تحليل سياسي: دعوة إلى استقالة جماعية... أم تصعيد للحل؟

نشر في 26-08-2011 | 19:30
آخر تحديث 26-08-2011 | 19:30
No Image Caption
ترتفع الدعوات بين فترة وأخرى إلى استقالة جماعية لبعض النواب خاصة عندما تحقق الحكومة انتصاراً على المعارضة أو لنقل على بعض الكتل النيابية مستفيدة من غالبيتها البرلمانية. ويرى عدد من المراقبين السياسيين أنها دعوة مبنية على ردة فعل الخسارة أكثر منها دعوة جادة لتقويم إعوجاج سياسي خاصة في المؤسسة التشريعية، ويضيف أحد أصحاب هذا الرأي مبيناً أن قراراً بهذا الحجم ومن هذا النوع يتطلب تنسيقاً ليس بين النواب أنفسهم بل مع المؤسسات السياسية والمدنية والكتل الضاغطة في المجتمع حتى يأتي ضمن مواءمة واتفاق يجعلان منه قراراً فاعلاً.

وقد شهدت الحياة البرلمانية منذ العمل بالدستور استقالتين برلمانيتين الأولى في دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الأول إثر الخلاف حول تفسير المادة 131 من الدستور، ولم تتمكن الحكومة من أداء القسم نتيجة انسحاب 26 عضواً "كانت الكتلة أكثر من 30 عضواً" وعلى أثر ذلك تنحى عبدالعزيز الصقر عن رئاسة المجلس حتى وصل الأمر إلى استقالة ثمانية أعضاء هم "د. أحمد الخطيب، جاسم القطامي، عبدالرزاق الخالد، سامي المنيس، سليمان خالد المطوع، راشد التوحيد، يعقوب الحميضي وعلي العمر"، وقد أرجع هؤلاء أسباب استقالتهم إلى:

1ـ إن هناك محاولات جاهدة لتقليص الديمقراطية وتقويض الدعامات التي تقوم على أساسها وكانت بداية تلك المحاولات فرض قانون التجمعات.

2ـ أنه بعد الأزمة الوزارية وبعد أن ضمنت الحكومة أكثرية المجلس إلى جانبها لمسنا أن هناك هوى جامحاً، أخذ يسيطر على الحكومة وأكثرية أعضاء المجلس لاستغلال هذه الفرصة لفرض مزيد من القوانين القسرية بهدف تضييق الخناق على حريات المواطنين.

3ـ أصبح من المستحيل ـ مع وجود القوانين المقيدة للصحافة والنشر ـ ممارسة الصحافة وظيفتها في تنمية الرأي العام وتنويره بإخلاص.

4ـ أصبحت الوظائف العامة بيد الحكومة توزع لكسب المؤيدين وتحقيق المكاسب الشخصية.

وقال بيان المستقيلين إنه بات واضحاً أن الغرض الحقيقي وراء سلوك الحكومة ومؤيديها وما تم من إجراءات هو محاولة لإجهاض التجربة الديمقراطية وتزييف إرادة الشعب والقضاء على كل عنصر وطني يرفض الانصياع لأوامر الحكومة.

ورغم اختلاف تلك المرحلة عما نعيشه الآن من تباين في التكوين السياسي وتركيبة الكتل ومراكز الضغط في المجتمع إلا أن المستقيلين شخصوا ما تعانيه الحياة الدستورية مع بدايات العمل بالدستور، وأثبتت تجربة تزوير انتخابات 1967 صحة قراءتهم لما هو مخطط له، وبعد نتائج الفرز قدم سبعة من الأعضاء الذين نجحوا باستقالتهم احتجاجاً على التزوير وهم عبدالعزيز الصقر، محمد الخرافي، خالد المسعود، عبدالرزاق الخالد، محمد العدساني، علي العمر وراشد الفرحان.

