فريد شوقي... ثورة يوليو تنقذ الأسطى حسن من البوليس السياسي

نشر في 09-08-2011 | 22:01
آخر تحديث 09-08-2011 | 22:01
ما فعله أنور وجدي مع فريد شوقي، من محاولة «شبه احتكار» بتوقيعه على خمسة عقود دفعة واحدة، لم يكن رجماً بالغيب، بل إنه قرأ مستقبل هذا الفنان الذي يشقّ طريقه بسرعة الصاروخ نحو النجومية، وقد أراد وجدي أن يضرب عصفورين بحجر واحد، فقد حصل على توقيع فريد على خمسة عقود دفعة واحدة وبأجر زهيد جداً، يقلّ كثيراً عن أجره الحقيقي، وفي الوقت نفسه اشترطت العقود أن يؤدي فريد في كل هذه الأفلام الدور الثاني، وبهذا يضمن وجدي، أن هذا النجم الصاعد لن يغالي في أجره معه، أو يتجرأ ويطلب دور البطولة في فيلم يشارك فيه أمامه مهما علا اسمه وشأنه، على الأقل خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة.

صدق حدس أنور وجدي بالفعل، فما إن عرض فيلم «أمير الانتقام» الذي شاركه فيه فريد شوقي البطولة في عام 1950، حتى انهالت الأفلام على الأخير، لدرجة أنه للمرة الأولى بدأ يرفض عدداً من الأفلام لضيق وقته، غير أنه لم يكن يستطيع رفض فيلم صديقه المخرج حسن الإمام، الذي بدأ معه مشواره السينمائي.

عرض عليه حسن الإمام دوراً مهماً في فيلم «حكم القوي»، وما إن انتهى الماكيير من وضع لمساته على وجه فريد وخرج ليقف أمام الكاميرا استعداداً للتصوير حتى وجدها أمامه... إنها هي، تلك الفتاة التي شاهدها أول مرّة في استوديو نحاس عندما كان يشارك مع صديقه كمال الشناوي في فيلم «ست الحسن»... لم تفارق خياله منذ شاهدها، ولم تكن الظروف تسمح بالكلام معها، خصوصاً أنه لم تجمعه بها مشاهد في «ست الحسن». تمنى فريد في نفسه أن تكون مشاركة معه في «حكم القوي»، والأمنية الأهم أن تجسّد في الفيلم شخصية «كوثر» التي تجمعه بها مشاهد عدة. لم يضع فريد وقته، واتجه فوراً إلى مخرج الفيلم حسن الإمام:

* أبو علي يا فنان.

- أهلا فريد اقعد.

* قوللي... الصاروخ اللي هناك ده معانا في الفيلم.

- مين... هدى... آه دي هدى سلطان هتعمل دور كوثر.

* أبوسك يا أبو علي يا فنان.

- لا... لا... عندك... أوعى عقلك يوزك كده ولا كده.. دي بنت مؤدبه بلديات شيخ العرب.

* مين شيخ العرب ده؟

- السيد البدوي... شيء لله يا سيد... من كفر صغير جنب طنطا.

* مدد... مدد يا شيخ العرب.. وإيه كمان يا عم حسن.

- بس... انت عاوز تعرف إيه تاني؟

* يعني بنت مين أهلها إيه عايشين فين؟

- لا يا سيدي... لحد كده ومش مسموح لي أقول حاجة تاني.

* علشان خاطر أخوك فريد...

- بس الكلام ده بينا ميخرجش لحد تاني.

* وشرف أمي ما هجيب سيرة لحد.

- دي يا سيدي على خلاف مع أسرتها وبتغني وتمثل غصب عنهم... حتى أخوها مقاطعها...

* أخوها!! أخوها مين؟

- الفنان محمد فوزي.

* حلو... طب فيه طلب صغير لأخوك فريد... وأوعدك إني هكون ملتزم جدا.

- طلب إيه؟

* هتضيف بس على السيناريو مشهد صغير... يعني مشهد كده مفلفل فيه شوية غراميات وكام كلمة حب... عاوز فرصة بس أفتح معاها سكة.

- متورطنيش يا فريد مش عاوز مشاكل والفيلم يخلص على خير.

* عيب... وشرف أمي أنا قصدي شريف.

