كاتم الأسرار

نشر في 26-01-2012
آخر تحديث 26-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 أحمد عيسى برحيل الشيخ سعود الناصر مطلع الأسبوع خسرت الكويت واحداً من أبطال تحريرها، ولاعباً مهماً في تاريخها الحديث، وقطبا ثقيل الوزن داخل الأسرة الحاكمة.

في يوم ما من عام 2007 التقيت الراحل الشيخ سعود الناصر في منزله بصحبة صحافي خليجي مع الزميل الذي رتّب لنا اللقاء على عجالة بعد طلب صديقي التقاء أحد أقطاب الأسرة الحاكمة لفهم طبيعة الصراع الكويتي، فكان له ما أراد خلال أقل من 24 ساعة، وكانت المرة الأولى التي ألتقي فيها الشيخ وجهاً لوجه لأكثر من 3 ساعات متصلة.

بدا الراحل خلال اللقاء معتداً بنفسه، وتحدث بإسهاب عن 3 قضايا رئيسة وتفرعاتها: الأولى، الوضع الإقليمي بالمنطقة بدءاً من الغزو حتى تحرير العراق، وكيف تعاملت الكويت دبلوماسيا مع العراق بوجود صدام حسين وبعد رحيله، والمحطات المهمة التي كان الراحل شاهداً عليها، ودوره في التنسيق مع الأمير بندر بن سلطان لأن الرجلين سفيران لبلديهما بالولايات المتحدة الأميركية، ولفت انتباهي امتلاكه ذاكرة حديدية ومعلومات حاضرة، وكأن الغزو العراقي حدث قبل أسابيع لا 17 عاماً، بما قدمه من تفاصيل متناهية الدقة عن يوميات الغزو والدور الدبلوماسي الذي لعبه وقتها بالتعاون مع مندوب الكويت الدائم في الأمم المتحدة محمد أبو الحسن، ووكيل وزارة الخارجية العم سليمان ماجد الشاهين، وبمتابعة لصيقة من وزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الأحمد وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله رحمه الله.

القضية الثانية، كانت الإسلاميين وعلاقتهم بالنظام، وكيف أن لديهم مشروعاً واضح المعالم للسيطرة على مفاصل القرار بالكويت، وجدد لنا تصريحه الذي أكد فيه أن الكويت مختطفة من الإسلاميين، وتحدث عن دور "الإخوان المسلمين" تحديداً خلال حرب تحرير الكويت، وموقفهم من الغزو العراقي بما فيهم فرع الكويت.

واختتم حديثه بالتطرق إلى صراع أبناء الأسرة الحاكمة موضحا أن هناك أكثر من مدرسة وفريق داخل الأسرة، كاشفاً عن أن انتخابات مجلس الأمة تعتبر الواجهة الواضحة لطبيعة الصراع لكنها تشكل رأس الجبل الجليدي منه لا واقع الصراع وكامل مواقعه. وتخلل ذلك اللقاء معلومات قدمها مضيفنا الراحل بكل كرم بهدف توضيح الصورة، كما وافق مبدئياً على أن نتولى الإشراف على كتابة مذكراته عن فترة الغزو العراقي، ومبيناً أنه سجل سبع حلقات لقناة "أوربت" بالتعاون مع الإعلامي محمد القحطاني لتبث "في وقتها المناسب" كما قال حرفياً، ومتعهداً أن نستكمل الحديث معه في وقت لاحق، إلا أن القدر تدخل وجرفه بعيداً عنا دون أن نكمل مشروعنا الذي لم نبدأه. كان الراحل رجل دولة بحق، مدركاً دوره الحقيقي كلاعب أساسي خلف الستار وفاعل على الأرض، ومصدر معلومات رئيسي لعدد من الزملاء خلال الأزمات السياسية التي شهدتها البلاد على مدى الأعوام العشرة الأخيرة، ومنسق حقيقي على أكثر من مستوى، ربما كان آخرها استضافته مجموعة شخصيات على خلفية ملاحقة الشيخ ناصر المحمد للكاتب محمد عبدالقادر الجاسم.

برحيل الشيخ سعود الناصر تكون الكويت فقدت واحداً من أبطال تحريرها، وكاتم أسرار لم يشأ القدر أن يفصح عنها، رجل فخم بتواضعه، هندس لاستعادة الحق الكويتي وأعاد للكويت مكانتها الثقافية والأدبية على مستوى المنطقة، ونقل الإعلام الكويتي إلى المستقبل، ورغم ضعف الإمكانات فإن ذلك لم يقيده ولم يعطه العذر لأن يكون مجرد وزير يحضر اجتماعات مجلس الوزراء بقدر ما أثرى مواقعه المختلفة، فأضاف لها بشخصه كونه الشيخ سعود الناصر ولم تضف أي شيء إلى رجل كان مستواه أكبر من كرسي الوزارة.

back to top