وأهم ما يميز تلك المرحلة أن كتلة أو تيار نواب الشعب كان التيار الأكثر شعبية والأكثر فاعلية في الشارع السياسي، وكانت العلاقة بين أعضائه غير العلاقة الحالية بين الكتل التي يدعو بعض أعضائها إلى الاستقالة.

كانت الاستقالتان مرتبطتين بقضايا وطنية مفصلية تمس الحريات العامة والتزوير وليس لإقرار كادر المعلمين أو إفشال نصاب جلسة ما... ومع سمو الأسباب التي أدت إلى الاستقالتين فإن الانتخابات التكميلية التي تبعتهما أفرزت إضافة أخرى للأكثرية الحكومية. لكن عزوف التجار والتيار الوطني بشكل عام دفع الحكومة إلى الإقرار بأخطائها، إثر اعلان هذه القوى عزمها مقاطعة انتخابات 1971.

مكونات المشهد السياسي في تلك المرحلة ليست ذاتها نفس المكونات الحالية، فالصورة مختلفة تماماً، والأشخاص مختلفون.

ولم تلق دعوة الاستقالة من المجلس اجماعاً ولو نسبياً من الكتل النيابية التي تتزعم المعارضة، فنجد أن هناك مؤيدا ومعارضا في كل كتلة، وهذا يعكس خلافاً حول جدوى الفكرة وفاعليتها أو كيفية قراءة تداعياتها.

ومع إقرار كثير من القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات السياسية بأن هذا المجلس هو أسوأ المجالس النيابية التي شهدتها البلاد، كذلك الحال بالنسبة للحكومات التي زامنته.. مع الإقرار بذلك إلا أن المتتبعين للشأن السياسي المحلي لا يرون أن الاستقالة النيابية حل للخروج من الأزمة ما دامت لن تصل إلى عدد 33 نائباً ـ ولن تصل ـ وهو العدد الكفيل للدعوة الى انتخابات جديدة لمجلس جديد.

ويرى بعض المراقبين أن أمام النواب المتذمرين من أداء المجلس ومن فزعة الغالبية البرلمانية الحكومية قضايا قابلة للانفجار يمكن أن تكون هي الطريق البديل عن الاستقالة، وهي كفيلة إما بحل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة ومن ثم حكومة جديدة، أو أن تكون كفيلة بالإطاحة بالحكومة كحد أدنى.

وبرأي هؤلاء تأتي فضيحة الملايين النيابية على رأس القضايا القابلة للانفجار، فهي ستضع الحكومة في موقف ضعيف وقلق إذا ما ثبتت صحة تلك المعلومات، كما أنها ستضع الغالبية النيابية الحكومية في وضع حرج جداً... فسوف يكون من الصعب على أعضائها عدم الموافقة على الدعوة إلى جلسة طارئة لذلك وصعب أيضاً التهرب من حضور الجلسة "وتطيير" نصابها كما جرت العادة في كثير من الجلسات الطارئة.

فضيحة الملايين النيابية ـ إذا أجاد معالجتها نواب المعارضة ـ سوف تكون ككرة الثلج التي تتدحرج وتوصل الأمور إلى النتيجة التي يريدها هؤلاء وهي الدعوة لانتخابات جديدة وحكومة جديدة... وإذا كان هناك من سينصح بعدم الدعوة لانتخابات جديدة لخطورة ذلك في تعزيز مواقع نواب المعارضة في الشارع فإن أضعف الإيمان سيكون حكومة جديدة لا تستطيع أن تستفيد من الأكثرية النيابية التي عاشت عليها الحكومة السابقة، لأنها ستكون غالبية مهلهلة على ضوء علاقتها أو دفاعها عن موقف الحكومة من قضية الملايين.

ويقول هؤلاء المراقبون إن قضية الملايين النيابية قضية متداخلة تمس أطرافاً كثيرة، وهي قضية حساسة... ولشدة حساسيتها سوف تكون القرارات المترتبة عليها قرارات رئيسية ومهمة.

back to top