غرام أمام الكاميرا

على رغم جمالها اللافت وخفّة دمها وحضورها القوي أمام الكاميرا وخلفها، إلا أن هدى سلطان لم تكن تتحدّث مع أحد في الاستوديو، تجلس في حجرتها حتى موعد دوران الكاميرا، تأكل بمفردها ولا تشارك فريق العمل الأكل ولا الجلسات، ليس غروراً أو تكبراً، إنما حرص زائد عن الحد، فهي لا تريد الدخول في صداقات أو علاقات، خوفاً من شقيقها الفنان محمد فوزي... تريد فحسب أن تنجح لتثبت له أنها على حق... وهذا ما زاد فريد تعلّقا بها.

بعد ثلاثة أيام من بدء التصوير وقف حسن الإمام وسط الاستوديو وأعطى كلاً من فريد وهدى ورقة كُتب فيها مشهد جديد أكد لهما أنه ضروري ومهم جداً لأحداث الفيلم، قرأ كلّ منهما المشهد الذي لم يكن طويلاً، لكنه ملتهب بالمشاعر الغرامية وينتهي بجملة يقول فيها فريد:

«بحبك... بحبك يا كوثر... بحبك ومستعد أبيع الدنيا كلها وأضحي بكل شيء علشان حبك... قوليها يا كوثر... قولي بحبك عاوز أسمعها منك».

لم تعلّق هدى... نظرت الى حسن الإمام وقالت:

* لما تجهز يا أستاذ أنا في أوضتي.

دارت الكاميرا، اقترب فريد من هدى، عيناه في عينيها للمرة الأولى، أمسك بيدها، اقترب منها، وبدأ يقول جملته، لكنه نسيها، فهو أمام هدى سلطان وليس أمام «كوثر» بطلة الفيلم:

* بحبك... بحبك ومستعد أضحي بالدنيا كلها علشان حبك... بحبك يا هدى... هدى أنا مقدرش أعيش من غيرك... بحبك...

دُهشت هدى سلطان مما يقوله فريد، فهو يناديها باسمها وليس باسم الشخصية. راح مدير التصوير ينظر إليهما بدهشة بعيداً عن عدسة الكاميرا، ونظر عمال الاستوديو الى بعضهم البعض، لكن الوحيد الذي كان يفهم وترك المشهد لنهايته وفق الاتفاق هو المخرج حسن الإمام الذي اضطر الى إيقاف التصوير بعدما شعر أن الجميع ينظرون إليه فصاح وهو يبتسم:

- ستوب ستوب إيه الكلام ده جبته منين يا أستاذ؟ هتودونا في داهية الله يخرب بيوتكم.

فهمت هدى ما يدور حولها، نظرت إلى فريد شوقي من أسفل لأعلى، ثم نظرت إلى حسن الإمام وانصرفت إلى غرفتها.

لم يقنع فريد بما حدث، فكتب لهدى ورقة صغيرة يطلب فيها مقابلتها خارج الاستوديو، مرفقة برقم هاتفه في انتظار الرد، وأرسلها مع عامل الاستوديو.

لم ينم فريد تلك الليلة على أمل أن تتّصل هدى، لكن لم يحدث ذلك، غير أنها ما إن لمحته في اليوم التالي في الاستوديو حتى صاحت:

* إنت يا أستاذ إنت... حضرتك بتعمل إيه هنا؟

- بمثل.

* يعني بتشتغل... وكلنا هنا جايين نشتغل مش لأي حاجة تاني...

- أيوه بس أنا كنت عاوز أتكلم معاك شوية علشان كده بعتلك الجواب.

* قطعته من غير ما أقرا اللي فيه... ثم إزاي تبعتلي جواب مع العامل... افرض قراه وراح قال لزمايله على اللي فيه... أنا لا بتاعة جوابات ولا مقابلات... أنا مش عاوزة أي حاجة تمس سمعتي.

- ماعاش اللي يمس سمعتك يا اختي... بس وشرف أمي أنا غرضي شريف.

بعد إلحاح وافقت هدى أن تجلس مع فريد نصف ساعة فقط في أحد الكازينوهات المطلّة على النيل.

