تقرير محلي : تعامل الصحة مع السحايا: تواضع وتراجع وغياب!

نشر في 18-01-2012 | 00:01
آخر تحديث 18-01-2012 | 00:01
No Image Caption
الساير واجه «إنفلونزا الخنازير» بشفافية وهو ما لم تفعله الوزارة الحالية

إذا لم تتعلم وزارة الصحة جيداً من درس «السحايا» فإن تكراره مستقبلاً سيكون عاراً على الخدمات الصحية، وقد يدفع الثمن كثيرون.

كشف تعامل وزارة الصحة مع أزمة "السحايا" عن تواضع قدرات إدارة الأزمة وتراجع الأداء وغياب الاستراتيجية الإعلامية الواضحة من جانب الوزارة والتقليل من أهمية الخطاب الإعلامي الواضح والدقيق والصادق الذي يحترم حق المجتمع في المعرفة، خصوصا أن هذا الشأن يتعلق بمرض وبائي هو التهاب السحايا الوبائي النيسيري، وما صاحبه من خوف شديد لدى الشارع.

واتسم تعامل الوزارة في هذه الأزمة بإهدار حق المجتمع في المعرفة وتهميش الرأي العام وتأخر الخطاب الإعلامي وتضاربه، فبعد ظهور أول حالة إصابة يوم 19 ديسمبر الفائت تنبهت الوزارة الى عقد مؤتمر صحافي عقب أكثر من أسبوع من ظهور الإصابات على الرغم من حالة الخوف وتواتر الأخبار والأنباء لحظة بلحظة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" سواء عن عدد المصابين أو المستشفيات التي استقبلتهم أو النصائح المقدمة لتجنب الإصابة. وبغض النظر عن حقيقة ودقة الأرقام التي كانت تتداول على مواقع التواصل الاجتماعي فقد كان حريا بالوزارة أن تخرج للرأي العام وللمجتمع عقب اكتشاف أول إصابة لإخباره بالأرقام الحقيقية وهو ما لم تفعله الوزارة.

كما كشفت الأزمة أيضا غياب الوزارة عن تكنولوجيا التواصل الاجتماعي مثل تويتر وحرصها على التفرغ فقط للرد على الموضوع من خلال الصحافة التقليدية، وكان حريا بها طمأنة الرأي العام والجمهور من خلال تخصيصها حسابا على تويتر للرد على أي استفسارات تخص "السحايا" وهو ما لم تفعله. يلاحظ أيضا أن الوزارة لم تقم بعزل الحالات المصابة منذ بداية اكتشافها إصابتهم وتأخر الإبلاغ عن الإصابات للمسؤولين في الوزارة.

التطعيم

وكشف امتناع مراكز الصحة الوقائية عن إعطاء التطعيمات الكثير في أزمة الوزارة لإدارة الطعوم وتوفيرها في الوقت المناسب وإتاحتها وقد لا تكون الأزمة نقصا في الميزانية ولكنها سوء إدارة بمعنى عدم وجود خطة محددة وعدم تقدير الاحتياجات بصورة دقيقة وعدم وجود مخزون للطوارئ وآلية لطلب كميات من الطعوم عند حدوث أي طارئ سواء كانت طعوم السحايا أو طعوم الحصبة أو طعوم الالتهاب الكبدي الوبائي التي تتردد أنباء عن نقصها في وزارة الصحة، أما على أرض الواقع فإن مراكز التطعيم لا يوجد بها أطباء في معظم الأوقات وتتولى مهمة التطعيم ممرضات مدربات من المناطق الصحية. ومثلت قضية "عدم الحاجة الى التطعيم إلا للمخالطين المباشرين" حالة من عدم الرضا لدى قطاع كبير من الجمهور، فالمرض معد والتطعيم ليس له آثار جانبية ومتوافر في المستودعات الطبية كما أعلنت الوزارة، فلماذا الإصرار على عدم التطعيم رغم أن ذلك ربما يخفف حالة الخوف التي انتابت الكثيرين في أعقاب الإعلان عن الإصابات. كما أن المراقبين والمتابعين لم يلحظوا أي دور للجنة الطعوم في هذه الأزمة وكأن الطعوم خارج عناصر الأزمة.

إنفلونزا الخنازير

ولو قمنا بإجراء مقارنة بسيطة بين أزمة "السحايا" الحالية وأزمة انفلونزا الخنازير التي مرت بها البلاد قبل عامين إبان تولي د. هلال الساير حقيبة وزارة الصحة سنجد أن الساير تعامل بحرفية وشفافية كاملة مع الأزمة وكان خطابه الإعلامي شفافا وحاضرا بشكل يومي، فقد قام الوزير السابق بمنتهى المهنية باستضافة مدير عام منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط د. حسين الجزائري وحرص على اصطحابه معه إلى مجلس الأمة لطمأنة الناس على سلامة الإجراءات المتخذة من قبل الوزارة، أما الوضع الحالي فشابه التعتيم الإعلامي وتأخر الخطاب الإعلامي والبيانات غير الدقيقة والمتضاربة وعدم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بالحالات المكتشفة والتأخر في التواصل مع المنظمة ما يعد عدم التزام بنصوص اللوائح الصحية الدولية التي كان من المفترض أن تلتزم الوزارة بتطبيقها وإبلاغ المنظمة عن هذا المرض الوبائي واستدعاء أحد الخبراء الموثوق بهم من المنظمة لمراجعة الإجراءات وإعادة الثقة بين الوزارة والمجتمع.

يبقى أن نقول إنه إذا لم تتعلم الوزارة من هذا الدرس جيدا فإن تكراره مستقبلا سيكون عارا على الخدمات الصحية وقد يدفع الثمن الكثيرون لأن الشأن الصحي هو في الواقع شأن سياسي واتضح ذلك من تداول موضوع "السحايا" وفشل الوزارة في التعامل معه في تصريحات العديد من المرشحين ولكن بعد ذلك سيتحول الأمر إلى مادة خصبة لاستخدام أدوات الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة وسيتسبب المسؤولون في الوزارة بهذا الأسلوب في إحراج أي وزير صحة قادم ووضعه في مرمى المساءلة النيابية من مجلس الأمة المقبل!

back to top