Red Tails يكرّم الطيارين السود
تطول لائحة الأفلام التي تتناول الحرب، أولها Sands of Iwo Jima وآخرها The Hurt Locker. مع ذلك، لا تزال السينما حريصة على إصدار هذا النوع من الأفلام التي تطرّق آخرها إلى طياري «توسكيجي»، وهم طيارون أميركيون من أصل أفريقي خاضوا معركتين خلال الحرب العالمية الثانية: الأولى معركة ما وراء البحار ضد الألمان، والثانية كانت داخلية ضد التمييز العنصري.يتعرف جمهور السينما إلى هؤلاء الطيارين في Red Tails المصوّر على طريقة فيلم Top Gun.
Red Tails فيلم تشويق ضخم أشرف على إنتاجه مخرج Star Warsجورج لوكاس الذي تولى أيضاً مهمّة تمويل الفيلم من ماله الخاص. بعد مشاهدته الفيلم قبل عرضه في دور السينما، قال مدير مؤسسة Tuskegee Airmen Inc. أرثور غرين: «أعتقد أن الفيلم سيحصد ما لا يقل عن أربع أو خمس جوائز».بالنسبة إلى مجموعة طياري توسكيجي الحقيقية التي يبلغ أعضاؤها اليوم الثمانين والتسعين عاماً والتي تضم طيارين ومدفعيين ومطلقي نار ومهندسين ميكانيك وطاقم دعم، فإن مهمّة Red Tails تتخطى مجرّد الترفيه أو الترويج لبسالة هذه المجموعة وشجاعتها. ذكر هاري سيتوارت جونيور (87 عاماً): «يرمي هذا الفيلم إلى دفع جيل اليوم إلى الاقتداء بهؤلاء الأبطال».سيتوارت الذي يسكن في بلدة بلومفيلد تاونشيب في ولاية ميشيغان قام بـ43 مهمّة جوية في أوروبا، أضاف: «يلقي الفيلم الضوء على إنجازات هؤلاء الرجال ويظهر أن العمل الدؤوب هو سرّ تحقيق الأحلام والأهداف في الحياة. أعتقد أنه يدعو الجيل الصاعد إلى التحلّي بالكبرياء والشجاعة».في الواقع، لم يَرِد ذكر طياري توسكيجي في تاريخ الحرب العالمية الثانية لفترة طويلة. قال ويليام هورتون تومبسون )92 عاماً) المقيم في ديترويت: «لم نُذكر في صفحات التاريخ. في المقابل، لم نكن نتحدّث عن الموضوع لأننا كنا مشغولين في كسب لقمة العيش».تمييز عنصريلقي طيارو توسكيجي معاملة سيئة من الجيش الأميركي الذي كان منقسماً عرقياً آنذاك، واعتبر الضباط فيه أنه لا يجوز السماح للأميركيين من أصل أفريقي قيادة الطائرات خلال المعارك، وعلى رغم ذلك حققت فرقة الطيارين السود نجاحاً باهراً.بعد مرور 70 عاماً على نضالهم، يُكرم هؤلاء الرواد الشجعان في فيلم تشويق حربي استحقوه عن جدارة. يُذكر أن Red Tailsفيلم مشوّق ووطني مثلCaptain America. إلا أنه مستوحى من شخصيات حقيقية، وليس من شخصية كتاب قصص هزلية.خلال عرض أولي للفيلم في برمينغهام في ولاية ميشيغان حضره كثير من قدامى مجموعة طياري توسكيجي بولاية ديترويت، أوضح الممثل إليجا كيلي الذي شارك في البطولة: «مقارنة بأبطال عصرنا ، يعتبر أعضاء هذه الفرقة أبطالاً خارقين».عمل لوكاس لمدّة 23 عاماً على إعداد هذا الفيلم السينمائي. خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة USA Today، قال إنه تقدّم بطلب لتمويل الفيلم من ستّ شركات إنتاج ضخمة، إلا أنها لم توافق على طلبه خوفاً من مواجهة مشاكل تسويقية، فقرّر لوكاس أن ينفق 58 مليون دولار من ماله الخاص لإنجاز الفيلم.