زواج العاشقين

امتدت النصف ساعة الى ست ساعات، فتح فيها كلّ من فريد وهدى قلبه للآخر، حكت كل شيء بصراحة، ولم تخجل من أدق المواقف، فقد ورثت صوتها الجميل هي وشقيقها محمد عن والدهما الشيخ المعمم قارئ القرآن الكريم في «كفر أبو جندي»، إحدى القرى الصغيرة بجوار مدينة طنطا، غير أنه رفض أن تكون لهما علاقة من قريب أو بعيد بالفن. لكن لأن محمد رجلٌ استطاع أن يستقل بنفسه ويهرب إلى القاهرة، وينمّي موهبته ويصل إلى ما هو عليه. وقد شاءت الأقدار أن تسوق الموسيقار محمد عبد الوهاب وبصحبته المخرج محمد كريم لحضور حفلة نهاية السنة في المدرسة حيث كانت تدرس هدى، فسمعها عبد الوهاب وشاهد أداءها كريم، وطلبا منها النزول إلى القاهرة لرعاية موهبتها الرائعة... رفضت الأسرة رفضاً قاطعاً، خوفاً من أن تلقى مصير شقيقها محمد نفسه، ولم تجد أسرتها حلاً أمام كبت موهبتها سوى الارتباط، فزوّجوها برجل من القرية اسمه محمد نجيب، أنجبت منه طفلتها الوحيدة نبيلة. وعندما توفي والدها جاءت إلى القاهرة لتعيش مع شقيقها محمد فوزي، وشعرت أنها لم تطق أن تبتعد عن الفن الذي يجري في عروقها، فحصلت على الطلاق من زوجها، وكانت بداية القطيعة بينها وبين شقيقها. أُعجب بها المخرج فؤاد الجزايرلي وتزوّجها، واضطرت أن تضع ابنتها في القسم الداخلي بالمدرسة الفرنسية، غير أن فؤاد كان يريدها زوجة فحسب، فأبت وأصبحت مطلّقة للمرة الثانية. تعرّفت إلى الفنان فريد الأطرش الذي أعطاها الكثير من الألحان الرائعة وعن طريقه تعرّفت إلى شقيقه فؤاد وتزوّجا. وبسبب الغيرة بدأت الخلافات الزوجية بالظهور، حاول فريد الأطرش التوفيق بينهما إلا أنهما اتفقا على الطلاق. أكدت هدى لفريد أنها لا تريد أن تحمل هذا اللقب مرة رابعة.

انتهى تصوير «حكم القوي» ولكن لم تنتهِ لقاءات فريد وهدى، فلم يكن يمر يوم من دون أن يلتقيا. تطوّر الحديث بينهما من الكلام حول المشاكل والظروف، إلى الكلام حول المستقبل والزواج وعش الزوجية، وعلى أنغام أغنية «سهران لوحدي» للسيدة أم كلثوم، في 1 فبراير 1951، احتفل فريد وهدى بزفافهما.

انتشار سينمائي

راح فريد يعمل بروح جديدة وبتفكير مختلف، فلم يعد يرضى القيام بأي دور يعيده إلى تلك النوعية التي تقيّده في «رفع الحاجب... وجحوظ العينين» لكي يكون شريراً، فقدراته التمثيلية أكبر من ذلك بكثير، باستثناء مخرج واحد كان على استعداد لقبول أي دور يعرضه عليه، حتى لو قال له «دورك أن تمر فقط من أمام الكاميرا»، وهو الفنان أنور وجدي، ليس حباً في العمل معه، وإن كان يتمنى ذلك، لكن كي ينهي الخمسة أفلام التي وقّعها معه وبأجر يعتبر بالنسبة الى ما وصل إليه، رمزياً.

بمجرد أن عرض عليه أنور وجدي العمل في فيلم «شباك حبيبي» وافق فريد فوراً فرحاً بأن عدد الأفلام سيقلّ إلى أربعة، لكن المفاجأة كانت أن الفيلم لم يكن من إنتاج وجدي ولا من إخراجه بل من إخراج عباس كامل.

زاد الطلب بشكل كبير جداً على فريد شوقي، فقد أصبح له اسم كبير في السينما، ومع ذلك حرص على ألا يفرض زوجته هدى سلطان على أي من المخرجين الذين يطلبونه، ولم يطلب لها عملاّ، غير أنه كان يشجّعها على العمل في أي دور يُسند إليها، وعلى أن تظهر قدراتها، ليس كممثلة فحسب، بل كمطربة أيضاً، فقد احتلت المرتبة الثانية في عقله كمطربة بعد سيدة الغناء العربي أم كلثوم، متباهياَ بألا صوت ثالثاً بعدهما يمكن أن يمتعه كمستمع جيّد للغناء.

