أوراق من حياة دون جوان السينما المصرية (3) : كمال الشناوي... تزوج 5 مرات ومثّل أمام 40 نجمة
لم يكن كمال الشناوي مجرد ممثل حقق نجاحاً وشهرة ونجومية، لم يكن مجرد حصان رابح للمنتجين والمخرجين، لم يكن مجرد «دونجوان» معبود النساء وتتهافت عليه المعجبات، لم يكن مجرد موهوب يغيّر جلده باستمرار ليكون ذلك تعويذة نجاحه وسرّ استمراره، بل قطعة من قلب السينما وعقلها رسم بأعماله تاريخها وحدد مسارها وعبر عن فلسفتها وأبرز أهميتها.
-1-كمال الشناوي أسطورة تمثيل قادرة على منحنا الإبداع والصدق، النجم السينمائي الوحيد الذي ضرب رقماً قياسياً في عدد النجمات اللواتي وقفن أمامه، وبلغ عددهن 40 نجمة شاركنه بطولات أعمال سينمائية من بينهن: رجاء عبده، مديحة يسري، سميرة أحمد، زبيدة ثروت، نبيلة عبيد، نادية الجندي، هالة فؤاد، نادية لطفي، سعاد حسني، برلنتي عبد الحميد، مريم فخر الدين، ليلى طاهر، راقية إبراهيم، أميرة أمير، قوت القلوب، ثريا حلمي، زوزو ماضي، فاتن حمامة، تحية كاريوكا، ليلى فوزي، نيللي...كان الشناوي وسيماً و{جنتلمان»، يجيد معاملة المرأة ويفهم طبيعتها ويعزف ببراعة على مشاعرها، ولعل ذلك أحد أسباب زواجه خمس مرات. وكان من المقرر أن تكون الفنانة هاجر حمدي زوجته الأولى وليست الثانية ولهذا الأمر حكاية طريفة رواها الشناوي:«أثناء عملنا معاً في فيلم «حمامة السلام» (1948) كسرت هاجر أصناما كثيرة في حياتي وحطمت فكرة أن الراقصة مجرد جسد، وكانت عقلاً راجحاً كبيراً. اكتشفتُ بعد لقاءات أنها صاحبة خلفية أدبية عميقة، وقرأت لمعظم الكتّاب ومتحدثة بارعة وتفكيرها مرتّب ومنطقها قوي. وفي يوم دعتني إلى منزلها فوجدت مكتبة عامرة بكتب لا تتوافر عند أي أديب أو صحافي، ووجدتها إنسانة كريمة، لم أكن أملك سيارة في حين كان لديها سيارة وسائق خاص، وكنت أقيم آنذاك في شقة مفروشة في «باب اللوق» بعدما تركت منزل جدي، وكانت تصرّ على توصيلي وهي في طريقها إلى منزلها في «ميدان الإسماعيلية» الذي أصبح في ما بعد «ميدان التحرير». فكرت أن أتزوجها لكن تصوير الفيلم انتهى وفرّقت بيننا أمور كثيرة وانشغل كل واحد بحياته وعمله الفني».-2-تزوج الشناوي الفنانة عفاف شاكر، الأخت الكبرى للفنانة المعتزلة شادية، واستمر زواجهما عاماً ونصف العام، تخللته شجارات دائمة انتهت بالطلاق. وبعد ذلك ألتقى الشناوي بهاجر حمدي، مجدداً، وعرض عليها الزواج فوافقت فوراً، لكن قبل أن يذهبا إلى المأذون اشترط عليها اعتزال الرقص فوافقت بلا تردد، وكانت زيجة ناجحة اجتمعت فيها العناصر الكفيلة لاستمراريتها، لكن غيرة هاجر أفشلتها. فقد كان الشناوي في قمة نجاحه ويمضي معظم وقته في التصوير، فيما نسي المنتجون هاجر وكانت تمضي وقتها في المنزل. إلا أن هذه الغيرة لم تمنعهما من إنجاب ابنهما محمد وتمّ الطلاق بعد ذلك. أصبح محمد في ما بعد مخرجاً وهو متزوج من زيزي، ابنة علية شبانة شقيقة عبد الحليم حافظ.أما الزوجة الثالثة فكانت زينب الدجوي، خالة الفنانة ماجدة الخطيب، وأنجب منها الشناوي ابنه المهندس الراحل علاء، الذي تزوج من خارج الوسط الفني وله ولدان: عمرو وإيمان. وكانت الزوجة الرابعة الفنانة ناهد شريف التي تعرّف إليها النجم الراحل في فيلم «زوجة ليوم واحد» (انتجه عام 1963)، فجذبته بأنوثتها وخفة دمها، وتزوّجا عام 1968 وبعد أربع سنوات طلقها (1972) بهدوء بناء على رغبتها، وطلبت أن يظلا أصدقاء وهكذا كان.أما زوجته الخامسة والأخيرة فكانت السورية سمر التي عاشت معه حتى رحيله.