كيم جديد... أهي فرصة جديدة؟

نشر في 29-12-2011 | 00:01
آخر تحديث 29-12-2011 | 00:01
قد ينهار النظام الكوري الشمالي غداً، إلا أنه قد يستمر أيضاً عشرين سنة أخرى، حتى إن «الخلف العظيم» كيم جونغ أون قد يبقى في الحكم فترة طويلة بعد انتهاء عهد أوباما.

خلال رحلتي الأولى إلى كوريا الشمالية عام 1989، تحولتُ إلى مصدر إزعاج، إذ تطفلتُ على عدد من المنازل الخاصة، فأردت أن أرى حياة الكوريين الشماليين الحقيقية، ومع أن الناس فوجئوا بزيارتي غير المتوقعة، أعربوا عن روح ضيافة عالية.

لكن ما صدمني حقاً مكبر الصوت المتصل بجدار كل منزل. بدا مكبر الصوت هذا أشبه بجهاز راديو لا محطات له ولا زر تشغيل وإطفاء. في الصباح، يوقظ هذا الجهاز سكان البيت على مجموعة من الدعايات الكاذبة (خلال جولة الغولف الأولى، سجل كيم جونغ إيل خمس حفر في واحدة)، ويواصل هذا الجهاز أخباره هذه طوال اليوم.

يُظهر مكبر الصوت هذا أن كوريا الشمالية ليست مجرد دولة خاضعة لحكم دكتاتوري، بل البلد الأكثر استبداداً على الإطلاق. صحيح أن ستالين وماو كانا مجرمين لا يرحمان، إلا أنهما لم يلجآ إلى هذه الأساليب التكنولوجية، فقد أضافت عائلة كيم أنظمة معقدة إلى عمليات القمع التي تمارسها.

على سبيل المثال، يُعتبر كل معوّق منظراً غير محبب، لذلك، يُطرد كل مَن يعانون إعاقات من العاصمة بيونغ يانغ.

تُعتبر الدعاية الكاذبة التي تنشرها الحكومة وقحة، فخلال المجاعة، حذرت وسائل الإعلام الكورية الشمالية المواطنين الجائعين من الإفراط في الطعام بتكرارها قصة الرجل الذي أكل حتى التخمة فانفجر بطنه.

خلال تنقلي في كوريا الشمالية، توقفت في منطقة ريفية واخترت بطريقة عشوائية فتاتين في المدرسة الثانوية لأجري معهما مقابلة. بدتا ودودتين، مع أنهما كانتا خائفتين، لكني صُعقتُ عندما بدأتا تتكلمان في وقت واحد، مرددتين العبارات السياسية ذاتها، فبدتا أشبه بـ"آليين".

عندما بدأت أشرطة الفيديو (الأفلام، الموسيقى، والأشرطة الدينية) تُهرب من الصين، صارت الشرطة تتعمد قطع الكهرباء عن مبانٍ بأكملها، ثم تدخل كل المنازل لتتحقق من الأشرطة العالقة في أجهزة الفيديو، وإن عثرت على شريط مهرب في أحد المنازل، تُرسل العائلة برمتها إلى معسكر للأشغال الشاقة.

ماذا نستخلص من كل هذا؟ علينا، نحن الأميركيين، أن نقر بأخطاء سياستنا. إليكم بعض الدروس والعبر:

لا تفترضوا أن نهاية النظام وشيكة

غطيتُ الأخبار الكورية الشمالية في مراحل عدة منذ عام 1987. ولاحظتُ أن مَن لا يتتبعون أخبار هذا البلد عن كثب يتحدثون باستمرار عن انتفاضات وشيكة أو يعتبرون أن الحكومة تعد أيامها الأخيرة. نعم، قد ينهار النظام الكوري الشمالي غداً، إلا أنه قد يستمر أيضاً عشرين سنة أخرى. حتى إن "الخلف العظيم" كيم جونغ أون قد يبقى في الحكم فترة طويلة بعد انتهاء عهد أوباما.