عُرض على فريد شوقي خلال عام 1951 أكثر من 23 فيلماً، اختار من بينها ثمانية أفلام فقط، وكانت زميلة الدراسة فاتن حمامة هي القاسم المشترك الأعظم في هذه الأفلام، فقد كان يثق في ذوقها، وبمجرد أن يعلم أنها سبقته بالتوقيع على عقد هذا الفيلم حتى يوافق عليه مباشرة من دون أن يقرأ السيناريو، فقدّما معاً: «أنا الماضي» شاركهما فيه زكي رستم وعماد حمدي، وأخرجه عز الدين ذوالفقار، «وداعا يا غرامي» وشاركهما أيضاً عماد حمدي وأخرجه عمر الجميعي، «أشكي لمين» مع عماد حمدي، محسن سرحان، وإخراج إبراهيم عمارة، ثم «أسرار الناس» مع محسن سرحان وحسين رياض، وإخراج حسن الإمام، و{ابن الحلال» مع محسن سرحان وتحية كاريوكا ومحمود المليجي، وإخراج سيف الدين شوكت.

على رغم اسمه الذي سبق غالبية زملاء دفعته، إلا أن فريد حرص على أن يشارك بدور صغير عاد فيه الى نوعية «رفع الحاجب وجحوظ العينين» ليساند زميل دراسته بالمعهد ودفعته نفسها الفنان سعيد أبو بكر، الذي دفع به المخرج أحمد خورشيد ليقدّم البطولة المطلقة للمرة الأولى في فيلم «السبع أفندي»، وشاركته فيها المطربة الشابة شادية، فظهر فريد في الفيلم بدور الغريم الشرير الذي يحاول أن يخطف حبيبة البطل.

كذلك حرص فريد أن يشارك في الأفلام ذات الطابع الكوميدي أو الغنائي، إلى جانب الأفلام الاجتماعية وأفلام الحركة والبوليسية، فشارك مع المطرب والموسيقار فريد الأطرش بطولة فيلم «تعالى سلم» أمام الراقصة سامية جمال وإسماعيل يس، إخراج حلمي رفله، ثم منحه المخرج محمد عبد الجواد، ابن صديق والده عبد الجواد محمد، بطولة فيلم «الخارج على القانون»، الى جانب مونا فؤاد، لولا عبده وحسن البارودي، ليبدأ مع مطلع عام 1952 بتقاسم البطولة أمام صديقه وأستاذه محمود المليجي في فيلم «الإدمان»، ومعهما الوجه الجديد ماجدة، وإخراج أحمد بدرخان.

المصالحة

أتى الفيلم الذي انتظره فريد شوقي طويلاً، حين أرسل المخرج نيازي مصطفى في طلبه ليشارك في بطولة «من أين لك هذا»، ليس لقيمة الدور بعينه، فمهما كان حجمه سيقبله حتى ولو كان بلا أجر، بل لأنه سيكون فيه مع المطرب محمد فوزي، شقيق زوجته هدى سلطان.

وجد فريد أن العمل في هذا الفيلم فرصة طيّبة ليؤدي دور حمامة السلام بين محمد وهدى وينهي القطيعة بينهما التي دامت سنوات طويلة منذ جاءت هدى إلى القاهرة من كفر أبو جندي.

التقى فريد محمد فوزي الذي قابله بفتور كأنه كومبارس مشارك في الفيلم، ليس لأنه يجهل قيمته بل لأنه زوج شقيقته التي لا يريد أن يعرف عنها شيئاً أو يسمع باسمها.

لم يشأ فريد أن يضغط عليه، غير أنه حاول التقرّب منه خلال تصوير الفيلم، حاول أن يظهر أمامه بمعدنه الحقيقي وأنه فنان أصيل، وقبل ذلك إنسان حر يعرف التقاليد والأصول، ويخشى الله، فاستطاع إرغام محمد فوزي على حبّه واحترامه، وهنا فحسب فاتحه فريد في أمر مقاطعته لهدى:

* فريد خلينا أصحاب... وبلاش نتكلم في الموضوع ده علشان ما نخسرش بعض.

- يا محمد إنت فنان أصيل وتقدر مشاعر الفنان اللي بيحب فنه ويعمل المستحيل علشان يوصل للناس.

* مش على حساب سمعة العيلة.

- لا لا... لحد هنا ومسمحلكش يا أستاذ... سمعة إيه... اللي بتتكلم عليها دي مراتي.

* وأختي قبل ما تبقى مراتك.

- أيوة يا أستاذ... بس الست دي لو سُمعتها مش زي البرلنت مش هوافق أربط اسمها باسمي... إنت بتتكلم إزاي... دي مسألة أعراض وسمعة!!

كان يعرف فريد أن محمد لم يكن يقصد الإساءة، غير أنه اصطنع الغضب وهاج وماج وظلّ يصرخ بكلام كبير حول السمعة والشرف، لدرجة أن محمد هو الذي راح يهدئ من غضبه، فلم يهدأ إلا بعد أن وعده بالموافقة على مقابلة هدى وإنهاء الخصام.