-3-كان كمال الشناوي متحدثاً من طراز خاص، يخطفك بأسلوبه في الكلام، يهتم بالتفاصيل ربما لكونه فناناً تشكيلياً، ومن بين الاعترافات الطريفة التي احتفظ بها سنوات طويلة، ذلك الذي يعلن فيه أنه كان السبب في زواج سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، يقول: «كنا نمثل معا فيلم «خلود» إخراج عز الدين ذو الفقار، ونشأت قصة حبّ بين فاتن وعزّ، وكان والدها يحرص على مرافقتها إلى الأستوديو، وعندما قرر عز الزواج منها دبّر مؤامرة اشتركت فيها مع الصحافي جليل البنداري لإتمام الزواج، فجلس جليل مع الوالد يتجاذب أطراف الحديث بينما انصرفت فاتن معي للانتهاء من وضع الماكياج، ثم أستأذن عز الدين وتوجه إلى غرفة فاتن وخرجا معاً من الباب الخلفي للأستوديو حيث كانت تنتظرهما سيارة توجها فيها إلى المأذون وعقد قرانهما، ثم سافرا إلى الإسكندرية لتمضية شهر العسل. وأذكر أن الوالد سأل عن ابنته وعندما علم بخبر زواجها أغمي عليه في الأستوديو{.-4-كان الود مفقوداً بين الشناوي وأنور وجدي إلى درجة أن الصحافيين كانوا يقارنون بينهما، فقد ردّد أنور مراراً: «لا يصلح كمال على الإطلاق لأدوار البطولة وغير مؤهل لذلك»، فثار الشناوي ودافع عن نفسه قائلاً إنه بحكم الزمن لم يعد أنور يصلح لأدوار الفتى الأول بعدما صار له لغد وكرش.وفي يوم فوجئ كمال بأنور أمامه في الأستوديو وهو يقول بانفعال: «قل عني إني فاشل في التمثيل أو لا أصلح لأكون مخرجاً لكن ما تقولش إني بكرش». ثم خبط أنور على كرشه بيده وقال: «أنا كل ما ألاقي كرشي أشعر بأنني شبعان ومش جوعان. جربت الجوع سنين طويلة وكنت أشتري سندويش الفول وأقسمه نصفين، نصف أفطر به ونصف أتعشى به. أنت ما جربتش الجوع زيي». عندها بكى الشناوي واحتضنه واعتذر له.الغريب أنه بعد سنوات طلبه أنور لبطولة فيلم «ليلة الحنّة» من إنتاجه وإخراجه أمام شادية، وحين رحل أنور وجدي (1955) رأى الشناوي أن يضع على قبره باقة وفاء، فأنتج فيلم «طريق الدموع» (1961) عن حياته شارك في كتابته مع السيد بدير وأخرجه حلمي حليم. وفضّل حلمي أن تؤدي ليلى مراد دورها نفسه في حياة أنور، لكنها اعتذرت وأختار صباح بدلا منها.-5-ونحن نفتش في دولاب ذكرياته قال لي الشناوي: «تصوّر أنني كنت اشتغل في أربعة أفلام دفعة واحدة، وكان يومي يبدأ في التاسعة صباحاً وينتهي في الواحدة بعد منتصف الليل، وكنت آخذ معي الملابس في سيارتي غالباً وأضع على كل بدلة بطاقة أكتب عليها اسم الفيلم ومخرجه كي أنظّم ارتدائي للملابس.وضحك عندما تذكّر دهشة عماد حمدي، الذي كان يشاركه بطولة أحد الأفلام، من تغيير كمال للحذاء واستبداله بحذاء من لون مختلف يتلاءم مع البدلة الجديدة التي ارتداها في المشهد. سألته: «هل هذا لكونك فناناً تشكيلياً عاشقاً للألوان؟» أجاب: «معك حق أصبح الفن التشكيلي جزءاً من تكويني الشخصي». ثم ضحك متذكراً أحد مشاهد فيلم «لا أنام»: «تخيل ظهرت ثلاث ممثلات في مشهد واحد يرتدين فستاناً أحمر اللون ولم ينتبه أحد لضرورة تناغم الألوان».-6-في استفتاء أحسن 100 فيلم مصري الذي أجراه «مهرجان القاهرة السينمائي» عام 1996 بمناسبة مئوية السينما المصرية، حصل الشناوي على المركز الثالث بعد رشدي أباظة بفارق أربعة أفلام وشكري سرحان بفارق فيلمين، وبرصيد ستة أفلام اختيرت ضمن مائة فيلم هي: «اللص والكلاب»، «المستحيل»، «أمير الانتقام»، «المذنبون»، «الرجل الذي فقد ظله»، «الكرنك».-7-في آخر حوار صحافي معه قال الشناوي: «أنا راض بقضاء الله»، وكان ذلك بعدما داهمته أمراض الشيخوخة، خصوصاً القلب والضغط، وأكد أن محنة المرض لم تبعده عن الالتزام بالصلاة داعياً الله أن يحسن ختامه بأعمال الخير.