المكتبات المدرسية وأحوالها

نشر في 19-02-2012
آخر تحديث 19-02-2012 | 00:01
 آدم يوسف عيونُ المها بين الرُصافة والجسرِ

جَلبْن الهوى من حيث أدري ولا أدري

أعدنَ ليَ الشوق القديمَ ولم أكُن

سَلوتُ ولكن زدنَ جمراً على جمرِ

سلمنَ وأسلمنَ القلوب كأنما

تُشّكُ بأطرافِ المثقفةِ السُمرِ

علي بن الجهم

1

سألني ببراءة الطفولة أحد التلاميذ في الصف السابع حين كنت معلما لمادة اللغة لعربية، في إحدى المدارس الحكومية: «أستاذ ألا توجد مكتبة للمدرسة هنا؟»، فأجبته متأسفا: توجد غرفة للمكتبة أبوابها مغلقة، ويعلو أرففها الغبار. ولم أشأ أن أكمل باقي القصة، وهي أن ثمة أمينا معينا للمكتبة، يأتي للتوقيع صباحا، ويقضي بعض الوقت بين غرفتي المدير، ومساعده، ثم يمضي إلى حال سبيله، كنا نستفسر عن سبب إغلاق المكتبة فتأتي الإجابة بعدم جاهزيتها لاستقبال الطلاب والمعلمين، أمضيت في تلك المدرسة ثلاثة أعوام دون أن يُفتح باب المكتبة يوما واحداً.

2

علمت في ما بعد أن ذلك التلميذ الذي فتح باب السؤال عن المكتبة، منتقل حديثا إلى المدرسة، وكان يتلقى تعليمه سابقا في إحدى المدارس الأجنبية (الأميركية أو البريطانية) لست متيقنا، فجاء حاملا معه ثقافة تلك المدرسة التي كانت تولي اهتماما كبيرا بالحصص التي تُعنى بمواهب الطالب، وقدراته الإبداعية، ومن بينها بالطبع حصة المكتبة، من قبل أن يصدم بواقع التعليم في مدارس الحكومة، والتي نقرأ من حين إلى آخر أن الميزانية المخصصة لتعليم الطالب الواحد، تساوي تلك المخصصة لنظيره في الولايات المتحدة الأميركية، فأين تذهب تلك الميزانية إذا كانت مخرجاتنا التعليمية في الغالب تلاميذ أنصاف متعلمين، يفتقرون إلى الموهبة الخلاقة والشخصية العلمية، بل حتى إلى بعض المهارات الأساسية في المواد التعليمية.

3

قد لاينتبه مسؤولونا، أو منظرو المناهج التعليمية إلى أهمية حصص علمية تكون مرافقة لتلك المواد الأساسية، ومن بينها حصة المكتبة التي هي البذرة الأولى نحو الطريق إلى حب القراءة، ومازلت أذكر تلك اللحظات التي نمضيها مع قصص الأطفال، والكتب العلمية الشيقة حين كنا نذهب إلى حصة المكتبة في متوسطة أبي عمرو البصري في مدينة الرياض، وكانت المدرسة تتيح فرصا لاستعارة الكتب، وفق شروط معينة، فنتسابق إلى قراءتها، ثم نعيدها إلى المدرسة، لأخذ كتب أخرى بديلة، كنا نقرأ في تلك المرحلة العمرية قصائد جرير والفرزدق، وتعرّفنا لأول مرة إلى الشاعر علي بن الجهم، وقصيدته الشهيرة «عيون المها...» وللقصيدة قصة طويلة تبدأ مع قوله في مدح الخليفة المتوكل:

«أنت كالكلب في حِفاظِكَ للود    وكالتيسِ في قراعِ الخطوبِ»

وتنتهي إلى مسكن قرب الرصافة، وشعر يذوب رقة وعذوبة.

4

قد لا تستهوي النصوص المجردة أذهان التلاميذ في المرحلة المتوسطة بقدر احتفائهم بتلك النصوص التي تحوي حكايات مصوّرة أو غير مصوّرة، وليس بالضرورة أن تكون الحكاية حديثة، بل وحتى من حكايات التراث ما يحوي الشيء الكثير من الجمال، وعنصر التشويق، فترتسم الأحداث في مخيّلة التلاميذ، مقترنة بالنصوص الأدبية، مما يكون سببا أو دافعا لمزيد من الترسيخ، والبقاء. وإذا شئنا الحديث عن المرحلة الثانوية فكتاب الأغاني مثلا أو «مجمع الأمثال» للميداني ربما يكونان مادة خصبة لطلاب هذه المرحلة، إذ إن النصوص في هذين الكتابين مقترنة في الغالب بأحداث أو حكايات، وهي بعيدة عن التقعير، أو الصعوبة اللغوية المبالغة.

ولعل ما يؤخذ على المكتبات المدرسية إن هي أوجدت اشتمالها على كتب الكبار، وليس الصغار، بمعنى أن الأولوية تكون لتلك الإصدارات التنظيرية المجردة التي يُعنى بها المعلمون، لا أبناؤهم التلاميذ.

 

back to top