ابنة الدكتاتورية والديمقراطية
على الرغم من شخصية بارك الكاريزمية فإنها ليست سارة بالين ولا إيفا بيرون، بل إنها تبدو أقرب إلى مارغريت تاتشر ولكن من صنع كوريا، سيدة لا تتحول عن أهدافها أبدا، على غرار المقولة الشهيرة لمارغريت تاتشر «تقليص التخفيضات الضريبية المطلقة»، وفي ظل اعتناقها لمجموعة من المبادئ السياسية الأساسية الواضحة التي تحكم تصرفاتها، وهي تبدو في كل الأحوال في طريقها إلى تأسيس كوريا جنوبية جديدة.لقد تحول الأمر إلى شيء أشبه بسؤال مبتذل في كوريا الجنوبية اليوم: من الشخص الذي قد يتولى منصب الرئيس التالي إذا جرت الانتخابات غداً بدلاً من شهر ديسمبر 2012؟فقد أظهرت العديد من استطلاعات الرأي أن بارك جيون هاي من الحزب الوطني الأكبر الحاكم هي المرشحة الرئيسة، وإذا انتخبت بالفعل فإنها بذلك سوف تصبح أول رئيسة لكوريا الجنوبية، والواقع أن موقفها المهيمن بالنسبة إلى منافسيها في السباق الرئاسي يشكل حقيقة غير مريحة ولكن لا يمكن دحضها.فقد رحب الناخبون في كوريا الجنوبية من كل الأعمار ببارك كمرشحة لقيادة بلادهم، والواقع أن أسلوبها السياسي مجدد ومناسب في نفس الوقت، وذلك لأنها تبدي قدراً كبيراً من الصدق والصراحة في وقت يتعطش عامة الناس فيه إلى الزعامة الأخلاقية، وهي تتمتع فضلاً عن ذلك بموهبة مذهلة في تبسيط القضايا المعقدة بكل دقة، وهو ما تعلمته كما يبدو من والدها الرئيس السابق بارك تشونغ هي؛ إلى جانب الكيفية التي تفسر وتعالج بها الدلالات السياسية لكل قضية.حكم بارك تشونغ هي، الذي يحتفي به اليمين باعتباره بطلاً قومياً بين أنصار اليمين الراديكالي، كوريا الجنوبية طيلة الفترة 1963-1979، في أعقاب انقلاب عسكري في عام 1961، لكي يغتاله رئيس استخباراته في النهاية.والواقع أن ابنته فخورة بتراثه، الذي شهد بداية الازدهار الاقتصادي الذي حققته كوريا الجنوبية.بل إن بارك تشونغ هي، باعتبارها من أكبر أنصار الحداثة القائمة على التصدير، كانت ذات يوم موضع احتفاء وتقدير بوصفها النموذج الأصلي للزعامة السياسية الحديثة في دولة يحكمها نظام عسكري مستبد.وفي الداخل، لا يزال يحتل المرتبة الأولى في الشعبية بين رؤساء كوريا الجنوبية، فيؤجج الحنين وكأنه أسطوانة شعبية قديمة، وهي نتيجة طبيعية إزاء إحباط الناس وغضبهم من الحكومة الحالية تحت زعامة الرئيس لي ميونغ باك.ويتعين على بارك، التي خسرت في محاولتها الأولى للترشح عن الحزب الوطني الأكبر لمصلحة لي ميونغ باك في عام 2007، أن تضمن ألا تتسبب أي قطيعة مع منافسها سابقاً في دفعها بعيداً عن مسارها إلى النصر في عام 2012. وبوصفها سياسية داهية، فإن بارك لم تتردد في المشاركة الصادقة في حملة لي ميونغ باك الانتخابية في المرة الأخيرة، وهي الخطوة التي كانت منطقية تماماً وبالغة البراعة كجزء من استراتيجية سياسية طويلة الأجل.وفي نظر العديد من الكوريين الجنوبيين فإن خسارة بارك الانتخابات الآن تكاد تكون مستحيلة، فلا يوجد مرشح في الأفق يبدو قادراً على منعها من الفوز، وإذا فازت فإن هذا سوف يكون نتيجة لجديتها ومثابرتها، وليس ميراثها السياسي، ولا يشك أحد من تيار المحافظين في كوريا الجنوبية في أن بارك واحدة منهم، وباعتباره رمزاً لليمين فهي تدرك تمام الإدراك أنه لا يجوز لها أن تتراجع عن مواقفها أو تخون مكانتها.