشار الحساسية.

لكن لا يقتصر الأمر على ذلك وفق الخبراء. تؤدي جزيئات التلوث إلى تغيير أشكال بعض المورّثات، ما يعني ظهور بعض ردود الفعل المناعية المتفاوتة، أي ما يُسمّى بالحساسية.

يبقى أن يعرف العلماء ما إذا كانت ردود الفعل هذه ستنتقل إلى الأجيال اللاحقة. في مطلق الأحوال، قد يساهم كل فرد في تطوير ظاهرة الحساسية في محيطه. يكتفي العلماء في الوقت الراهن بطرح فرضيات بسيطة، لكن تتعدد الأسباب التي تدعونا إلى الحذر في البيئة المحيطة بنا. مقابل ظهور أشكال جديدة من الحساسية، تبرز أساليب للوقاية والعلاج من هذه الحالات.

فحوصات فاعلة

أفضل ما يمكن أن يحصل هو تشخيص الحساسية في مرحلة مبكرة. يقضي الهدف الأساسي بوضع استراتيجية فاعلة للتخلص من العامل المسؤول عن الحساسية، ومواجهة الأزمات الأكثر صعوبة، فضلاً عن تجنب أنواع الحساسية الأخرى. كلما ارتفع عدد العوامل الجديدة المسؤولة عن حالة الحساسية، تتراجع قدرة الجسم على مقاومتها. لحسن الحظ، تتوافر فحوصات عدة يمكن الخضوع لها لتشخيص الحالة باكراً:

- فحوصات جلدية أكثر دقة: تقضي هذه الوسيلة بوضع قطرة من العامل المسبِّب للحساسية على البشرة لقياس حدة رد الفعل (احمرار، انتفاخ...). هذه الطريقة قائمة منذ فترة طويلة، لكنها أصبحت أكثر فاعلية بعد التخلص من تركيبات غير دقيقة في العوامل المسبّبة للحساسية. إنه فحص مثالي في المرحلة الأولية.

- فحوصات دم بالغة الدقة: تقضي هذه الطريقة بسحب القليل من الدم لدراسة تطور الأجسام المضادة. إنه فحص شائع. أما الجانب الثوري في هذه الفحوصات، فيتعلق بمعرفة الجزء الموجود في عامل الحساسية، وهو العنصر الذي يبدي الجسم رد فعل تجاهه. بحسب طبيعة الحساسية، يمكن توقع حدة ردود الفعل اللاحقة. يتم اللجوء إلى هذا التحليل لتشخيص أنواع الحساسية تجاه الأغذية وغبار الطلع ووبر الحيوانات الأليفة تحديداً.

- اختبارات الرقعة على أنواعها: في حال ظهور ردود فعل هائلة أو مشاكل هضمية غير مبررة، يقترح الاختصاصيون إجراء اختبارات تظهر نتائجها بعد فترة من الوقت مثل اختبار الرقعة التي توضَع على البشرة خلال ساعات عدة أو حتى أيام. يُستعمل هذا النظام منذ فترة طويلة في حال الإصابة بالأكزيما أو أي حساسية جلدية تنجم عن احتكاك معين. لكن يُطبَّق هذا الاختبار أكثر فأكثر اليوم على أنواع الحساسية التنفسية والغذائية. مثلاً، ثمة أدوية تُعنى بمحاربة الحساسية تجاه حليب البقر عند المواليد الجدد والأطفال عموماً.

تجارب مُستهدفة

يكون بعض أنواع الحساسية أكثر خطورة من غيره نظراً إلى استحالة رصد رد الفعل المناعية بالوسائل الاعتيادية لأن الحساسية تحصل في هذه الحالة في الجهاز الهضمي. يقترح الأطباء الخضوع لتجربة مدتها شهر كامل. إذا تحسن الوضع العام خلال هذه المهلة الزمنية، بعد التخلص من الغذاء المشبوه، يمكن التأكيد على تشخيص العنصر الأول للحالة.

هل من ضرورة لتكرار الفحوصات نفسها؟

من المعروف أن الحساسية تجاه عامل معين تتطور باستمرار. يمكن أن تختفي الحالة أو تتفاقم أو تُستبدل أو تجتمع مع نوع آخر من الحساسية... من هنا تبرز الحاجة إلى تكرار الفحوصات بانتظام. في حال الإصابة بحساسية غذائية، تساهم هذه الفحوصات في معرفة الوقت الذي يُسمَح فيه للجسم باستهلاك الغذاء الذي كان يسبب الحساسية. إذا فوّت المريض هذه المرحلة من الفحوصات، قد تصبح الحساسية دائمة.

back to top