وكان الشناوي يحضّر سيرته الذاتية في شكل حلقات تلفزيونية لصالح التلفزيون المصري، ووافق على أن تكون مأخوذة من مذكراته التي أعدّها بنفسه وانتهى من كتابة بعض أجزائها.-8- قدّم الشناوي حوالى 270 فيلماً كان آخرها دوره في «ظاظا» (2006)، أتيح له الغناء لأول وآخر مرة في حديقة الأزبكية التي شهدت في الأربعينيات والخمسينيات حفلات غنائية لقمم الغناء، ما يفسر الثقة التي كان يؤدي فيها ثنائياته الغنائية مع شادية وغيرها من ممثلات، ويؤكد الحسّ الموسيقي السليم لديه.-9-أدرك الشناوي الفرق بين الأداء في السينما وعلى خشبة المسرح، وفي اختيارات كثيرة كان قادراً على فرض وجهة نظره كفنان حتى في بداياته، فمثلا في فيلمه الأول، وكما جاء على لسانه، طلب منه المخرج أن يرتفع صوته في الأداء أثناء تمثيل المشهد لكنه اعترض، بل أصرّ على ذلك مرجعاً السبب إلى كونه يجسد شخصية فتى خجول يدرس في كلية الطبّ دفعه حبه إلى خطبة إبنة الجيران، لذا لا بد من أن يكون مرتبكاً، متردداً، يغالب الخوف والحرج، ومن الطبيعي أن يخفض طبقة صوته قليلا كي تتواءم مع ظروف اللحظة.هكذا كانت الثقة والقدرة على تفهّم ما يعهد إليه من شخصيات أكثر ما أشيع عن هذا القادم الوسيم الذي راقب الجميع أداءه فتلاحقت العقود.-10-في 22 رمضان الماضي وبعدما تناول السحور، دخل كمال لينام ولم يكن يشعر بإرهاق أو تعب. كان يرفض الذهاب إلى المستشفى لكرهه فكرة أن يحمله أحد، خصوصاً بعدما أصيب بجلطة في الدماغ، كذلك عانى في أواخر أيامه من حالة نفسية سيئة بدأت بعد وفاة ابنه علاء في رمضان قبل الماضي.دخل الشناوي لينام، وفي الفجر دخل عليه ابنه محمد ليوقظه حتى يصلي،هزه مراراً ولم يتحرك، كانت على شفتيه ابتسامة ودع بها حياته عن عمر يناهز الـ 90 عاماً، فانطوت صفحة جميلة من كتاب الفن والسينما، وانطوت حياة نجم حفلت بالفن والنجاح والأضواء والشهرة والاستمرار والإصرار على البقاء دائماً فوق... عند القمة.أسئلةهل كانت أناقتك هي كلمة السرّ في حصولك على لقب «دون جوان» الشاشة العربية؟في أول ظهوري كانت السينما تعتمد على الوسامة والشخصية والموهبة لأنها كانت تقلد النمط السائد في أوروبا وأميركا وهو الاعتماد على الفتى الأول والبطلة الجميلة.اختارك المخرج عاطف سالم لتجسيد شخصية الفلاح عوضين للمرة الأولى في فيلم «يا ناس ياهوه»، فما ذكرياتك مع هذه الشخصية؟كنت مرعوباً من الدور لأن عشرات الممثلين جسدوا شخصية الفلاح مثل محمود المليجي وعزت العلايلي، وفكرت في الاعتذار عنه لكن عاطف أصرّ.ما الدور الذي عذبك حتى رسمت ملامحه واخترت ملابسه وعشت انفعالاته؟أي شخصية تتعبني للوصول إلى شكلها النهائي، إلا أن شخصيّة وزير الداخلية في «الإرهاب والكباب» دوّختني، فغيرت تسريحة شعري وفتشت في الماكياج الداخلي لها.ما سر براعتك في الشخصيات السياسية؟أحببت هذا النمط ورفضت تكراره، فكل دور يتميز بمواصفات مختلفة عن الآخر.تجاربك في المسرح قليلة، لماذا؟لي ثلاث تجارب مسرحية ناجحة هي: «أدب الجواز» مع ناهد شريف، «مصيدة للإيجار» مع ليلى طاهر، «اللعب على المكشوف» (1975) مع شهيرة. للأسف لم يجذبني المسرح نظراً إلى التفرغ الكامل الذي يتطلبه، ومسارحنا غير مجهزة بأحدث أجهزة التكنولوجيا.ما سر الشباب الدائم الذي تبدو عليه؟ببساطة أعيش حياتي بنظام ثابت، أنام باكراً وأصحو باكراً وأحافظ على لياقتي الجسدية والذهنية والنفسية وأتبع حمية خاصة وأمارس الرياضة بانتظام، وأنا موسوس بطبيعتي ولا أرضى عن شيء.هل تذكر موقفاً بكيت فيه؟كان من المقرر أن أسافر مع ابني علاء لأداء فريضة الحج، لكن شاءت الظروف أن يسافر بمفرده وفي يوم وقفة العيد كنت أشاهد مراسم الحج في التلفزيون فتذكرته وانفجرت في البكاء كما لم أبكِ سابقاً.