تاريخ حافلصحيح أن لطياري توسكيجي تاريخاً حافلاً بدأ ببرنامج صغير في معهد توسكيجي، إلا أن Red Tails يركّز على إنجازات الفرقة المقاتلة رقم 332 التي كانت تتخذ مقراً لها في قاعدة راميتالي الجوية في إيطاليا. يصوّر الفيلم كيف كان الطيارون يرافقون مطلقي القنابل في مهماتهم الحيوية فوق أراضي العدو، وكيف كانوا يُنزلون الطائرات الألمانية ويصيبون أهدافاً مثل القطارات والسفن أينما وجدت. استوحى الصناع عنوان الفيلم من اللون الأحمر الذي كان يُطلي به ذيل طائرات موستانغ B 51، ويؤدي الأدوار ممثلون أميركيون من أصل أفريقي: تيرينس هاورد، كوبا غودينغ جونيور، وعدد من ممثلين شبان صاعدين يجسدون أدوار طيارين ومهندسي ميكانيك وضباط مسؤولين عن وحدات عسكرية عملوا في الفرقة 332.أخرج Red Tails أنثوني هيمينغواي الذي تشمل نجاحاته المسلسلين التلفزيونيين المعروفين Treme وThe Wire، فيما كتبه جون ريدلي صاحبThree Kings وUndercover Brother، ومؤلف مسلسل Boondocks آيرون ماك غرودير.بخلاف فيلم The Tuskegee Airmen من بطولة لورانس فيشبورن، الذي حقق في عام 1995 إيرادات قياسية مقدماً معالجة تاريخية عامّة، يجمع Red Tails بين ميزات فيلم إثارة قديم الطراز من جهة، ومؤثرات خاصة متطورة مستعملة في عام 2012 من جهة أخرى. قال غودينغ الذي شارك في The Tuskegee Airmen وأدى في Red Tails دور رائد يحب تدخين الغليون: «عندما تشاهد الفيلم، تشعر بأنك تجلس فعلياً في قمرة الطيار، وتتذكر مشاهد عراك الكلاب في فيلم Star Wars. أعتقد أن الفارق الوحيد يكمن في أن جميع الممثلين المتواجدين في القمرات هم سود البشرة، باستثناء أولئك الذين جسدوا دور الألمان النازيين الذين حاولوا إسقاط الطائرات الأميركية».على غرار سائر أعضاء طاقم العمل، قام غودينغ بجولات في مختلف أنحاء البلاد للترويج لفيلم Red Tails.مجموعة وطنيةلا تزال ديترويت تساهم بشكل كبير في نشر قصة طياري توسكيجي في أوساط الأجيال الشابة. فالمدينة تضم الفرع الأساسي لمؤسسة طياري توسكيجي Tuskegee Airmen Inc. وهي عبارة عن مجموعة وطنية تجتمع سنوياً.لدى طياري توسكيجي العاملين في مترو ديترويت ذكريات كثيرة عن التدريبات والتجارب التي خاضوها ما وراء البحار. يعيش واشنطن د. روس (92 عاماً) راهناً في ساوثفيلد، وقد خدم في قاعدة راميتالي الجوية مؤدياً 63 مهمّة عسكرية جوية خلال أقل من عام. قال مسترجعاً الذكريات: «تفاجأ الطيارون البيض في البداية عندما علموا بوجود طيارين سود في الفرقة الجوية»، وأضاف: «كان الطقس آنذاك عاصفاً، ما اضطر بعض الطيارين إلى الهبوط في منطقتنا والبقاء فيها لحوالى يومين أو ثلاثة. عندما نادونا لتناول الفطور، رفض البعض الجلوس مع السود على الطاولة نفسها. أما الطيارون السود فقالوا: حسناً، افعلوا ما يحلو لكم ولكننا سنتناول الطعام. عندها شعر الطباخون بفخر كبير لتحضيرهم الطعام للسود».