وعلى الرغم من شخصيتها الكاريزمية فإن بارك ليست سارة بالين ولا إيفا بيرون، بل إنها تبدو أقرب إلى مارغريت تاتشر ولكن من صنع كوريا، سيدة لا تتحول عن أهدافها أبدا، على غرار المقولة الشهيرة لمارغريت تاتشر، وفي ظل اعتناقها لمجموعة من المبادئ السياسية الأساسية الواضحة التي تحكم تصرفاتها، وهي تبدو في كل الأحوال في طريقها إلى تأسيس كوريا جنوبية جديدة تركز على تعهداتها التاريخية "بتقليص التخفيضات الضريبية المطلقة"، وإلغاء القيود التنظيمية، وفرض النظام والقانون، وليس مجرد إضافة فصل جديد لكتاب والدها القديم، والواقع أن إدارتها سوف تشهد تحولاً جديداً عن الماضي القريب المضطرب الذي عاشته بلادها. يزعم المنتقدون اليساريون أن ابنة الدكتاتور تحمل نفس رؤية والدها الاستبدادية، ولو أن بارك تفضل دوماً التغيير التدريجي نحو تدابير جذرية، وسن أنيابها السياسية على الساسة المتشددين في الحزب الوطني الأكبر. ويتخذ آخرون موقفاً فاضحاً في التفرقة بين الجنسين، فيزعمون أن تولي امرأة لمنصب رئاسة البلاد ليس بالفكرة الطيبة ما دامت كوريا الشمالية تهدد الأمن القومي.ورغم أن هذه الانتقادات لا تزعج الناخبين كثيرا، فإن مسار بارك إلى النصر قد يكون أضيق مما يتوقع أنصارها، فقد أطلق عليها وصل "ملكة الانتخابات"، وخاصة منذ فازت في حملتها في عام 2006 بعد أن أصابها شخص مختل بجرح عندما هاجمها بآلة حادة.ولكن يتعين عليها أن توضح وبشكل مقنع الاستراتيجيات العملية اللازمة لحل المشاكل الأشد خطورة التي تواجه كوريا الجنوبية، بما في ذلك معدلات البطالة المرتفعة، والأداء التعليمي الرديء، وبرنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية.كانت السيدة بارك قد تعهدت بتقديم قروض لأسر الطبقة العاملة من المدرسة الابتدائية إلى سنوات الجامعة، في حين زعمت أن الجامعات المحلية لابد أن تتمكن من الحصول على المزيد من الحكم الذاتي. وهي تفضل المشاركة السياسية والمحادثات السداسية الأطراف فيما يتصل بحل المشاكل النووية.وبحلول يوم الانتخابات الرئاسية في عام 2012، فإن الناخبين في كوريا الجنوبية سوف يختارون المرشح الذي يجسد الحس العملي والوسطية ويرفض التحزب والإيديولوجية، وسوف يتوقف نجاح بارك في النهاية على مدى فعالية حملتها في تحديد شخصيتها بما يتفق مع ذلك الخط.وخلافاً لابنة الدكتاتور السابق ألبرتو فوجيموري في بيرو، والتي خسرت حملتها الانتخابية في بيرو في الشهر الماضي، فإن بارك من المرجح أن تتحدى تاريخ أسرتها المأساوي. وإذا تمكنت من ذلك فإنها سوف تصبح المرأة الأقوى في العالم بحلول نهاية العام المقبل.* كبير زملاء معهد السلام والتعاون في سيول.وقد عمل أثناء الفترة 1993-1999 ضمن هيئة مستشاري الشؤون الخارجية وتخطيط سياسات الأمن القومي للرئيس الكوري الجنوبي كيم يونغ سام (1993-1998)، والرئيس كيم داي جونغ (1998-2003).«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».