لا تفترضوا أن الجميع يكرهون النظام.

هل ترون العدد الكبير من الكوريين الشماليين الذين يبكون موت كيم جونغ إيل؟ قد يكون حزنهم صادقاً. فخلال حواراتي مع الفارين من كوريا الشمالية، تفاجأت حين علمت أن كثيرين منهم ينتقدون نظام كيم، لكن هؤلاء يؤكدون أيضاً أن أقاربهم مازالوا يؤمنون بهذا النظام ويدعمونه، لأنهم لا يعرفون غير ذلك، وفضلاً عن ذلك، يتحلى كوريون كثيرون بروح وطنية قوية، فيفضلون حاكماً محلياً ظالماً على أي استعمار اقتصادي أجنبي.

يساهم الخوف والإيمان في إبقاء الناس يداً واحدة في دعمهم للنظام القائم. يذكر برادلي مارتين في كتابه عن كوريا الشمالية أن أحد مساعدي كيم جونغ إيل أخبر زوجته عن مجون الرئيس، وبما أن زوجة هذا المساعد تؤمن حقاً بنزاهة النظام الكوري الشمالي، وجهت رسالة إلى القيادة احتجت فيها على هذا الانحلال. أُعطيت هذه الرسالة إلى كيم جونغ إيل، الذي أمر بإحضار المرأة إليه. فأوقفها أمام حشد من الناس وانتهرها، فتقدم زوجها وطلب منه أن يسمح له بإعدامها، فكان له ما شاء، وهكذا قتل الزوج زوجته رمياً بالرصاص.

لا تحاولوا عزل كوريا الشمالية تفاعل الغرب مع كوريا الشمالية بفرضه عقوبات على هذا البلد وعزله، ولكن كان لهذه العزلة نتائج عكسية، فتُعتبر هذه العزلة من العوامل التي أبقت عائلة كيم في السلطة وساهمت في تعزيز نفوذها.

علاوة على ذلك، لن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى انهيار النظام. ففي منتصف تسعينيات القرن الماضي، مات نحو مليون شخص على الأرجح بسبب المجاعة، ولم يتعرض النظام لأي أذى.

تظهر إخفاقاتنا في التعامل مع كوريا الشمالية جلياً، ففي عام 1994، أوشكت الحرب أن تندلع في شبه الجزيرة الكورية، وقد تمكنّا من تفاديها بصفقة نووية قامت على أمل كاذب، فقد ظنت إدارة كلينتون أن النظام سينهار قبل أن يُضطر الغرب إلى تزويد كوريا الشمالية بمفاعلات نووية مدنية كجزء من هذا الاتفاق.

تمكنت إدارة بوش من التراجع عن هذه الصفقة، بعد أن قدمت أدلة على خداع كوريا الشمالية، لكن النتائج كانت أسوأ: سرعت كوريا الشمالية خط إنتاجها النووي وكدست ما يكفي من البلوتونيوم لتطوير ثمانية أسلحة على الأرجح.

يلوم المسؤولون الأميركيون الصين على تدليلها كوريا الشمالية، لكن بكين تملك على الأقل استراتيجية واضحة، فهي تحض نظام كيم على اتباع سياسات الانفتاح والإصلاح التي بدّلت الصين بحد ذاتها، فنُلاحظ اليوم الكثير من التجار الصينيين والهواتف الخلوية وأقراص الـDVD والـCD الصينية في المناطق الحدودية من كوريا الشمالية، وتساهم هذه السلع والعمليات التجارية في تقويض حكم كيم أكثر من أي سياسة تتبعها الولايات المتحدة.

ما من حلول ناجحة، ولكن دعونا نستغل انتقال القيادة لندفع كوريا الشمالية إلى الانفتاح، فإن نجحنا ولو بمقدار بسيط في تحسين العلاقات الدبلوماسية والتجارة والتبادلات الثقافية، فنحن بذلك لا نكافئ نظاماً مستبداً، بل نعمل على دفعه نحو الهاوية.

back to top