تابع روس موضحاً أن الطيارين البيض طلبوا في النهاية من أعضاء الفرقة 332 مرافقتهم في جولاتهم لأن طياري هذه الفرقة كانوا يشتهرون ببراعتهم في تأمين الحماية للطائرات الأخرى. لكن بدلاً من أن يُستقبل طيارو توسكيجي استقبال الأبطال بعد انتهاء الحرب، واجهوا التمييز العنصري نفسه الذي مورس ضدهم قبل الحرب. فستيوارت، الذي خدم في قاعدة راميتالي الجوية وأنجز 43 مهمّة جوية عسكرية، شعر بالحزن عند تقدّمه للعمل في شركتين للطيران الجوي. رفضته الأولى من دون تقديم أي مبرّرات. أما الثانية فاعتذرت منه بواسطة أحد موظفيها قائلاً: «هل تعرف أن الناس قد يفقدون الثقة بالشركة إن شاهدوك تتجول في ممرّ الطائرة؟».على رغم الصعوبات كافة، نجح ستيوارت في تخطي المصاعب وأصبح مديراً تنفيذياً في شركة ANR Pipeline النفطية. يُعتبر أعضاء مؤسسة طياري توسكيجي في ديترويت، مثل تومبسون وروس وريتشارد جينينغز، من الأشخاص المؤسسين لمتحف طياري توسكيجي الوطني الواقع في منطقة Historic Ft.Wayne، مع الإشارة إلى أن رئيس بلدية ديترويت السابق والعضو البارز في المؤسسة كولمان يونغ قد ساعد على تأمين مقرّ لهذا المتحف.لا يتباهى أعضاء فرقة طياري تروسكيجي بإنجازاتهم. تومبسون الذي أصيب بمرض بعد أول رحلة له قضى على فرصته في الطيران، قال إن رفاقه لم يتحدّثوا كثيراً عن جهودهم الفردية، وتابع: «كان لديّ زميل مقرّب لم أكتشف إلا يوم دفنه أنه كان تلميذاً عسكرياً في قاعدة توسكيجي في ولاية ألاباما».إلا أن مجموعة الرجال هذه عملت بلا كلل وملل على مرّ الأعوام لتثقيف الأجيال الشابة عن مجموعة طياري توسكيجي، فحاضر أعضاؤها في المتاحف والمدارس والجامعات، وشاركوا في برامج تدريب على الطيران مثل برنامج أكاديمية ACE الموجّه إلى الفئات المهمّشة داخل مدينة ديترويت وخارجها.قال مدير متحف طياري توسكيجي الوطني دكتور براين سميث إن Red Tails يختصر سنوات طويلة من المغامرات في ساعتين، إلا أنه يصوّر أيضاً بدقة وأمانة تلك الروح التي كان يتمتّع بها طيارو توسكيجي.أضاف قائلاً: «أعتقد أن الفيلم يظهرهم على أنهم أبطال خارقون، وهذا ما يحتاج الأميركيون إلى معرفته بشأن هؤلاء الرجال، فهم قاموا فعلياً بأمور بطولية خارقة خلال الحرب، إضافة إلى تعرّضهم للتمييز العنصري. كانوا يقاتلون للدفاع عن أشخاص لا يحبونهم لا بل يمقتونهم».خدم ألكسندر جيفرسون (90 عاماً) في قاعدة راميتالي الجوية، منجزاً 18 مهمّة عسكرية جوية طويلة المدى قبل أن يُسقط الألمان طيارته ويرسلوه إلى مخيمات مخصصة لسجناء الحرب. قال، مقارناً الفيلم بالواقع، إن الضابط المسؤول عن قيادة الفرقة 332 لم يكن يسمح للطيارين بإجراء محادثات درامية كتلك المصوّرة في فيلم Red Tails، وتابع كلامه مازحاً: «كان ليقتلنا عند سماعه مثل هذه الأحاديث»، مضيفاً أن المحادثات اللاسلكية كانت هادئة ومقتضبة.انتهت الحرب وتحوّل جيفرسون إلى مهنة التدريس وأصبح نائب مدير مدرسة ديترويت الرسمية. بعد سبعة أعوام، أصدر كتاباً يروي فيه التجارب التي خاضها خلال الحرب.يعي جيفرسون جيداً أهمية سرد التاريخ في الكتب ودمجه في الثقافة الشعبية بواسطة أفلام مثل Red Tails، الذي قد يساعد اليوم وفي الأعوام المقبلة على نقل التاريخ إلى الأجيال الجديدة. يختم جيفرسون: «أشكر الله على هذا الفيلم».