فريد منتجاً

لم تنتهِ مفاجآت فريد شوقي لهدى سلطان بالصلح بينها وبين شقيقها محمد، بل قدّم لها مفاجأة أخرى فنية، إذ قرّر أن ينتج لها فيلماً بعنوان «الأسطى حسن»، يؤديان فيه دورَي البطولة معاً، كتب قصته فريد للمرة الأول وأسند إخراجه إلى صلاح أبو سيف، واستعان فيه بفريق متميز من الممثلين: زوزو ماضي، حسين رياض، مارى منيب، السيد بدير، والوجه الجديد رشدي أباظة، ووضع ألحان أغنيات الفيلم محمد فوزي، وللمرة الأولى، لشقيقته هدى سلطان.

انتهى تصوير الفيلم وحرص فريد أن يحضر ليلة الافتتاح في سينما رويال بالقاهرة، مع هدى وبصحبتهما محمد فوزي وزوجته الفنانة مديحة يسرى، وبقية فريق العمل. وكان في دار العرض المقابلة فيلم جديد باسم «مسمار جحا» بطولة كمال الشناوي وشهرزاد، إخراج إبراهيم عمارة، والأهم أنه من إنتاج أنور وجدي.

لم تمر ثلاثة أيام على وجود الفيلمين في سوق العرض، حتى أدرك وجدي أن فيلم فريد شوقي يجذب العدد الأكبر من المشاهدين، وسيقضي تماماً على فيلمه وسيتسبّب له في خسارة فادحة، فسارع وجدي إلى تقديم شكوى أمام جهاز «البوليس السياسي»، يتّهم فيها فريد بأنه يروّج في «الأسطى حسن» للشيوعية ويحرّض الشعب على التمرّد!

ثورة الجيش

خرج قرارٌ من قسم البوليس السياسي في 22 يونيو بإيقاف عرض «الأسطى حسن»، فشعر فريد بأن حياته دُمّرت، فهذه أول تجربة يقوم فيها بالإنتاج، ومؤكد سيخسر كل قرش، بل وستتراكم عليه الديون، فضلاً عن التهمة التي وجهها وجدي إليه والتي قد تتسبّب في سجنه.

ذهب فريد إلى وجدي يستعطفه، فقد يرقّ لحاله:

* يرضيك يعني تنـزل إنت تاكل السوق وأنا أخسر؟

- وهو علشان متخسرش توديني في داهية يا أستاذ؟

* ياعم لا داهية ولا حاجة... كل الحكاية إن فيلمك هيتأخر شوية على بال أنا ما أكون لمّيت القرشين وجبت ثمن الفيلم.

- وتهمة التحريض على الشيوعية؟

* تهمة إيه ياراجل... إنت بتصدق... وبعدين هو البوليس السياسي فاضي يدور على الأفلام واللي بيحصل في الأفلام... متخافش يا فريد أول ما فيلمي يترفع من السينما إنزل إنت ياعم بفيلمك... ولك عليا أكون أول واحد قاعد في السينما... معزوم طبعا مش قاطع تذكرة.

لم يستمر رفع «الأسطى حسن» من السينما طويلاً، ليس لأن وجدي تراجع عن بلاغه، ولا لأن البوليس السياسي لم يلتفت إليه، بل لأن الحال في مصر كلّها تغيّرت، فقد قام الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو عام 1952، وسيطر الجيش على مقدرات البلد، وغادر الملك مصر على مركبه من الإسكندرية مساء 26 يوليو إلى غير رجعة.

خرج فريد شوقي إلى الشارع كالمجنون يهلّل ويكبّر من الفرح مع جموع الشعب المصري الذي ملأ الشوارع مؤيداً الثورة والضباط الأحرار:

* الله أكبر... تحيا الثورة... الجيش للشعب والشعب للجيش... الجيش والشعب إيد واحدة.

لم يصدّق فريد نفسه، قامت الثورة المصرية وسيطر الجيش، لا يهمه الآن إذا كان سيخسر أمواله التي أنتج بها «الأسطى حسن»، فيكفيه شرفاً أن فيلمه تنبأ بالثورة، مهّد لها، طالب بالثورة على الأوضاع الخاطئة، بالثورة على القهر، بالثورة على الظلم، بالثورة على الذل والعبودية... فقد انتهى ذلك كلّه بمجيء الجيش المصري الحر والضباط الأحرار.

البقية في الحلقة المقبلة

back to top